اعتدال سلامه من برلين: تحدث الكثير من الكتاب الالمان وغيرهم عن التعاون الوثيق بين المانيا واسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية وانشاء الدولة العبرية الا ان كتاب ييشاياهو يالينك اليهودي التشيكوسلوفاكي الاصل والاستاذ في جامعات المانية واسرائيلية دخل في تفاصيل اعمق والقى نظرة على جوانب ظلت لسنوات في الخفاء لانها حساسة جدا، ولقد اصبح هذا الكتاب مرجعا مهما للسياسيين والاعلاميين.

ففي كتابه بعنوان quot; المانيا واسرائيل بين 1945- 1965 علاقة عصبية quot; قال يالينك ان منذ جمهورية فيمار وعهد بيسمارك تعطلت السياسية الالمانية حيال الشرق رغم ما شهدته العلاقات الالمانية مع الامبراطورية العثمانية قبل ذلك على كل الاصعدة الاقتصادية والثقافية والحضارية. وواصل هتلر هذا الخط حتى عام 1941 عندما اراد قهر الامبراطورية البريطانية ليتسلم نفوذها في المنطقة، لكن احلامه لم تتحقق.

وبعد الحرب العالمية الثانية وتقسيم المانيا ربطت المانيا الغربية سياستها بخط الولايات المتحدة الاميركية بشكل عضوي ، وبناء عليه وقعت اتفاقيات معلنة وغير معلنة ليس فقط لدعم اسرائيل سياسيا بل وتزويدها بكل ما تريده من اسلحة وتقنيات حربية عالية ومتطورة وشملها في محافل دولية مهمة، كما اعتبرت الحليف المخلص في منطقة الشرق الاوسط الذي سيظل التوتر مسيطرا عليها الى اجل غير مسمى.

وبرأي الكاتب يالينك ادت هذه السياسة الالمانية حيال اسرائيل الى تعطيل قنوات الاتصال لعقود طويلة بين المانيا وعواصم العالم العربي وتجميد علاقاتها مع عشرة البلدان في الستينيات من القرن الماضي سارعت المانيا الشرقية يومها الى ملئ هذا الفراغ الذي ظل تاثيره حتى التسعينيات واستفادت منه. لكن بعدها حاولت المانيا الموحدة التحرر قليلا من الايديولوجيات التي فرضتها الحرب الباردة والوصاية الاميركية.

ومع ظهور نفوذ الاتحاد الاوروبي سياسيا سعت برلين الى تطوير موقف اوضح من الصراع العربي الاسرائيلي، فالتزمت بالتحفظ قليلا بعد حادثة الحادي عشر من ايلول والحرب في العراق مع وعد المستشار الالماني يومها الاشتراكي غرهادر شردودر الرئيس جورج بوش بالمساندة التامة، لكن عندما شنت واشنطن حربها على العراق رسمت برلين حدودا لهذه المساندة التي وعدت بها نتيجة رصها الصف مع فرنسا وروسيا.

لكن رغم هذا التحول لا يرى الكاتب دليلا على تغيير جوهري لتخلص برلين من ذيول الماضي النازي وبناء موقف واضح من العديد من القضايا مثل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني ومطالبتها واشنطن بالتشاور معها في كل قضية تتعلق بالشرق الاوسط طالما انها تعتبرها الشريك الوفي والتخلص من اتباع سياسة الولايات المتحدة الاميركية، لذا حان الوقت لكي تطور المانيا سياسة للشرق الاوسط خاصة بها وعدم الاكتفاء بتبني موقف الاتحاد الاوروبي حاليا، فكل بلدان الاتحاد لها موقفا خاصا بها من الوضع في المنطقة.