لحود والمعارضة يقترحان وصفير يتجاوب... ولكن
حكومة مستحيلة بعد المحكمة
الياس يوسف من بيروت:
عاد الوضع الحكومي إلى واجهة الأحداث في لبنان تحت وطأة أزمة مزدوجة: سياسية مستحكمة إستوطنت وسط بيروت، وأمنية طارئة جاءت من الجهة التي لم تكن في الحسبان، من مخيم نهر البارد في شمال البلاد .
في الأسابيع الأخيرة قبل الصدام بين الجيش اللبناني ومسلحي quot;فتح الإسلامquot;، كان البحث في الإستحقاق الرئاسي انكفأ لمصلحة quot;استحقاق حكومي عاجلquot; ومتحرك في الكواليس السياسية. وأثير موضوع الحكومة الجديدة خلال زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش لبيروت، وطرح من باب الإتيان بحكومة انتقالية لترتيب الإستحقاق الرئاسي وضمان الوضع في حالي التوافق أو عدم التوافق عليه.
وفي حين كان رئيس مجلس النواب نبيه بري في لقاءاته مع الموفدين الدوليين يردد دومًا أن المشكلة تكمن في الحكومة وليست في المحكمة (ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه)، وإن الحل يبدأ بحكومة جديدة في اطار تسوية سياسية شاملة، كان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يبدي تمسكًا بموقفه القائل أن المشكلة التي تعترض تشكيل أي حكومة جديدة لا تكمن في النسب والحصص، إنما في البرنامج السياسي الذي يجب التوافق عليه مسبقًا وعلى أساسه تشكل الحكومة.
وبعد بروز quot;أزمة فتح الاسلامquot; وسلوك الوضع منحى جديدًا وخطرًا والدخول في quot;مرحلة أمنيةquot;، عاد موضوع التغيير الحكومي يطرح بقوة، خصوصًا من معسكر المعارضة التي يقودها quot;حزب اللهquot;، في حين أن معسكر الحكومة والغالبية التي تدعمها أعطي أولوية مطلقة لتشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي، وقد أوضح مرارًا أنه ليس مستعدًا قبل إقرارها في مجلس الأمن للبحث في أي موضوع يمكن أن يشكل إلتفافًا أو تشويشًا عليها.
وصدرت الدعوة إلى تشكيل quot;حكومة انقاذquot; أو حكومة طوارئquot; للمرة الأولى عن الأمين العام لـ quot; حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله الذي برر اقتراحه بخطورة الوضع في ضوء الصدامات بين الجيش اللبناني وquot;فتح الإسلامquot; وما ينتظر البلاد من استحقاقات في المرحلة المقبلة، مبديًا الإستعداد لإسقاط شروطه المسبقة، ولتجاوز مسألة النسب في المقاعد الوزارية، ومقترحًا تحويل طاولة الحوار حكومة تصبح بمثابة هيئة حوار دائم للبحث في كل الملفات والمشاكل، إضافة إلى وضع آليات تنفيذية لما سبق أن اتفق عليه في مؤتمر الحوار العام الماضي.
والمفارقة أن الرئيس إميل لحود كان يتجه نحوالسباق إلى تلقف quot;اقتراح نصراللهquot; وبلورته في اطار quot;مبادرة سياسيةquot; من خمس نقاط:
- تشكيل حكومة وحدة وطنية او حكومة انقاذ مصغرة في حال تعذر قيام حكومة موسعة، على ان تكون حكومة الانقاذ من ٦ وزراء يمثلون الطوائف الرئيسة الست ( الموارنة، السنة ، الشيعة، الدروز، الروم الأرثوذكس، الروم الكاثوليك) .
- دعم الجيش والالتفاف حوله ووضع حل لأزمة نهر البارد يحفظ اعتبار الجيش ويضمن تسليم مسلحي تنظيمquot;فتح الإسلام quot; أو استسلامهم.
- رفع الاعتصام من وسط بيروت.
- اقرار قانون انتخابات جديد واقرار بنود مؤتمر باريس ٣ لدعم لبنان إقتصاديًا.
- إجراء انتخابات رئاسية في موعدها.
وحمل الرئيس لحود مبادرته الى بكركي حيث استكمل بحثًا كان بدأه مع البطريرك الماروني نصرالله صفير قبل أحداث الشمال في قصر بعبدا. ولقي لحود في بكركي آذانًا صاغية وتفهمًا يقارب التجاوب. فالبطريرك صفير واقع تحت تأثير قلق شديد ومزدوج: من جهة هناك تطورات أمنية فرضت على الجيش معركة لا يريدها ولم يخطط لها وتهدد بتداعيات سلبية على الأمن والاستقرار والاقتصاد، وبتحوّل لبنان مرة جديدة ساحة صراعات وتجاذبات اقليمية ودولية ... ومن جهة هناك الاستحقاق الرئاسي الداهم والآتي على إيقاع أزمة سياسية quot;مسدودةquot; تضعه في دائرة الاحتمالات الصعبة والسيئة، ومنها بروز خطر quot;الفراغ الرئاسيquot; مع عدم انتخاب رئيس جديد، وخطر الإنقسام والفوضى مع بروز احتمال quot;الحكومتينquot;.
