حكومة ظل مكتملة النصاب في شيكاغو
مكتب أوباما الموقتتحول إلى البيت الأبيض

بلال خبيز من لوس انجلس: عيّن باراك أوباما حتى اليوم أكثر من نصف وزرائه، وسمى معظم كبار مستشاريه وغالبية الموظفين الكبار في البيت الأبيض. وذلك كله قبل أكثر من شهر على موعد تسلم مهامه الرسمية. فضلاً عن هذا النشاط اللافت في التعيينات، اكثر الرئيس الأميركي المنتخب من لقاءاته مع الإعلام، ووصل في هذا المجال إلى رقم قياسي لم يسبقه إليه احد، وقد عقد منذ انتخابه حتى الآن ستة مؤتمرات صحافية، وتحدث في امور اساسية من الأزمة المالية إلى مصير صناعة السيارات الأميركية، فمعضلة القروض الهالكة.

وبإجراء مقارنة بسيطة يمكن لأي كان أن يلاحظ ان الرئيس الأميركي المنتخب، قد شكل عمليًا حكومة ظل للحكومة الحالية، وهو امر غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة، فبيل كلينتون لم يكن قد عين اكثر من شخص واحد قبل شهر من تسلمه منصبه، اما جيمي كارتر ورونالد ريغان فعين كل واحد منهما اثنين قبل شهر من تسلمهما منصبيهما، وكان جورج بوش الابن قبل شهر من تسلم منصبه قد عين رئيس موظفي البيت الأبيض فقط، في حين ان والده الذي خلف رونالد ريغان وكان عهده في معنى من المعاني استمراراً لعهد هذا الاخير كان قد عين قبل شهر من تسلم منصبه مسؤولين في 8 مناصب.

وبصرف النظر عن لعبة الأعداد والنسب التي يميل إليها الأميركيون، فإن الواضح ان باراك اوباما اصبح رئيس ظل قبل ان يتسلم مهامه، واعتاد المجتمع السياسي والاقتصادي الأميركي منذ الآن على اعطاء تصريحاته وكلماته وزناً رئاسياً حاسماً. بل ان مجلسي النواب والشيوخ يصغون جيداً لما يقوله ويتخذون القرارات الكبرى آخذين رأيه في اعتبارهم. ولم يكن من قبيل المصادفة البحت او توارد الخواطر ان يوافق المشرعون الاميركيون على اعطاء شركات السيارات الثلاث قرضاً بقمية 15 بليون دولار، بعدما صرح اوباما منذ ايام قليلة بأنه لن يسمح بانهيار صناعة السيارات الأميركية. وهذا ايضاً ما كان قد حدث سابقاً قبل اقرار مساعدة مجموعة سيتي بنك التي اعلنت في نهاية الشهر الماضي عن نيتها في صرف اكثر من 54 الف موظف في محاولة منها لدرء الانهيار وتجنباً لخطر الإفلاس.

مساعدو اوباما يعلقون على هذه الازدواجية في السلطة التي اصبحت واضحة للعيان، بأن الرئيس المنتخب لا يملك ترف الانتظار، ولا يستطيع تضييع الوقت. فواقع الامر ان رئاسته مهددة بالانهيار من قبل ان يتسلم مهامه. ولذلك يحاول اوباما وفريقه الوصول إلى البيت الأبيض في العشرين من الشهر المقبل وقد انهوا تقريباً دراسة معظم الملفات الساخنة، وبذلك لا يضيع الوقت، الثمين جداً اليوم في الولايات المتحدة الاميركية، في عمليات الدراسة وانتظاراً لتوصيات الإدراة القديمة ونصائحها للإدارة الجديدة.

ورغم انها المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي يوشك رئيس على تسلم السلطة فيها والبلد يواجه مشكلتين كبيرتين: شطر كبير من الجيش الأميركي يخوض حرباً على خطوط ساخنة في العراق وافغانستان، وازمة اقتصادية يغرق فيها العالم كله حتى اذنيه، واميركا في القلب منه.

إلا ان المزاج السياسي الأميركي لا يستسيغ وجود رئيسين وحكومتين في وقت واحد. لكن الامر يتعدى ازدواجية السلطتين: الحالية والمقبلة، إلى حد تكبيل يدي السلطة الحالية. حيث لم يعد في وسع وزير الخزانة الحالي ان يقرر ما يفترض به ان يقرره من دون الرجوع إلى اوباما او فريقه الاقتصادي. كما ان الرئيس جورج بوش اصبح شبه عاجز عن المبادرة في اي شأن من الشؤون الأساسية التي تتصل بالأوضاع التي تواجهها الولايات المتحدة. فضلاً عن ان نائب الرئيس ديك تشيني اصبح صامتاً صمت ابو الهول.

لا شك ان الادارة الحالية تدرك ان اي تحرك تقوم به قد يؤدي إلى مفاقمة السوء الحاصل وقد ينعكس سلباً على مستقبل اميركا برمته، ولذلك تفضل ان تتجنب تحمل مسؤولية اي قرارات مصيرية، ومعظم القرارات مصيرية في هذه اللحظة. تاركة زمام المبادرة في يد الرئيس المنتخب، مفسحة بذلك المجال لسلطة الظل التي يشكلها اوباما في التنطح لمعالجة المشكلات منذ الآن. ولن يكون مستغرباً في المقبل من الأيام المتبقية من عمر العهد الحالي ان يلوذ الرئيس الحالي وطاقمه بالصمت التام في وقت لن يتورع اوباما عن ممارسة الحكم من شيكاغو، فيما سكان البيت الأبيض يجهزون حقائبهم للرحيل.