الشرطة تمنع التعدي على العمال
أسامة العيسة من القدس: حاولت مجموعة من نشطاء اليمين الإسرائيلي إيقاف أعمال ترميم تنفذها دائرة الأوقاف الإسلامية في الحرم القدسي الشريف، ومن بينها تمديد شبكة كهرباء داخلية، بدعوى أن الحفريات من أجل تنفيذ ذلك، تدمر آثارًا يقول النشطاء الإسرائيليون، إنها تعود لما يعتبرونه أقدس موقع على الأرض.

ويطلق اليهود على منطقة الحرم القدسي الشريف اسم جبل الهيكل، ويعتقدون أنها المكان الذي بني فيه الهيكل الثاني المفترض، الذي بناه هيرودس، الحاكم العربي الأدومي لمقاطعة فلسطين الرومانية لاسترضاء رعيته من اليهود.

ومنعت الشرطة الإسرائيلية، نشطاء اليمين من التعدي على العمال الفلسطينيين، ولكن القضية ما زالت تتفاعل، منذ أن بدأت الأوقاف الإسلامية تمديد الكوابل الكهربائية تحت الأرض.

والحديث يدور، عن مد كابل رئيسي تحت الأرض، بدلاً من السابق التالف، لتزويد المسجد الأقصى، والمسجد المرواني، وقبة الصخرة، ومنشآت أخرى مثل المتحف الإسلامي، بالكهرباء، حيث تجري الحفريات على طول 500 متر، وتمول المشروع الحكومة الأردنية بمبلغ يصل نحو 200 ألف دينار أردني.

ويعتقد بأن السلطات الإسرائيلية، سمحت بعمليات مد الكابل الكهربائي، وإجراء ترميمات أخرى، لعدم إغضاب الحكومة الأردنية التي اتخذت قرارًا بتمويل المشروع، بناءً على طلب دائرة الأوقاف الإسلامية.

وما إن بدأت دائرة الأوقاف الإسلامية عملها، حتى انطلقت أصوات علماء آثار إسرائيليين، تطالب السلطات الإسرائيلية بمنع العمل، لأنه يجري في منطقة هي الأقدس بالنسبة إلى اليهود، وبأن العمل في المكان سيدمر هذه الآثار.

وظهر في الصورة عالم الآثار الإسرائيلي غابي باركاي من جامعة بار ايلان، والمعروف بتشدده، قائلا ان ما تفعله دائرة الأوقاف الإسلامية يدمر آثارا في غاية الأهمية بالنسبة للشعب اليهودي.

وشن باركاري، حملة إعلامية واسعة، وقال للتلفزيون الإسرائيلي، إن الحفريات كشفت عن جدار سميك طوله سبعة أمتار يعتقد انه جزء من الهيكل المفترض الذي دمر عام 70 م.

وكان باركاري قدأثار ضجة قبل عامين، عندما أعلن عن عثوره على ختم قال إنه يعود للفترة اليهودية في فلسطين، في النفايات التي تم إخراجها من المسجد المرواني داخل الحرم القدسي الشريف، الذي جرت عمليات ترميم واسعة له.

من عمليات الحفر
وساندت لجنة منع تدمير الآثار في جبل الهيكل، باركاري، وطالبت بالوقف الفوري للأعمال داخل الحرم القدسي الشريف، وتضم هذه اللجنة عددًا من أبرز علماء الآثار والأكاديميين في إسرائيل مثل الدكتورة ايلات مزار، التي تقود الحفريات التي تجري الآن في بلدة سلوان، جنوب الحرم، باعتبارها وفقًا لمزار مدينة الملك داود.

وكانت مزار قد شاركت مع جدها في الحفريات الواسعة التي تمت جنوب الحرم، بعد الاحتلال في حزيران (يونيو) 1967. وأثارت مزار قبل فترة ضجة حول مقبرة باب الرحمة الإسلامية المجاورة لسور الحرم، عندما أرادت دائرة الأوقاف إضافة قبور جديدة لها، وتمكنت مع لجنتها من وقف مشروع الأوقاف الإسلامية بإضافة قبور إسلامية جديدة، بدعوى أن ذلك يؤدي إلى تدمير آثار الهيكل المفترض.

وأخذت القضية منحى أوسع، عندما وجه عدد من علماء الآثار، وشخصيات إسرائيلية عامة، من بينها الكاتب الشهير أ - ب يهوشوع، ورئيسا جهاز الموساد سابقا تسفي زامير، ويتسحاق حوفي، رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت طالبوه فيها بوقف quot;عملية تدمير الآثار في جبل الهيكلquot;.
وجاء في الرسالة أن الحفريات التي تقوم بها دائرة الأوقاف الإسلامية، لتمديد كابل كهربائي في الحرم القدسي quot;تعد جريمة خطيرة من ناحية علم الآثار وتسبب أضرارًا لا يمكن إصلاحهاquot;.

