إيلاف من الرياض: أبدى العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز استياءه الشديد تجاه العواصف السياسية التي تقصف العالم العربي في الوقت الراهن داعياً جميع القادات العربية لتضافر الجهود من اجل مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه الامة جاء ذلك خلال حديثه الصحفي لجريدة الرأي الأردنية على هامش زيارته لمدينة شرم الشيخ المصرية.
ووصف الملك عبد الله هذه الأوضاع بالمأساوية بدءاً بما يحدث في العراق من مآس وأهوال مروراً بفلسطين وما وصل إليه الأمر بين الأشقاء الفلسطينيين، وما يتعرض له السودان من أخطار، وما آل إليه وضع الصومال، وانتهاءً بما يجري في لبنان اليوم.
وأوضح إن المملكة تلعب دوراً ريادياً ومصيرياً في الوقت نفسه لمحاولة توحيد الصفوف المتنازعة وإصلاح ذات البين من خلال المسؤولية العظيمة التي ألقيت على عاتق بلاده في حديث مع صحيفة الراي الاردنية.
وتناول حديث العاهل السعودي العديد من الأمور المحلية و التي ركز من خلالها على تنمية المملكة وفق ما يتطلبه العصر الحديث وتقبل الشعب السعودي لذلك بداية من نظام الحكم في البلاد ومروراً بالأنظمة الأخرى ، ولم يخفي العاهل السعودي مسألة الانتخابات الشعبية لمجلس الشورى في بلاده و التي أكد أن المتغيرات السياسية و الاجتماعية ومصلحة البلاد تحكمها بشكل كبير إلا انه اكد على فتح قنوات الأتصال مع الشعب عوضاً عن ذلك من خلال الكثير من المنافذ و الأجهزة الحكومية و الخاصة.
وعلق الملك عبد الله على المصطلحات الغربية التي يتداولها العالم الغربي وتهدف إلى تقسيم العرب إلى عدة محاور وتقسيمات متقابلة قال أن بلاده لا تكترث لهذه المسميات ولا تؤثر في توجهته داعياً جميع الدول العربية إلى التعاون بمختلف انواعه خصوصاً وان الأهداف الغربية ليس موجهه ضد دولة عربية بعينها مؤكداً في الوقت نفسه على مد يد الصداقة لكل من يحترم المملكة ولايتعدى على حقوقها ولا على حقوق اشقاءها من العرب.
وقال إن الهدف من خلال ذلك هو زرع الفتنة وتكريس الأختلاف مؤكداً على عدم قدرتهم على بناء جدار بين الأشقاء العرب بعد إن سقط جدار برلين الشهير.
وفي نهاية حديثه فند الملك السعودي المشاكل المالية و الإقتصادية في مجلس التعاون الخليجي وقال إن الخلافات في وجهات النظر فقط دعايأً إلى عدم تضخيم اختلاف الرأي و الذي يطرأ في فترة معينة.
مأساوية الوضع العربي
إقليمياً، شدد خادم الحرمين الشريفين على استشعاره الخطر الداهم على الكيان العربي بأكمله وعلى مصير العرب ومقدراتهم ومصالحهم. واصفاً ما يحدث في العراق بأنه يدمي القلب ولا بد من توقف هذا التدهور قائلا: quot;الوضع بالغ الخطورة وينذر بشر مستطير للمنطقة بأكملها إذا لم يتداركه العقلاء في العراق وفي دول المنطقة ودول العالم المؤثرة، كما يجب أن يعود المنطق وأن يستشعر العراقيون جميعهم مصلحة العراق ويتجاوزوا المصالح الطائفية والإقليمية، ويدركوا أن تحقق مصلحة العراق وتجاوز هذا الوضع المأساوي يكمن في أخذ كل منهم في الحسبان مصالح الأطراف الأخرى دون تجاوز أو افتئات.
وأكد إن بلاده لن تتردد في عقد حوارات إصلاحية كتلك التي عقدت في مكة و التي صدر عنها وثيقة مكة خصوصاً إذا كانت هذه الحوارات ستنتهي بنتائج إيجابية مؤثرة تخدم العراق وتنهي معاناته.