مع عودة الإتصال بينه وبين البطريركية، بات في إمكان لحود أن يرفع مبادرته إلى البطريرك وأن يمررها الى الواقع السياسي من خلال بكركي، فيكسبها وقعًا وبعدًا خصوصًا في ظل ملاقاة رئيس مجلس النواب نبيه بري لها. وكان الاتصال الذي أجري مع بري من بكركي خلال اجتماع لحود - صفير مؤشرًا أوليًا الى ان اقتراح quot;حكومة الانقاذquot; سيدخل أقنية الاتصالات والمشاورات العربية والدولية التي يشكل بري محورًا أساسيًا فيها وتتقاطع كلها عنده. وهذا الدخول المباشر والمرتقب من جهة بري على خط الاقتراح الحكومي الجديد لا يحصل بفعل علاقة باردة بينه وبين رئيس ذاهب هو إميل لحود، انما بفعل علاقة نامية بينه وبين البطريرك صفير ومتطورة في ظل تناغم وتقاطع عند آثار من ملف ومسألة وتحديدًا: في موضوع الانتخابات الرئاسية في ما يتعلق بالتوافق حول نصاب الثلثين لجلسة الإنتخاب والإتيان برئيس توافقي، إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة وفق قانون يعتمد القضاء دائرة إنتخابية ، وصولاً إلى ضرورة قيام حكومة وحدة وطنية.
عقبات كأداء
وتشكل هذه quot;التقاطعاتquot; قاعدة سياسية مشتركة تكفي لإنتاج تفاهمات في المرحلة المقبلة... ولكن هذا لا يعني انها كافية لتغيير الوضع وإحداث اختراق في جدار الأزمة من خلال تشكيل حكومة جديدة، وذلك نظرًا إلى وجود عوامل وعقبات سياسية تعترض قيام مثل هذه الحكومة في القريب العاجل وتهدد بسقوط اقتراح quot;حكومة الانقاذquot; وكل اقتراح يتعلق بتغيير حكومي قبل انتخابات الرئاسة. ومن هذه العوامل والعقبات:
- عامل التوقيت، إذ ان طرح التغيير الحكومة طرأ عشية اقرار المحكمة، ممّا يثير خشية لدى الأكثرية من أن يكون الهدف من ذلك تأخير تشكيلها، خصوصًا أن من أهداف الحكومة السداسية وضع ضوابط لمنع تسييس المحكمة.
- رئاسة الحكومة، في ظل اتجاهات دعوات لدى المعارضة إلى إحداث تغيير في رئاسة الحكومة، وفي ظل quot;فيتواتquot; توضع ضد عودة الرئيس فؤاد السنيورة. وهذا ما يتعارض مع أجواء دولية داعمة للسنيورة ومتمسكة به.
- الآليات السياسية التنفيذية للتغيير الحكومي، إذ يصر الرئيس بري على استقالة الحكومة واجراء استشارات يكلف بنتيجتها السنيورة أم لا ويوضع بيان وزاري جديد... فيما يصر الرئيس السنيورة على توافق مسبق على برنامج سياسي للحكومة الجديدة وفي أساس هذا البرنامج quot;النقاط السبعquot; المتنازع عليها.
-اعتراض قوى ١٤ آذار/ مارس المسيحية التي تنظر بحذر شديد الى هذه quot;المبادرة المفخخةquot;، معتبرة انها ترمي الى ايجاد شرخ بين قوى ١٤ آذار/ مارس والبطريرك صفير، وداخل الصف المسيحي وخصوصًا بين النائب الجنرال ميشال عون والدكتور سمير جعجع على خلفية التمثيل الماروني في الحكومة. فإذا كان التمثيل السني والدرزي محسومًا ويقرره النائبان سعد الحريري ووليد جنبلاط والتمثيل الشيعي محسومًا ويقرره تفاهم quot;حزب الله quot;- حركة quot;أملquot;، فإن التمثيل الماروني يطرح مشكلة في ظل غياب توافق مسيحي حوله. وإذا كان الجنرال عون يعتبر نفسه الأحق بهذا التمثيل، فإن المسألة تكمن عندئذ في خروجquot; مسيحيي ١٤ آذارquot; ( أي لقاء قرنة شهوان سابقًا) من الحكومة السداسية المقترحة.
-ولعل المعرقل الأكبر لتشكيل الحكومة المقترحة هو إنتفاء عامل الثقة ، مما يدفع الغالبية إلى اعتبار مبادرة لحود ndash; بري- نصرالله مجرد مناورة لتبرير أي قرار وتدبير يلجأ إليه لحود لاحقًا متذرعًا بأنه فعل ما عليه ولم يلق تجاوبًا، بعدما كان قدأكد مرارًا انه غير مستعد للإعتراف بحكومة الرئيس السنيورة لتسليمها الحكم في حال لم يتحقق إنتخاب رئيس جمهورية يخلفه في الخريف المقبل.
ويتردد في هذا الصدد أن لحود يستعد لتوجيه رسالة في الأسبوعين المقبلين الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء يؤكد فيها عدم اعترافه بحكومة الرئيس السنيورة ويحتفظ لنفسه بالخطوات التي سيلجأ إليها لملء الفراغ الناجم عن اعتبارها مستقيلة وفاقدة الشرعية والدستورية، وذلك في مؤشر مباشر إلى تشكيل حكومة ثانية تنازع الحكومة على السلطة . وفي المقابل تؤكد قوى الغالبية أن الحكومة الحالية رغم استقالة الوزراء الشيعة منها تستطيع الإستمرار في تصريف الأعمال حتى لو انتهت ولاية لحود من دون التوصل إلى انتخاب رئيس جديد.