لندن: يستأثر باهتمام الصحف البريطانية موضوعان أساسيان لهما ارتباطات عدة بالوضع العالمي وهما الانتخابات الأميركية -أو بالأحرى الحملة الانتخابية- وأزمة الائتمان التي تهدد الاقتصاد، والتي غزت النظام المالي العالمي انطلاقا من الولايات المتحدة.
معركة أفغانستان quot;الخاسرةquot;
بعد العسكري، جاء دور السياسي لينتقد بدوره خطة الغرب quot;للحرب على الإرهابquot; في أفغانستان. فبعد البريغادير مارك كارلتون سميث أكبر قائد عسكري بريطاني في أفغانستان، يعود أحد أبرز الوجوه السياسية في بريطانيا إلى انتقاد الطريقة التي اعتمدها الغرب في حربه تلك.
إنه ديفيد ديفس النائب البرلماني ووزير الداخلية في حكومة الظل (وهي حكومة المحافظين المعارضة) وأحد الزعامات البارزة في حزب المحافظين، الذي نشرت له الإندبندنت مقالا يعرب فيه عن رأيه في ما آلت إليه الأمور في أفغانستان -التي زارها لمدة عشرة أيام- وعن رؤيته لما ينبغي أن تكون عليه الخطة البديلة.
يبدأ السياسي البريطاني مقاله بالقول quot;إن الوقت حان لمواجهة الحقائق في أفغانستانquot;. وهذه quot;الحقائقquot; -في نظر الكاتب- تتعدى أوجه المحنة اليومية التي يعاني المواطن الأفغاني العادي منها، من تصاعد العنف والجريمة وتدهور الخدمات العمومية واليأس من الحكومة الأفغانية وانتشار قوات أجنبية تضايق المدنيين دون أن تحرز أي انتصار، إلى أعمق من ذلك: quot;إلى الفساد المستشري في جهاز الدولة الأفغانية من قمة رأسها إلى أخمص قدميهاquot;.
فشقيق الرئيس مشتبه في أن يكون quot;أحد أباطرة المخدراتquot;، بينما quot;ابتزاز الشعب ممارسة مستشرية بين ثلاثة أرباع الشرطة الأفغانيةquot;. quot;ويبدو أن الحكومة الأفغانية أنشئت من أجل خدمة عشرين من الأسر الأفغانيةquot; تدر عليها ريعا متنوع المصادر من إتاوات وإكراميات نظير منح صفقات ووظائف حكومية مثلا.
ومما يثير انزعاج الكاتب أن هذه الأسر المستفيدة هي أسر قادة الحرب وزعماء الفصائل المسلحة quot; المسؤولين عن فظائع الماضي.quot; ويضرب السياسي البريطاني مثلا على ذلك quot;السعرquot; الذي بلغته بعض المناصب الحكومية. فسعر منصب قائد الشرطة في منطقة تنتشر فيها زراعة الأفيون يناهز 150 ألف دولار. وعلى الرغم من الارتفاع النسبي لمثل هذا المبلغ فإن الكثير مستعد لدفع مسرورا لاعتقاده أن صرف مثل هذا المبلغ استثمار لأنه سيستعيده أضعاف مضاعفة من ابتزاز المزارعين.
وقد بلغ quot;الجشعquot; بالموظفين الحكوميين حدا من العبث مثيرا للقلق. فإذا رغب أي مواطن أفغاني في نقل بضاعته مثلا من لشكر غاه عاصمة إقليم هلمند إلى قندهار جنوبي البلاد، فعليه أن يمر بـ12 نقطة مراقبة طرقية، حيث سيتعرض للابتزاز والسرقة من قبل أفراد قوات الأمن.
في مثل هذه الظروف، كل بضاعة غير الأفيون هي بضاعة خاسرة. والأدهى من ذلك في رأي الكاتب: quot;أننا ندعم هذا النظام الفاسدquot;، مما يمنح حركة طالبان مجالا للظهور بمظهر النظام البديل، الذي يخدم مصلحة الشعب، والدليل على ذلك -كما يقول الكاتب- أن الكثير من الأفغانيين يلتجئون إلى المناطق الخاضعة للحركة المسلحة سعيا إلى تحكيمها فيما يقوم بينهم من خلافات ونزاعات.