وعن الأزمة الفلسطينية تحدث العاهل السعودي قائلاً: quot;سارت الأمور بعد اتفاق مكة المكرمة بين الإخوة الفلسطينيين على نحو واعد بعث على التفاؤل، لكن سرعان ما انقلبت الحال بعد ثلاثة أشهر من التوقيع على ذلك الاتفاق. ولا شك في أن تعنت إسرائيل وإصرار بعض القوى الدولية على عدم مساعدة الفلسطينيين على تعزيز التوافق بينهم قد أدى إلى تردي الأوضاع وحدوث هذه الانتكاسة الخطيرة التي وقع فيها إخواننا الفلسطينيون. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستمر الوضع على ما هو عليه اليوم، لأن في ذلك خدمة لمن يغتصب الأرض الفلسطينية وإضراراً فادحاً بالقضية الفلسطينية العادلة وقد يقضي على الآمال بإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وهنا أوجه نداءً إلى الإخوة في فلسطين، الذين عاهدوا الله في بيته الحرام، أن يغلبوا العقل والحكمة، وأن يتحملوا مسؤوليتهم الجسيمة أمام شعب فلسطين وأمام أمتهم، وأن يصلحوا ذات بينهم لكلا يحدث مالا تحمد عقباه.
كما عرج على الأزمة اللبنانية مشيراً إلى أن حل معاناة لبنان هو إدراك جميع القوى السياسية أنه لا مفر من الالتقاء، مشيداً بالمبادرة العربية وعبر عن أمله أن تحذو قوى دولية مؤثرة حذو قوى دولية أخرى في دعمها للمبادرة. حيث وصف لبنان بأنه quot;بلد شقيق وشعبه عزيز بكل فئاته، ويهمنا أمنه واستقراره وإنهاء الخلافات بين قواه السياسيةquot; منوهاً إلى دور المملكة التاريخي في الوقوف إلى جانب لبنان بدءاً من عهد الملك خالد الذي عقدت بدعوة منه وبرئاسته قمة عربية استثنائية في الرياض في السنوات الأولى من الحرب الأهلية اللبنانية، مروراً بعهد الملك فهد حينما دعا كافة ممثلي الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية للاجتماع في المملكة ورعى اتفاق الطائف، ثم مساندة المملكة لبنان سياسياً واقتصادياً ودعمها القوي لإعادة إعماره، لتمكينه من تجاوز آثار الحرب الأهلية، وما زال دعم المملكة للبنان مستمراً على جميع الأصعدة، السبيل إلى حل ما يعاني منه لبنان اليوم من مأزق سياسي هو إدراك جميع القوى السياسية فيه بأنه لا مفر من الالتقاء والتحدث إلى بعضهم البعض بصفتهم شركاء لا متنافسين، وبصفتهم مرتبطين بمصير مشترك لا مناطق معزولة في سياج واحد. كما عدّ العاهل السعودي التدخل في شؤون لبنان بطريقة تزيد الفرقة والتشرذم بين أبنائه هو أمر مرفوض. وأضاف:quot;هناك جهات لا تريد الخير للبنان لأن لبنان يمثل نموذجاً يتناقض مع النموذج الذي تريد هذه الجهات أن تكون عليه الدول العربية، والذي يبعث على القلق أنه كلما بدأت بوادر نجاح الجهود العربية تظهر، تندلع أزمة جديدة تعصف بهذه الجهود وتزيد الأمر تعقيداً، سواء باغتيال شخصيات سياسية مهمة، أو التحريض على العنف، أو نشوب اشتباكات مسلحة مثلما هو حاصل اليوم في نهر البارد. الأزمة التي يمر بها لبنان اليوم تتطلب من الدول العربية والدول الحريصة على خير لبنان بذل جهود مضاعفة، لأن استمرار الأزمة في لبنان سينعكس سلباً على المنطقة بأسرهاquot;.
