طلال سلامة من روما: ما نفع فوز السياسيين بأي من الانتخابات الإدارية، ان كانت بلدية أم محافظاتية أم إقليمية، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، ان كانت الأحوال المعيشية هنا تهوي من سيئ الى أسوأ؟ إذ يسجل منذ العام الماضي تآكلاً لافتاً في نوعية الحياة لدى المواطنين في 55 من أصل 103 محافظة بإيطاليا. بمعنى آخر، وبرغم من انقلاب عقرب الساعة السياسية من اليسار الى اليمين، فان الأحوال المعيشية في 55 محافظة رديئة أم غير كافية. لا بل نستطيع القول ان انهيار الأحوال المعيشية بدأ بصورة مخفية منذ ستة سنوات، أي عندما حصل لأكثر من مرة تبادل في قيادة الدفة السياسية بين يسار ايطاليا ويمينها. مقارنة بالماضي، نلاحظ تدهور نوعية الحياة في شمال غرب ايطاليا، أين تقع مدينة تورينو الصناعية. في حين ما تزال مدن شمال شرق ايطاليا قادرة على الصمود حيال ما يجري من أحداث غيرت معالمها السياسية والاقتصادية رأساً على عقب بصورة غير إرادية خارجة عن سيطرة نفس رئيس الجمهورية، أي جورجو نابوليتانو! هكذا، لا تنقسم ايطاليا، سياسياً واقتصادياً ومعيشياً، بين شمالها وجنوبها إنما نحن أمام ظاهرة جديدة هي انشطار شمال ايطاليا الى نصفين، حيث يتجه النصف الأول الى حالة من الفقر في حين يحافظ النصف الثاني على لمعانه المؤقت بانتظار كيف ستتمكن حكومة برلسكوني من مواجهة سلة من الأزمات، المالية والإصلاحية وغيرها.

ولم تعد محافظات شمال ايطاليا، برغم من إجراءات روبرتو ماروني، وزير الداخلية الإيطالية، الصارمة والقمعية في بعض الأحيان، آمنة كما في السابق. إذ تضاف الى قائمة المحافظات الإيطالية، أين نجد توسعاً للنشاطات الإجرامية داخلها، أربعة محافظات واقعة في الشمال مما يدعو الى القلق الحكومي. فمحاربة أكثر من جهة أم مصدر إجرامي، في الوقت ذاته، يدعو الخبراء الأمنيين في وزارة الداخلية الى إعادة هيكلة خططهم السابقة. علماً أن العقل المدبر للعصابات الإجرامية وطني المصدر ولا نستطيع رميه على الأجانب والأسر الغجرية.

مما لا شك فيه أن الأرق الأمني بات له تشعبات لم تستطع حكومة روما مطاردتها في الوقت المناسب. وهذا يحض السلطات الأمنية وأجهزة المخابرات الآن على تسليط تحرياتهم على الإيطاليين قبل الأجانب. بيد أن استئصال الظاهرات المافيوية من جذورها تحتاج الى وقت. في تلك الأثناء، ستواصل الأحوال المعيشية للمواطنين الشرفاء، من إيطاليين وأجانب وغجر، التطور بصورة ورائية(وليس أمامية)، الى أن تحضها الظروف القاسية على بيع أرواحها الى زعماء المافيا دون المبالاة للآثار الجانبية لقراراتها الأمنية اليائسة.