لبنان محور أساسي في جولة سولانا
اوروبا ترفع حصارها السياسي عن دمشق
الياس يوسف من بيروت: يصل منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا الأربعاء الى دمشق، المحطة الأبرز في جولته التي بدأها بلبنان ثم المملكة العربية السعودية، وهي المرة الأولى منذ عام ٢٠٠٥ يزور مسؤول اوروبي رفيع يمثل دول الاتحاد الاوروبي سورية ، معلنا بذلك معاودة الاتصالات والعلاقات السورية - الاوروبية. وتكتسب زيارة سولانا لدمشق أهميتها من كونها ترتكز أولاً على قرار رسمي صادر عن مجلس الاتحاد الاوروبي. وتذكر مصادر دبلوماسية اوروبية في بيروت أن ثمة اعترافا متزايداً في الاتحاد بالحاجة الى معاودة الاتصالات مع دمشق بسبب دورها الرئيس في المنطقة. وتضيف:quot; نريد ان نتصل بالسوريين بصفتهم شركاء في المنطقة ، فهم مهمون جداً ولهم نفوذ كبير، وعلى ما نعلم من خبراتنا، إن الدبلوماسية هي الشيء المطلوب، وليس ادارة ظهورنا لهؤلاء الناسquot;.
وتبرز هنا موافقة فرنسية على القرار الاوروبي باستئناف الاتصالات مع سوريا. إذ كسرت قمة بروكسل الاوروبية الأخيرة مقاطعتها لدمشق بموافقة فرنسية quot;بلا تحفظquot;، للحصول على مساعدتها في تأمين السلام في لبنان بعد نحو عامين من العلاقات quot;الباردة جدا جداquot;.
وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد سد الطريق أمام الاتصالات بين الاتحاد الاوروبي وسورية على مدى عامين بعد اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري. وقال عقب quot;قمة الربيعquot; الاوروبية: quot;أوافق بلا تحفظ على مبادرة سولانا الذي سيتوجه برسالة محددة يؤيدها الجميعquot;. وأضاف انه يشعر بالقلق حيال إرسال الدول الأوروبية مبعوثين وطنيين فرديا الى دمشق برسائل متباينة، معتبرا انه quot;ستكون لهذا التصرف الفردي عواقب سلبية. ستتحدث اوروبا بصوت واحد عبر سولاناquot; . وذكر انه أبدى في الماضي quot;تحفظات عن الاتصال بسوريةquot; لأن بعض الوزراء الاوروبيين زاروها من دون تنسيق.
ووراء موافقة الرئيس شيراك على quot;انفتاحquot; اوروبا على سورية، بحسب مصادر دبلوماسية في بيروت، رغبة في الحؤول دون تفرد بعض الدول الاوروبية القلقة على مصير جنودها المشاركين في قوة quot;اليونيفيلquot; في جنوب لبنان واقفال كل الثغر التي يمكن ان تتهددهم. وكانت آخر زيارات quot;المتفردينquot; قام بها وزير الخارجية البلجيكي غي فيرهوفشتات الذي لم يخف استياءه من الموقف السوري ازاء لبنان كاشفا ما سبق لنظيره الالماني فرانك فالتشر شتاينمر ولشخصيات سياسية بريطانية ان لمسوه في دمشق عن نية للتعاون نوعا ما في الشأنين العراقي والفلسطيني فقط . علما ان نائب الرئيس السوري فاروق الشرع أصدر بيانات في هذا الاطار ليومين متتاليين أخيرا أكد في أولهما النية للتعاون من أجل العراق، والثاني النية للتعاون من أجل فلسطين، ولكن مع الامتناع الكلي عن التعاون في الشأن اللبناني ورفض الأخذ والرد والمناقشة في هذا الموضوع.
وبدا بوضوح أن موضوع لبنان محور أساسي في جولة سولانا في المنطقة ومحادثاته مع المسؤولين السوريين. أما الرسالة التي يحملها الى السوريين فهي النصح بالتعاون لاقرار المحكمة ذات الطابع الدولي، ووجوب ان يتبلغ تعهدات ايجابية قبل ان ينعقد مجلس الأمن في النصف الثاني من هذا الشهر للنظر في تقرير غير بيدرسون ومايكل وليامز حول مدى تطبيق القرار الدولي ١٧٠١ ومعوقات تنفيذه. ويقول دبلوماسيون ان بعض ما يحمله يهدف الى وضع دمشق أمام خيارين: الانفتاح والتعاون، او التوجه نحو المساءلة من مجلس الأمن.