المملكة في تطور متواصل
محلياً كان دحض الإرهاب أهم ما تناوله العاهل السعودي واصفاً رجال الأمن بالبواسل في محاصرة ما تبقى من فلول الإرهابيين. وقال: quot; الإرهاب آفة خطيرة عانت وما تزال تعاني منها شعوب في مختلف مناطق العالم، وهو ظاهرة تستمد وقودها من الفكر المنحرف الذي لا يقره الله عز وجل ولا تعاليم رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام ولا الفطرة البشرية السوية. وقد شاهدنا جميعاً ما نتج عنه في الفترة الراهنة وفي السنوات الماضية من إزهاق لأرواح بريئة، وتدمير وحشي لمؤسسات تخدم المجتمع ولممتلكات المواطنين. ونحمد الله على أن مكننا من إحراز نتائج متقدمة في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة والجميع يعلم ما حققه رجال الأمن البواسل في محاصرة ما تبقى من فلول الإرهابيين واستباق العمليات الإرهابية قبل وقوعها. كما كان لوعي المواطن السعودي والمقيمين في المملكة دور في محاربة الفكر المتطرف الذي غالباً ما يؤدي إلى الانجرار نحو الإرهاب. نحن في المملكة جميعاً متيقظون، ورغم انحسار الإرهاب الذي وقع فيه البعض من مواطنينا وبعض من قدموا إلى بلادنا إلا أننا لن يهدأ لنا بال حتى نجتثه من منابعه، ونحن مصممون على ذلكquot;.
وعن نهج عاهل المملكة التطويري الذي بات مكرساً وواضح المعالم شرح قائلاً: quot; نهج التطوير الذي تسير عليه المملكة العربية السعودية عن قناعة وتبصر هو استكمال لما بدأه المؤسس الموحد جلالة الملك عبدالعزيز وقد مرت مسيرة التطوير على مدى العقود الماضية بعدة مراحل، يؤخذ في الاعتبار في كل مرحلة منها مستجدات العصر ودرجة تقبل المجتمع السعودي واحتياجات البلاد. ونحن ماضون في هذا النهج الذي يستند إلى كتاب الله وسنة رسوله ومصلحة الشعب السعودي. والمطلع الذي يتابع عن قرب ما يستجد في المملكة من تنظيمات جديدة وتعديلات لتنظيمات سابقة يرى أن مسيرة التطوير المتواصلة جزء لا يتجزأ من نظام الحكم وآلياته، ونحن على قناعة بأن ما وصلت إليه المملكة اليوم من تطور متوازن وتقدم في جميع مجالات الحياة هو ثمرة من ثمرات هذا التطوير المتواصلquot;.
كما اعتبر في سياق إجابته عن الانتخابات التي شهدتها السعودية في غير مجال أن مسألة الانتخابات في المملكة تحكمها المتغيرات السياسية والاجتماعية ومصلحة البلاد والمجتمع السعودي. وعد المجال مفتوح أمام المواطنين لإيصال آرائهم إلى المسؤولين في الدولة وعبر العديد من المنافذ مثل المجالس الأسبوعية المفتوحة ومجلس الشورى ومجالس المناطق والمجالس البلدية، وعبر وسائل الإعلام. خاتماً وصفه بجملة لخص نهجه التغييري تقول: نحن نؤمن بملاءمة التدرج في التغيير نحو الأفضل وبما يحقق مصالح المملكة وشعبها، والذي يهمنا ويهم جميع المواطنين في المملكة هو حسن أداء جميع هذه المؤسسات لما يوكل إليها من مسؤوليات جسيمةquot;.
دور المملكة المصيري
العاهل السعودي عرج على القمة العربية الدورية التاسعة عشرة التي عقدت في الرياض من أجل الحد من الضعف والتراجع في العمل العربي المشترك. وذكر أن quot; دول العالم تسابق الزمن في مساعيها من أجل التكتل والتكامل والتعاون، بينما العرب الذين لا تتوفر في أي منطقة في العالم عناصر تكامل وتعاون مثلما هو متاح لهم، يدير معظمهم شؤونه بمعزل عن الدول العربية الأخرى. هذا هو بالتحديد سبب ضعفنا وتراجعنا قياساً بصعود الآخرين وميل الكفة لصالحهم في علاقاتهم مع الدول العربية. ليست المسألة مسألة بحث عن دور أو استعادة دور، بل إنها جهود صادقة ومخلصة لتحقيق ما يأمرنا به ربنا من تآزر وتعاضد، وهذا ما يقضي به العقل والمصلحة العربية نحن في المملكة وكما عاهدنا أشقاءنا ماضون في جمع الكلمة وتوحيد الصفوف منطلقين من قناعتنا الراسخة بعظم المسؤولية والأمانة تجاه الأمة العربية وتجاه شعوبنا، والعبرة بالعمل والتطبيق، لا بالخطب والتصريحات والقرارات التي تظل حبراً على ورق.
