نجلاء عبد ربه من غزة: التناقض الذي تلعب به إسرائيل مع الفلسطينيين بات واضحاً أمام المتابعين لما يجري، فمن جهة إسرائيل تستجدي مصر للتوسط بتمديد التهدئة المبرمة بينها وبين حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، ومن جهة أخرى تتحدث عن قرب بدء الهجوم الكاسح على الغزيين.
وتتحدث إسرائيل مؤخراً عن تحصينات لمواقعها العسكرية القريبة من الحدود مع غزة، وتحصينات أخرى لبيوت الإسرائيليين ومؤسساتهم المختلفة التي تطالها الصواريخ الفلسطينية، لكنها في الوقت ذاته تغذي الإنقسام الفلسطيني الحاصل بين قطاع غزة ورام الله من خلال إظهار قوة عسكرية لدى الفلسطينيين في قطاع غزة، وعلى وجوب محاربة تلك القوة التي قد تصل إلى الضفة الغربية في أي وقت تتخلى إسرائيل عنها كما تركت غزة في 2005.
ويقول علاء سالم، ضابط فلسطيني متقاعد، quot;تستفيد إسرائيل من إظهار تنامي قوة المقاومة الفلسطينية، وعلى وجه التحديد حركتا حماس والجهاد الإسلامي، كون الدول الغربية تعتبرهما ضمن قائمة الحركات الإرهابية، فتبدي عبر وسائل إعلامها وكأن تلك الحركتين يمتلكا قوة تدميرية حقيقية لدولة إسرائيل، وبالتالي يجب ردع تلك القوة قبل تناميهاquot;.
وأضاف لإيلاف quot;لكن الحقيقية أن إسرائيل، تلك الدولة التي نشأت على الأمن، تريد أضعاف كافة الحركات الفلسطينية التي تملك أذرعاً عسكرية، فضلاً عن تغذيتها للإنقسام الذي حصل عقب سيطرة حماس على قطاع غزة عسكرياً قبل عام ونصف، ليتسنى لها إضعاف الموقف الفلسطيني المفاوض معها حول دولة في أراضي الـ 67م، وقضم ما يمكن قضمه من أراضٍ في الضفة الغربية وشرقي القدس، لتصبح دولة فلسطين المستقبلية جزء بسيط لا يتعدى قطاع غزة ومدن في الضفة الغربية فقطquot;.
من جانبه، قال أسعد عبد الفتاح، ماجستير إقتصاد وعلوم سياسية، أن حركة حماس تستفيد هي الأخرى كلما لوحت إسرائيل بإستعدادها للهجوم الكاسح على غزة، من خلال الضغط على الحكومات العربية لفك الحصار عن قطاع غزة، فضلاً عن دعم الشعوب العربية للحركة، على اعتبار أنها تواجه إحتلال. لكن إسرائيل تدرك تماماً أن تلويحها بالعصى لغزة وبالجزرة للضفة الغربية، يزيد من حدة الإنقسام بين حركتي فتح وحماس.
الكاتب السياسي هاني الأغا قال إن إسرائيل تتعمد أن تهدد غزة بإستمرار كلما تسنى لها ذلك، في محاولة منها لإظهار قوة حماس، في وقت تستطيع أن تقتل في دقيقة واحدة أكثر من 100 ناشط قسامي. وأضاف quot;تستفيد إسرائيل بدعم عسكري أمريكي مفتوح أمام محاربتها ما تسميه بالإرهاب في الشرق الأوسط، لكن مطامعها السياسية أكبر بكثير من العسكرية.
وأشار الأغا إلى أن قيادات حركتي حماس والجهاد الإسلامي معروفة للجميع، وبإمكان إسرائيل في أي وقت إستغلال تلك الفرص والإنقضاض عليهم جواً، لكنها ما يمنعها هو مصلحتها من الإنقسام الفلسطيني الداخلي على أية مفاوضات نهائية للحل الدائم.
وتوقع الكاتب والمحلل السياسي لإيلاف أن الوضع قد ينقلب رأساً على عقب، وأن زمام الأمور قد تفلت من يد إسرائيل التي تحرك الإنقسام الذي لا زال يضرب العمق الفلسطيني الداخلي، لكن الإنفجار المتوقع لن يكون بمثابة صواريخ تنطلق من هنا أو هناك نحو ومن غزة.
وأقدمت إسرائيلي على تركيب أنظمة تحذير وإنذار مسبق من سقوط القذائف في القواعد العسكرية القريبة من القطاع، توفر 15 ثانية منذ لحظة انطلاقها، وهي فترة زمنية تمنح الجنود فرصة للجوء إلى أماكن آمنة. وقال جنرال إسرائيلي quot;ما تحتاجه إسرائيل في المرحلة القادمة هو سياسة واضحة وموقف محدد وإجابة حول ما هو أفضل لإسرائيل بالنسبة إلى القطاعquot;.
ولا تزال لعبة العصى والجزرة التي تتعامل بها إسرائيلي مع الفلسطينيين هي الوسيلة الأنجح سياسياً، حتى اللحظة، لكن الهجوم العسكري لا زال بعيداً عن الحسابات الإسرائيلية.