بيروت: تظهر الفتحات التي إستخدمها القناصة بوضوح على جدران quot;البيت الأصفرquot; فيما لا تزال أكياس الرمل التي إحتمى وراءها المقاتلون مبعثرة على الأرض. وسيبقى هذا البيت على حاله في وسط بيروت بعد ان تقرر تحويله الى متحف يذكر اللبنانيين باهوال الحرب الاهلية (1975-1990). وكان عدد من الهيئات المدنية قام بحملة اعلامية واسعة انتهت بتصنيف بلدية بيروت quot;البيت الاصفرquot; او quot;مبنى بركاتquot; على انه مبنى اثري مما وضعه في مأمن من الجرافات التي انكبت على تهديم الابنية المتضررة لاعادة اعمارها.
ولاحقا قامت البلدية باستملاك المبنى تمهيدا لتحويله الى متحف بالتعاون مع بلدية باريس. وتقول المهندسة منى حلاق التي شاركت لاكثر من عشر سنوات في حملة تصنيف المبنى quot;هذا نصب صنعته الحرب ويجب ان يبقى على ما هو عليهquot;. وتضيف quot;منذ الحرب واللبنانيون يعيشون حالة جماعية من فقدان الذاكرة. يحاولون النسيان لكن علينا المحافظة على كل ما يحول دون ذلكquot;.
ويقع المبنى المعروف باسم quot;البيت الاصفرquot; نسبة الى لون حجارته على خط التماس الذي فصل في سنوات الحرب بين مناطق بيروت المسيحية والاسلامية. جرى في العشرينات من القرن الماضي تشييد المبنى المؤلف من ثلاث طبقات صممها المهندس اللبناني الشهير يوسف افتيموس. وقطنت عائلات من البورجوازية اللبنانية في المنازل الثمانية الفسيحة التي يضمها المبنى لكنها هربت منها عندما اختارت الميليشيات المسيحية المكان لتقيم فيه بسبب موقعه الاستراتيجي.
فمن المبنى كان بامكان القناصة ان يختاروا ضحاياهم بسهولة سواء استهدفوا المدنيين او المقاتلين لان الفتحات المنتشرة في الدور الثاني والثالث تؤمن لهم رؤية واضحة لاهدافهم في الجهة المقابلة. ورغم انتهاء الحرب منذ 18 عاما ما تزال اطياف القناصة في المكان: اكياس رمل مبعثرة، اثار طلقات الرصاص والشظايا، عبارات خلفوها وراءهم على الجدران.
ومن هذه العبارات quot;اريد ان اقول الحقيقةquot; كتبها quot;بيغنquot; وكان قناصا شهيرا اتخذ لنفسه لقبا على اسم رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق مناحيم بيغن، وquot;اريد ان اموت مع جيلبرتquot; عبارة اخرى حملت توقيع quot;طرزانquot;. ويقول المهندس اللبناني داني دبس العامل في اطار مشروع تحويل المبنى الى متحف quot;المبنى يبدو كانه كان ماكينة حرب وحالته تعبر عن وظيفتهquot;. ويضيف quot;اذا حافظنا عليه كما هو سيكون شاهدا هاما من شواهد الحربquot;.
وزار بيروت مؤخرا وفد فرنسي بحث مع المسؤولين في سبل تنفيذ الوعد الذي اعطته سابقا بلدية باريس بتقديم مساعدة تقنية للمشروع الذي من المتوقع ان ينتهي بعد عامين. وتقول ماتيلد شابوش عضوة الوفد الباريسي quot;نريد ان نحافظ على اكبر قدر ممكن من اثار الحرب لانها تحمل في طياتها رسائل قويةquot;. وتضيف quot;بامكان الشعوب ان تتقدم وتتطور دون ان تنسى ماضيها والا فان التاريخ سيعيد نفسهquot;.
وقد اتخذ المشروع مؤخرا بعدا رمزيا اضافيا بسبب المواجهات التي جرت بين اللبنانيين حلفاء سوريا واللبنانيين المناهضين لهيمنتها وكادت ان تضع البلاد مجددا على حافة الحرب الاهلية. وتقول حلاق quot;على اللبنانيين ان يتعلموا ان يحبوا عاصمتهم وان يستفيدوا من اخطائهم حتى لا يساهموا مجددا في تدميرهاquot;. وتضيف quot;عندما يشاهدون بام عينهم اثار الحرب فهم لن يكرروها مطلقاquot;.
التعليقات