نحن والغرب
وحول المصطلحات ذات أبعاد سياسية التي يروجها الغرب بهدف تقسيم العرب إلى محاور متقابلة، حيث هناك من يطلق عليهم المعتدلين فيما يوصف الآخرون بالمتطرفين، قال العاهل السعودي: quot;أن هذه المصطلحات التي يروج لها إعلام أجنبي وترددها بعض وسائل الإعلام العربية، المشبوهة التوجهات، ليست بالجديدة. فقد سبق في عقود مضت أن صنفت الدول العربية على نحو يوحي بالتضاد والانقسام، ولم ينجح من كانوا وراء محاولات التصنيف تلك في مساعيهم. في حقيقة الأمر نحن في المملكة العربية السعودية لا تهمنا هذه التصنيفات ولا تؤثر في توجهاتنا ولم تضعف من عزمنا على التعاون مع جميع الدول العربية طالما أن هذا التعاون لخير الجميع وطالما أنه ليس موجهاً ضد دولة عربية شقيقة أو دولة صديقة، ونحن أصدقاء لكل من يحترمنا ولا يتعدى على حقوقنا وحقوق أشقائنا. وغاية ما أرجوه هو أن يدرك من ينخدع بهذه التصنيفات من إخوتنا العرب أن الهدف منها هو زرع الفتنة وتكريس الاختلاف. جدار برلين سقط ولا مجال لبناء جدار بين العرب.
ونوه على حسن نوايا وساطات المملكة إقليمياً مفرقاً بين محاولات التدخل الإقليمية التي تحاول الإضرار بأمن واستقرار الدول العربية التي لن تفلح على حد تعبيره، وبين الوساطات التي من شأنها توحيد الكلمة وجمع الصفّ، معولاً على الوعي المتراكم بنتائج تاريخية يستدل بها بفشل مساعي كل من ينتهز لحظات الضعف العربي لتحقيق مآربه الخاصة. وشدد بقوله: معروفٌ من هو المعتدل، من غير مساومة على الثوابت والحقوق، ومن هو متطرفٌ وفي الوقت نفسه يفرط في حقوقه ومقدراته ومقدرات اؤتمن عليها، وليس المقصود هنا دولة بعينها، ولكنني أتحدث من منطلق مبدئيquot;.
مشاكلنا الخليجية كمشاكل الأتحاد الأوربي
خليجياً اوضح إن احتضان المملكة مؤخراً للقمة الخليجية هو في سبيل تحقيق المزيد من الاهداف الكبرى التي تخدم دول الخليج وتصب في المصلحة العربية وعن القضايا الخلافية والمشاكل الأقتصادية التي تحيط المجلس الخليجي قال : هناك أحياناً بعض الاختلافات في وجهات النظر وسط توافق على معظم ما يبحث في القمم التي تجمع قادة دول المجلس وكبار المسئولين في معظم الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية في دوله الأعضاء. مثل هذه الاختلافات التي تمثل الاستثناء لا القاعدة تحدث في كل التجمعات الإقليمية، مثل الآسيان والاتحاد الأوروبي والميركوسور وغيرها. ولذلك فلا مجال لتضخيم اختلاف محدود قد يطرأ في فترة معينة في وجهات النظر من قبل دولة أو أكثر من دول المجلس تجاه جزئية من اتفاقية اقتصادية أو تنظيمية. المبدأ المتبع في مجلس التعاون هو التدرج والأخذ في الاعتبار أوضاع كل دولة في فترة معينة، وهي أوضاع قد تتغير في فترة لاحقة، وحدث ذلك كثيراً في الماضي ولم يؤثر على مسيرة المجلس، بل زاده ثباتاً ورسوخاً.