وتتوجه اوروبا بموقف واحد الى سورية يحدوها هم آخر، على ما تقول المصادر الدبلوماسية، هو تأمين الحدود مع لبنان منعا لتهريب الأسلحة التي يبدو أن لدى المجتمع الدولي معلومات وافية عنها، علما ان أحدا لم يطرح نشر قوة دولية على الحدود اللبنانية - السورية، لكن دمشق باتت تعرف ما عرضته اسرائيل على المسؤول الدولي مايكل وليامز الذي زار لبنان واسرائيل أخيرا من أدلة على تهريب أسلحة من سوريا الى لبنان، وهو أمر قد يحمل عددا من الدول الكبرى لدى مناقشة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي- مون عن تنفيذ القرار ١٧٠١ على التساؤل عن الأسباب التي تمنع الدولة اللبنانية من طلب مساعدة quot;اليونيفيلquot; لمراقبة الحدود وفقا لما نص هذا القرار وربما طلبت هذه الدول ذلك صراحة من لبنان.
وتتلاءم مهمة سولانا مع تلك التي يتجند لها الاميركيون باتجاه كل من دمشق وطهران. والحالة الدولية الماثلة حول ايران، ماثلة أيضا حول سوريا المتعاونة مع ايران. وجلوس واشنطن الى جانب طهران حول طاولة المؤتمر الدولي لن يقلل من عزمها على السعي الى جانب حليفاتها الاوروبيات من السير بقوة نحو مجلس الأمن بمشروع قرار يحدد شكل ونوعية العقوبات اذا لم تمتثل للشروط المطلوبة بشأن برنامجها النووي.
ونقلت مصادر اوروبية عن سولانا قوله ان quot;الكثير من وزراء ومسؤولي الاتحاد الاوروبي ذهبوا الى سورية لمحاولة ايصال رسالة تدعوها الى ان تتخذ موقفا ايجابيا او بناء، وانه يزور دمشق للتأكد من سيرها في هذا الطريقquot; . لكن مصادر سورية ترى في الزيارة تأكيدا لانتهاء العزلة وأهمية دور دمشق في ملفات العراق وفلسطين ولبنان . وتلفت هذه المصادر الى مشاركة سورية في اجتماع بغداد والى زيارة إيلين سوربري مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون السكان لدمشق من أجلبحث موضوع اللاجئين العراقيين. كما سجلت في سورية زيارة وفد كبير من مجموعة الأزمات الدولية برئاسة رئيسها وزير خارجية استراليا السابق غاريث ايفانز. وقال ممثل quot;الأزمات الدوليةquot; في دمشق بيتر هارلنغ ان الوفد quot;سيكتشف احتمالات السلام بين سوريا واسرائيلquot;، اضافة الى تناول الأوضاع في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية.
وبين مؤتمر بغداد الذي فتح أمام سوريا كوة صغيرة من أجل الجلوس الى طاولة الحوار مع الدول المعنية والمؤثرة في المنطقة، وخصوصا الولايات المتحدة ، وزيارة مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية للشؤون الانسانية إيلين سوربري لدمشق، وصولا الى زيارة سولانا ما يمكن ان يخفف عن سوريا وطأة العزلة الدولية والاقليمية التي تعانيها منذ سنتين على الأقل، وبحسب مصادر دبلوماسية عربية ومصادر واسعة الاطلاع في العاصمة السورية، تمثل زيارة سولانا دلالة رمزية خاصة في ضوء quot;الاعترافquot; الفرنسي بوجوب التحدث الى دمشق. وتقول المصادر السورية ان السبب الرئيس لهذا التوجه قد يكون نتيجة المرونة الاميركية التي بدأت تظهر تجاه سوريا، وذلك بفعل ضغط الكونغرس والرأي العام الاميركي على الادارة،و يأتي هذا التطور بالتوافق مع رغبة اوروبا في اجراء حوار بعد ترددها حياله نتيجة الموقفين الاميركي والفرنسي.
ويعتقد ان عوامل عديدة كان لها الدور الرئيس في هذا التحول، بينها المساهمة التي قامت بها سورية حيال الأزمة الفلسطينية، ومساهمتها في عقد لقاء في دمشق بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، وضغطها باتجاه انجاح اتفاق مكة . والعامل المؤثر الآخر في التطورات الأخيرة كان في quot;الآراء السورية تجاه العراقquot; التي قادت الى توافق تام مع تركيا وايران حول سبل الحل في العراق، والتي اصطلح على تقديمها في اجتماع بغداد من قبل الأطراف الثلاثة.
ورغم انه لم يطرأ أي تحرك جوهري على صعيد الموقف السوري تجاه لبنان، الا ان الموقف الايجابي لدمشق في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأسبوع الماضي كان دافعا لتلمس اشارات ايجابية أخرى، الى جانب التصريحات المنقولة عن المسؤولين السوريين بالقبول بما يقبل به اللبنانيون. ويتعلق تطور آخر بالدور الايراني في المنطقة والعلاقات السوري- الايرانية. وتسجل مصادر سورية واسعة الاطلاع تحذير دمشق الجانب الايراني من أخطار تنامي الانشقاق الشيعي- السني في المنطقة. وتعتبر المصادر ان هذا الأمر شكل دافعا لدى طهران للتحرك على عجل في اتجاه المملكة العربية السعودية لضبط الوضع.
التعليقات