ويعرض السياسي البريطاني نظرته للحل - وهنا يختلف مع العسكري الذي دعا إلى التفاوض مع طالبان- فيقول إنه ينحصر في خطوتين الأولى تغيير الخطة العسكرية بجلب تعزيزات أمنية فاعلة، والثانية مكافحة quot;هذا الفسادquot; والضرب بيد من حديد، وتهديد الرئيس بسحب المساعدات.
جمهوري مع المعسكر الديمقراطي
خصصت كلا من الجارديان والديلي تلجراف إحدى أفتتاحياتهما للدعم الذي أبداه لباراك أوباما مرشح الديمقراطيين للرئاسة، كولن باول وزير الخارجية الأميركي السابق خلال الولاية الأولى للرئيس الحالي. وتثني الجارديان على quot; الرأي السديد الذي استعاده العسكري والسياسي و جرأته على الإعراب عنه.quot;
فعلى الرغم من أن سمعته تضررت من الحرب على اعراق فإنه -حسب الصحيفة- لا زال يحظى بتقدير الأميركيين. وهو بانتقاده المبطن لمرشح حزبه لا يشير فقط إلى النقد الذاتي الذي ينبغي للجمهوريين أن يُعملوه في سياستهم بعد الانتخابات إذا ما خسر جون ماكين، بل يتحدث باسم اللامنتمين أو الجمهوريين الليبرالين المترددين كذلك.
وتؤكد الديلي تلجراف هذا التحليل بالإشارة إلى استطلاع للرأي أجرته قناة فوكس يوحي بأن تأييد باول قد يدفع بأكثر من ثلث الأميركيين (و37 في المائة من اللامنتمين) إلى التصويت لصالح المرشح الديمقراطي. وترى التلجراف أن دعم باول يفند الزعم القائل بأن افتقار أوباما إلى التجربة قد يقوض الأمن القومي.quot;
وكالجارديان، ترى الديلي تلجراف أن باول وجه الحديث إلى حزبه كذلك وبصفة أساسية وانتقد توجهاته اليمينة والأسلوب السلبي الذي اعتمده أثناء الحملة الرئاسية، ومواقفه من المسلمين، واختياره سارة بالين مرشحة لمنصب نائب الرئيس. وتختم الصحيفة افتتاحيتها بالقول: quot; إن ماكين قد يحرز على الانتصار، ولكن تخلي أحد أعضاء إدارة الرئيس بوش القليلين الذين لا زال يحظى ببعض التقدير، يتحدث ببلاغة عن وضع الجمهوريين.quot;
الإصلاح وعوائقه
تعقد الإندبندنت في إحدى افتتاحياتها الأمل للدفع بأي محاولة إصلاح المنظومة المالية العالمية على الرئيس الأميركي القادم، لأن الحالي لم يفلح حتى في أقناع برلمانييه بالتصويت على قانون تمويل خطة نجدة المنظومة البنكية لبلاده، فكيف يستطيع إقناع مواطنيه بالالتزام بقواعد اقتصادية أقل quot;جموحاquot;.
ومن هذه الزاوية، تقول الصحيفة- ينبغي ألا نعول على نتائج حاسمة من القمة التي دعا إليها الرئيس بوش لمناقشة الأزمة المالية التي تعصف بالعالم ولبحث حل شبيه بما تمخضت عن اتفاقيات بريتون وودز قبل 64 سنة من قبيل مؤسسات مالية كصندوق النقد الدولي، مهمتها مراقبة النظام المالي العالمي.
ولا أدل على أن القمة قد تتمخض عن شيء ذي بال، تصريحات المتضاربة للرئيسين الأميركي والفرنسي الذي دعا إليها كذلك. فبينما دعا ساركوزي إلى استخلاص العبر مما حدث، ووضع حد لبعض الممارسات quot;المقيتةquot;، أكد بوش أن كل إجراء جديد لا ينبغي أن يقوض مبدأ حرية السوق.
ولكن هذا لا يعني -في رأي الصحيفة- أن مؤسسة مالية دولية تشرف على النظام المالي العالمي كمالية من الكماليات بل على العكس. إن أول درس يستفاد من الأزمة هو أن الهزة المالية أثبتت سرعتها في الانتشار عبر العالم: quot;وإذا كان رأس المال الذي يسري هذه المنظومة لا وطن له، فينبغي على المؤسسات التي تشرف عليه أن تكون مؤسسات دولية شاملة، وقد أثبتت المؤسسات الراهنة فشلها في هذا الصدد.quot;
التعليقات