خلف خلف من رام الله: دخلت المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وسوريا إلى نفق مجهول، بعدما خيل للكثيرين أن المباحثات المباشرة بين الجانبين باتت أقرب من أي وقت مضى. وسجل اليوم الأربعاء على الساحة السياسية الإسرائيلية سلسلة ردود فعل غاضبة حيال الشرط السوري الذي نقله الوسيط التركي حديثًا إلى قادة تل أبيب، ويطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان حتى الشاطئ الشمالي- الشرقي من بحيرة طبريا. إذ قال النائب جدعون ساعر من حزب الليكود: quot;النزول عن هضبة الجولان سيمس بأمن إسرائيل ويخلق فرعا إيرانيا آخر في الجولان أيضاquot;.
كما نقلت صحيفة quot;إسرائيل اليومquot; عن رفيقه في الحزب النائب سلفان شالوم قوله: quot;الحكومة توجد في نهاية طريقها لا صلاحية أو تفويض للانشغال بالحدودquot;. أما النائب افيغدور ليبرمان فاقترح إذا كان الأسد يريد حدودا جديدة quot;فنحن نقترح أن ينتقل جبل الشيخ السوري إلى إسرائيلquot;.
وبحسب التقارير الإسرائيلية فإن الغضب لا يظهر فقط في أوساط اليمين الإسرائيلي، بل أيضا المقربين من أولمرت، ينتقدون المطلب السوري، وقد نقل عن الوزير زئيف بويم قوله quot;قبل أن يطرح الأسد الشروط فلينفذ أعمالا يفترضها الواقع، مثل شجب الإرهاب وإخراج أعشاش المخربين من سورياquot;.
المفاوضات بين سوريا وإسرائيل استأنفت برعاية تركية منذ بداية العام الحالي، وعقدت أربع جلسات غير مباشرة، لكنها لم تتمخض عن نتائج معلنة، ويرى العديد من المراقبين أن هذه الجلسات لم تنجح حتى في تقريب وجهات النظر أو كسر جليد عدم الثقة بين الطرفين، والمفاوضات قائمة على مبدأ الانسحاب الإسرائيلي من الجولان مقابل أقامة علاقات طبيعة بين دمشق وتل أبيب، بالإضافة لتنفيذ سلسلة ترتيبات أمنية على الحدود، على غرار الحاصلة في سيناء، وتشترط إسرائيل أيضا قطع دمشق لعلاقاتها مع طهران والمنظمات التي تصفها بالإرهابية.
وتاريخيًا بقيت هضبة الجولان الجبهة الهادئة المشتعلة، إذ ترفض إسرائيل إعادتها إلى سوريا، بحجة أن الهضبة تشكل نقطة إستراتيجية، التنازل عنها يفقد الدولة العبرية العمق الاستراتيجي في أي معركة قادمة. وينطلق الخبراء العسكريون الإسرائيليون في تبريرهم هذا، كون عمق إسرائيل الاستراتيجي ضيق، والنزول عن الجولان يعني وقوع إسرائيل في مرمى الصواريخ التقليدية.
ويعتقد الخبراء الإسرائيليون أن السيطرة على خط المنحدرات في هضبة الجولان وعلى جبل الشيخ يمنح إسرائيل أفضلية في الإنذار المبكر ينطوي على أهمية بالغة بالنسبة لدولة جيشها محدود مثل الجيش الإسرائيلي، ويقولون إنه مع التخلي عن الجولان تفقد إسرائيل أفضلية في الإنذار المبكر مما يضطرها إلى البحث عن تعويض مناسب. في كل الأحوال سيرتبط الأمر بزيادة كبيرة لميزانية الأمن، بالإضافة لخسائر اقتصادية كبيرة، كون الهضبة تدر دخلا اقتصاديا على إسرائيل. وقدر مركز أريئيل للدراسات السياسية-quot;نتيفquot; قبل 6 سنوات تكلفة تنازل إسرائيل عن هضبة الجولان بـ 25 - 58 مليار دولار.
ومنذ حرب عام 1967 ووقوع هضبة الجولان في يد إسرائيل، لم يجر أي مفاوضات بين الطرفين في هذا السياق، إلا بعد مؤتمر مدريد، في تشرين أول ndash; تشرين ثاني 1991. حيث عقدت مباحثات ثنائية رسمية في مكاتب وزارة الخارجية الأميركية. وكانت هذه المباحثات عقيمة، لتمسك كل طرف بمطالبه. ولكن في عهد الحكومة الإسرائيلية بزعامة إسحاق رابين تغير طابع المفاوضات تدريجيا. حيث اجري الطرفان في هذه المرة، مباحثات أكثر جوهرية من منطلق النية للتوصل إلى اتفاق سلام.
وفي المرحلة الأساسية من هذه المفاوضات (1994 ndash; 1995) جرت المباحثات بواسطة لقاءات بين سفيري إسرائيل وسوريا لدى واشنطن ndash; ايتمار ربينوبيتش ووليد معلم ndash; ومن خلال لقائين بين رئيسي هيئة الأركان في الدولتين. ولعدة معوقات عادت هذه المباحثات لتصطدم بجدار فولاذي. ولم تستأنف المفاوضات إلا بعد أن توصل الطرفان، بوساطة أميركية إلى اتفاق Non-paper حول موضوع الترتيبات الأمنية.
لكن من جديد، جاء اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية أسحاق رابين ليقطع مسيرة المفاوضات مع السوريين، فحاول خلفه شمعون بيرس دفعها إلى الامام، بيد أن اهتمامه الزائد بعنصر التطبيع والتعاون الاقتصادي والترتيبات الأمنية والمياه، على حساب إهماله عنصر الزمن، قاد لخلق حالة من الفتور في المباحثات، كما برزت خلافات حادة جدا بين الطرفين في المباحثات حول الترتيبات الأمنية، وكان من الواضح أن الأمر يحتاج إلى مفاوضات متواصلة وصعبة من اجل جسر هذه الخلافات.
الأمر الذي كان مستحيلا بسبب جملة عوامل داخلية إسرائيلية ارتبطت بقرب موعد الانتخابات وتفجر أحداث النفق مع الفلسطينيين، وفي عهد ولاية بنيامين نتنياهو كرئيس للحكومة الإسرائيلية لم تجر أية اتصالات مباشرة بين سوريا وإسرائيل. وبقيت الاتصالات بين الطرفين معلقة إلى أن جاء أيهود باراك إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، فحاول حث وتيرة المفاوضات، وعقدت سلسلة لقاءات بين الطرفين، وتوصلوا مبدئيًا إلى ما يشبه الاتفاق على المبادئ الأساسية وأحياناً على التفاصيل وطبعاً على أسلوب التنفيذ والمدد الزمنية المطلوبة، ولكن باراك تراجع عن ما تم التوصل إليه، ففشلت المفاوضات، ودفع باراك منصبه ثمنًا لقبوله المفاوضات من الأساس.