وخطت لجنة منع تدمير الآثار في جبل الهيكل، خطوة أخرى في نضالها لوقف العمل داخل الحرم، ورفعت التماسا إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية، طالبت فيه بوقف العمل فورًا داخل الحرم.

وقالت اللجنة إن حفر خندق بطول 500 مترا وعمق متر ونصف يتسبب quot; في ضرر لا رجعة عنه بالنسبة لآثار ذات أهمية قصوى، وينفذ بصورة غير قانونية، من دون الحصول على الاذونات المطلوبةquot;.

وأشارت اللجنة، في التماسها، الى ان نحو 400 طن من الأتربة أزيلت خلال عمليات الحفر، وهي من طبقات أثرية متعددة شهدها المكان، وبأن استخدام الآليات الثقيلة مثل الجرافات في أعمال الحفر، سيؤدي إلى تدمير الآثار.

وتضامنت صحيفة الجيروسالم بوست الإسرائيلية، مع المحتجين، وقالت إن دائرة الأوقاف تمنع التغطية الإعلامية لما يحدث. وتجاهلت سلطة الآثار الإسرائيلية ما يحدث، ورفض متحدث باسمها التعليق قائلاً بأن التوجيهات التي تلقاها من مسؤوليه تقضي بعدم الرد quot;على أي معلومات عن منطقة جبل الهيكل، نظرًا إلى حساسية هذا المكانquot;.

وتجري سلطات الاثار عمليات حفر في منطقة باب المغاربة، منذ شهر شباط (فبراير) الماضي، والتي أثارت غضبا فلسطينيا وعربيا وإسلاميا. ورغم التأييد الواسع الذي تلقته (لجنة منع تدمير الآثار في جبل الهيكل)، من قبل علماء آثار وشخصيات أكاديمية وعامة، إلا أن أحد الأثريين الذي عملوا في الحفريات في المنطقة بعد الاحتلال، شكك في ما أعلنه الدكتور باركاي، عن اكتشاف آثار تعود للهيكل.

وقال عالم الآثار الإسرائيلي دان باهات، إنه ذهب شخصيًا إلى حيث تجري الحفريات الجديدة لمد الكابل الكهربائي، ولم يجد شيئا مما أعلن، وقال quot;لو تم التوصل إلى اكتشاف كبير، لتدخلت سلطة الآثار التي لديها مراقب في المكان والشرطة التي تراقب المنطقة أيضاquot;.

واتهم باهات من اسماهم quot;علماء آثار ذوي ميول قومية متشددةquot; بأنهم quot;ينفذون حملة منظمة منذ سنوات بوحي سياسي من أجل تعزيز السيطرة الإسرائيلية على المسجد الأقصىquot;.

ورد الشيخ عزام الخطيب، مدير الأوقاف الإسلامية، على الحملة الإسرائيلية، قائلا بأنه تم التأكد قبل البدء في الحفريات من عدم وجود آثار في المنطقة التي يجري الحفر فيها، وان الحملة الإسرائيلية لها أهداف أخرى غير الحرص على الآثار.

وفي مثل هذه المواقف، عادة ما يصطف خبراء الآثار الفلسطينيون خلف موقف دائرة الأوقاف الإسلامية، لعلمهم بالأهداف السياسية والاستعمارية الإسرائيلية، على الرغم من تشكيك عدد منهم بأن تكون دائرة الأوقاف الإسلامية مؤهلة بما فيه الكفاية، مع وجود قسم للآثار فيها، على ايلاء الآثار في المكان الأهمية الأولى.

وتحاول دائرة الأوقاف الإسلامية، انتهاز أي فرصة تسنح لها لإجراء ترميم في الحرم القدسي، لأن الحصول على اذونات إسرائيلية للقيام بذلك أمر يكتنفه الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً، وتنطلق هذه الدائرة من أهمية الحفاظ على المكان عربيًا إسلاميًا، في ظل مخاطر التهويد التي تهدده.

ويعتقد علماء آثار محايدون، بأنه بسبب الصبغة السياسية والدينية والأهداف الاستعمارية الإسرائيلية بشأن منطقة الحرم القدسي الشريف، وردود فعل دائرة الأوقاف على ذلك، فإن الخاسر الأكبر هو علم الآثار، وإجراء أبحاث أثرية مهنية ومستقلة.