باريس: سعى الرئيس جاك شيراك الذي كان صاحب الأمر والنهي في السياسة الخارجية الفرنسية

رحيل بعد 12 عامًا في الرئاسة
طوال 12 سنة لإعلاء صوت مستقل في وجه الولايات

المتحدة لا سيما من خلال رفضه المشاركة في الحرب على العراق، لكنه سيبقى أيضًا من عطل المحرك الفرنسي في أوروبا. وشيراك الذي دشن ولايته الأولى عام 1995 باستئناف التجارب النووية في جنوب المحيط الهادئ مثيرًا استياء كبيرًا، تحول في نهاية رئاسته إلى محام يدافع عن الكرة الأرضية من الخطر وإلى أحد دعاة التضامن مع الدول الفقيرة.

وزار شيراك إفريقيا على الأقل مرة في السنة ما يدل على تعاطفه مع هذه القارة التي دافع عنها في كافة المنتديات بدون أن يمنعه ذلك من انتقاد بعض الأنظمة التعسفية.

وترك شيراك بصماته على الساحة الدولية عبر بعض الحوادث المثيرة مثل فورة الغضب التي إنتابته في 1996 أمام رجال الشرطة الإسرائيلية في مدينة القدس العتيقة أو معاتبته غير الدبلوماسية لدول شيوعية سابقة في أوروبا الشرقية لإنحيازها لواشنطن عام 2003.

وحاول الخليفة الرابع للجنرال ديغول خصوصًا إدراج عمله في إطار مبادئ مؤسس الجمهورية الخامسة في فرنسا ببعض القناعات القوية مثل quot;فرنسا تتمتع بنظرة مستقلة إلى العالمquot;.

وترجم ذلك بإرادته في الوقوف في وجه أي قوة أميركية سواء بشأن تطوير الدفاع الأوروبي أو مكافحة هيمنة هوليوود الثقافية أو الدعوة إلى قيام عالم متعدد الأقطاب لمواجهة quot;النزعة الأحاديةquot;.

وسيبقى من أعظم إنجازات رئاسته الوقوف في وجه الإجتياح الأميركي في العراق عام 2003 لقلب نظام صدام حسين عندما إرتدى حلة quot;داعية السلامquot; وقاد جبهة مناهضة للحرب ضد الرئيس جورج بوش.

وارتفعت شعبيته إلى درجات غير مسبوقة في فرنسا حيث ساند موقفه ثلاثة أرباع الفرنسيين وفي عدد من دول الجنوب وخصوصًا في العالم العربي مثل الجزائر حيث إستقبل كبطل خلال زيارته سنة 2003. لكن تلك السياسة تسببت أيضًا بأحد أكبر الخلافات في تاريخ العلاقات الفرنسية الأميركية المشوبة أصلا بسوء التفاهم.

محاولات للعب دور فرنسي في الشرق الأوسط
وquot;الدكتور شيراكquot; كما كان يدعوه ياسر عرفات، كان أيضًا وحتى النهاية حامي حمى الزعيم الفلسطيني الذي عزلته إسرائيل والولايات المتحدة وقضى نحبه في مستشفى في باريس تحت وطأة المرض.
وهذا أيضًا أدى إلى تهميش فرنسا وعزلهافي مساعي السلام الدولية من طرف الدولة العبرية.

وبعد ذلك إتخذ الرئيس الفرنسي على غرار جورج بوش، من النظام السوري وبشار الأسد خصمًا لإنهاء الوصاية السورية على لبنان العزيز على قلب شيراك. وهذا الهدف تعزز بعد إغتيال صديقه الشخصي رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري في شباط (فبراير) 2005.

وبفضل إتصالاته الكثيرة مع كبار قادة العالم، أثمرت جهوده التي كانت حاسمة في صيف 2006 على فرض قوة سلام دولية قوية في جنوب لبنان.

لكن شيراك لم يشهد النجاحات نفسها على الصعيد الأوروبي. فبعد تحوله لمناصر برغماتي للإتحاد الأووربي خسر رهانه في المصادقة على الدستور الأوروبي في أيار (مايو) 2005.

وعطلت فرنسا برفضها الدستور الأوروبي في إستفتاء شعبي، دينامكية أوروبية كانت أصلاً متأثرة بفشل قمة نيس (جنوب فرنسا) التي أخفقت في تحقيق أهدافها لتحريك المؤسسات الأوروبية خلال تولي فرنسا رئاسة الإتحاد عام 2000.

صدم الأوروبيين بمحاولته لكنه لم ينجح
وفقد الثنائي الفرنسي الألماني الذي تحول إلى معسكرين متناقضين، قدرته على لعب دور محرك في أوروبا. وفي مؤشر على تآكل نفوذ فرنسا، إجتمعت الدول الأوروبية الكبرىفي نهاية كانون الثاني (يناير) للمرة الأولى دونها، لإعداد مستقبل مشترك.