أزمة بين الرباط وواشنطن
الحكومة المغربية تلتزم الصمت والصحف تشن هجومًا على أميركا

أحمد نجيم من الدار البيضاء: لم تهدأ بعد عاصفة خلفتها تصريحات السفير الأميركي بالرباط طوماس رايلي، بخصوص quot;الصحراءquot;، حتى أصدرت واشنطن بيانًا، تعلن فيه أن على طالبي التأشيرات من المغاربة التوجه إلى قنصليات أميركا في الدول المجاورة. إن هذا البيان قد يكون مؤشرًا على بداية أزمة بين واشنطن والرباط. ففي 16 مايو نيسان أعلن بيان للقنصلية الأميركية عن تعليق خدماته القنصلية موقتًا لأسباب أمنية. جاء القرار بعد خمسة أيام عن تفجير الانتحاريين ماها بشارع مولاي يوسف بالدار البيضاء، الأول قبالة القنصلية الأميركية بالمدينة والثانية قرب مؤسسة تابعة للقطاع الخاص quot;المركز اللغوي الأميركيquot;.

القرار الموقت ظل ساري المفعول، لتخبر المصالح القنصلية الأميركية عن إغلاق طلبات التأشيرة للمواطنين المغاربة، وأعلن في بيان ثان قبل أيام، أنه يتوجب على الراغبين في الحصول على تأشيرة أميركا التوجه إلى دول الجوار، وهي إسبانيا وفرنسا وبريطانيا وتونس وإيطالي وألمانيا. وأعلن مسؤولون أميركيون أن فتح القنصلية بات وشيكًا، وأن هناك نقاشات مع المسؤولين الأمنيين المغاربة على الإجراءات الواجب اتخاذها لحماية المصالح القنصلية الأميركية من الهجومات الإرهابية. الأميركيون يلتزمون الصمت بخصوص ما سيناقش في تلك الاجتماعات، غير أن هناك أخبار، لم تتأكد بعد، تتحدث عن مطالبة الأميركيين للسلطات المغربية بحزام أخضر حول منشآتهم، وهو ما سيدفع إلى إغلاق شارع مولاي يوسف بالدار البيضاء.

القرار الأميركي أغضب بشكل خاص الصحف المغربية، فناشر quot;الصباحquot; عبد المنعم دلمي، وقال إن هذا الخبر يمثل أكبر صفعة يمكن أن تتلقاها الحكومة المغربية، خاصة وأنها تأتي من حكومة بلد من المفترض فيه أنه صديق للمغرب. السبب، حسب الناشر هو أن بلاغ مثل هذا لا يمكن إلا أن يجعل الجميع يصدق أن المغرب يعاني مشاكل أمنية خطرة، لدرجة أنه أصبح على مواطنيه التوجه إلى بلدان مجاورة من أجل طلب التأشيرة... وأضاف: quot;يصعب علينا أن نتصور إهانة للمغاربة أكبر من هذهquot;. صحف أخرى مثل quot;الأحداث المغربيةquot; وquot;الاتحاد الاشتراكيquot; انتقدت بشدة البيان.

الصحف المغربية انتقدت بشدة، كذلك، صمت الحكومة المغربية على هذا القرار. صمت يفسر بكون الرباط تعول كثيرًا على أميركا في ملف الصحراء، فبعد أن أشادت بمشروع الحكم الذاتي المقترح من قبل المغرب ودافعت عنه في مجلس الأمن، أعلنت سفارة الرباط عن استعدادها لاحتضان مفاوضات المغرب والبوليساريو، كما دعا إلى ذلك الأمين العامللأمم المتحدةبان كي مون.

الضجة الكبيرة المثارة حاليًا لا تقتصر على إغلاق القنصلية في المغرب، بل تشمل تصريحات سفير أميركا في الرباط توماس رايلي في لقاء مع خمسة صحافيين في الرباط. أولى تلك التصريحات تهم قضية الصحراء، فبعد أن أشاد بمشروع المغرب واستعداد بلاده رعاية مفاوضات بين الطرفين، قال إن البوليساريو يظل ممثل الشعب الصحراوي. وإذا ما حدث العكس، فالأمور ستتغير. حتىالآن فالبوليساريو معترف به كممثل رسمي للشعب الصحراوي. وهذا ما جعل quot;الاتحاد الاشتراكيquot;، على لسان مديره محمد شوقي يصف التصريحات بالمثيرة للاندهاش، وأضاف أنها في حاجة إلى توضيح، لأن quot;شعب الصحراءquot; كما سماه السفير، له ممثلوه في المجالس البلدية وفي البرلمان وفي الغرف المهنية وفي الأحزاب والجمعيات.

وكان طوماس رايلي قد أعرب عن أسفه لسوء ترجمة تصريحاته، خاصة أن البوليساريو هو الممثل الوحيد للشعب الصحراوي، غير أن السفير أكد أن البوليساريو يظل ممثل الشعب الصحراوي، ولم يستعمل كلمة quot;الممثل الوحيدquot;.

النقطة الثانية التي أغضبت المغاربة هي تصريحه حول إمكانية حدوث تغييرات في المغرب بعد الانتخابات المقبلة، وقد قال السفير حرفيًا: quot;حسب وجهة نظري لن تكون هناك تغييرات كبيرة وكثيرة، يمكن أن تحدث تغييرات صغيرة. لسنا ضد أو مع هذا الحزب أو ذاك. فالمغاربة هم من سيقررون في الأخيرquot;، ثم أضاف: quot;إن التحدي الأكبر للمغرب هو البطالة، خلق فرص الشغل وجلب الاستثمار، من دون هذا فمن الصعب تحقيق برامج أخرى مثل التعليم والصحة والأولويات الأخرى. أعتقد أن الجميع متفق على هذه الأولويات، إذا حدث تغيير في مقاعد البرلمان، فلن يحدث تغيير كبير في الاحتياجات والأولوياتquot;. هذا التصريح دفع quot;الإحداث المغربيةquot; إلى القول إن التشجيع على الإصلاح لا يعني الوصاية، وجعل أحزاب سياسية تصف السفير بـ quot;الخفيفquot; كما فعل عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي عبد الهادي خيرات.

السفارة الأميركية في الرباط تلتزم الصمت وحكومة الرباط تفعل الأمر نفسه، الجدل الآن يحركه المجتمع المدني والإعلام.

[email protected]