حركة سياسيَّة غير مسبوقة خلال 2008
مراقبون سعوديون يقرأون تداعيات العام الحالي على 2009

العاهل السعودي: الحوار أولاً... السياسة ثانيًا
الملك عبد الله يلتقي الرئيس الأميركي الجديد فور انتخابه

البيت الابيض: بوش يشارك في حوار الأديان ويتطلع للقاء خادم الحرمين الشريفين...

مؤتمر حوار الأديان يرفض التمييز واستخدام الدين لتبرير قتل الأبرياء

الملك عبد الله: سأذهب لأميركا لحوار الأديان

العاهل السعودي: مبادرة لعقد مؤتمر حوار بين الأديان

مساعدو أوباما: quot;علاقاتنا مع الرياض مميّزةquot;

تركي العوين من الرياض: الرياض في صدارة عواصم القرار السياسي عالمياً خلال عام 2008 م، قد تكون مجموعة عوامل ساهمت في تعاظم دور المملكة العربية السعودية حين جذبت أنظار العالم إليها خلال العام الجاري لاحتوائها أزمتي الطاقة والاقتصاد، وتبنيها لحوار الأديان مما دفع بالرياض إلى صدارة العواصم العالمية التي عجت بحركة سياسية واقتصادية نشطة جمعت حشدا منالمراقبين المهمين. quot; إيلاف quot; حاولت استشراف دور السعودية على المستوى السياسي خلال عام 2009 م وطرحت التساؤل على مدير تحرير صحيفة الحياة اللندنية في السعودية والخليج جميل الذيابي الذي أكد أن السياسة السعودية واضحة إزاء المتغيرات و المستجدات على الساحة الإقليمية أو الدولية. وأضاف أنه في السنوات الأخيرة بدأ يتحرك الدم السعودي بفاعلية quot;علنيةquot; في كل القضايا العربية والإقليمية والدولية التي تهم المنطقة وفق سياسة يمكن وصفها بـquot; الحكيمة quot;.

وأوضح الذيابي أن السعودية احتضنت مصالحات quot;تاريخيةquot; بين فصائل ودول متنافرة، إذ جمعت الفلسطينيين للمصالحة في مكة المكرمة، ثم أرست مصالحة بين الفصائل الصومالية المتنازعة. كما وقعت كل من السودان وتشاد مصالحة في الرياض. كما حاولت كثيراً لملمة الجرح اللبناني، وقبلها العراقي وفق مبادرات تصب لمصلحة الأطراف المتنازعة في هذين البلدين.

وأضاف أن الرياض تشدد دائماً على أن سياستها تدعو إلى التسامح ونبذ التفرقة، وترفض التدخل في شؤون الآخرين مثلما ترفض التدخل في شؤونها الداخلية. مبيناً أنه من الناحية العملية، لا يمكن أن تتناسى مبادرة العاهل السعودي التي أطلقها لقيام حوار بين الأديان والمعتقدات الأخرى، كتب لها النجاح في مدريد ثم صادقت عليها الأمم المتحدة بالدعوة إلى مؤتمر عالمي عقد في مقرها في نيويورك حضره زعماء ورؤساء عالميون.

ومشاركتها ضمن مجموعة الـ20، إلى جانب الدول الصناعية الكبرى والدول الناشئة لإيجاد حلول لتجاوز الأزمة المالية العالمية. وقبل ذلك، تجاوبت مع النداء الدولي لكبح جماح ارتفاع أسعار البترول، إذ عقدت في جدة مؤتمر أوبك، حضره عدد من زعماء الدول المصدرة والمستهلكة وشركات النفط العالمية، وخرج بتوصيات ساهمت في تراجع الأسعار عالمياً. وقال جميل الذيابي إن الرياض أثبتت عالمياً أنها من انجح دول العالم التي تمكنت من قهر quot;القاعدةquot; وتفكيك خلاياها ورؤوسها المدبرة داخلياً، وتعاونت أمنياً مع دول العالم عبر عقد مؤتمراً عالمياً لمكافحة الإرهاب بالرياض في فبراير عام 2005. مشيراً إلى أن مطار العاصمة الرياض استقبل في 2008 عددا كبيرا من زعماء العالم وصناع القرار الدولي لمشاورة المملكة في المشكلات والتحديات التي تواجه العالم، والاستئناس بوجهة نظرها.

واعتبر أن السعودية كانت ولا زالت صاحبة المبادرات السلمية والمصالحات، والتي تشدد على استخدام القوة الدبلوماسية لـquot;حلحلةquot; الأزمات والصراعات التي تواجه العالم، فالرياض هي صاحبة مبادرة السلام بين العرب وإسرائيل التي عرفت لاحقاً باسم المبادرة العربية للسلام. وأضاف أن الملك عبد الله بن عبد العزيز هو صاحب المقولة الشهيرة، quot;إن هذا العصر هو عصر التوسع في نقل الأفكار، هل نجفل منها أم نفتح بيتنا التاريخي وميراثنا العظيم؟!quot;. وهذا دليل على رغبة العاهل السعودي الصادقة في خدمة الإسلام ومبادئ السلام والإنسانية.

من جانبه عبر نائب رئيس تحرير صحيفة عكاظ السعودية الدكتور خالد الفرم عن اعتقاده بأن العام 2009م سيشهد بروز تحولات أو متغيرات في الدور السياسي للمملكة العربية السعودية تنعكس على صورة المشهد السياسي محليا وإقليميا وعربيا دوليا. وأضاف الفرم أن الساحة المحلية السعودية ستشهد خلال العام 2009 تغيير أكثر من نصف أعضاء مجلس الشورى من خلال تبديل أكثر من نصف الأعضاء، واستقطاب قيادات شابة، مما يضفي نوعا من الحراك الداخلي خاصة في ساحة العمل الشوروي في المملكة ، وقد يحدث تحريكا في بعض المواقع القيادية في قطاع التعليم، نظرا لحيوية القطاع في الإستراتيجية السعودية الحديثة.

وتوقع نائب رئيس تحرير صحيفة عكاظ أن ينشط الدور السعودي إقليميا خاصة على الساحة العراقية، بشكل اكبر مقارنة مع الفترة الماضية، بسبب انخفاض نسبة العمليات الإرهابية والحوادث الأمنية وارتفاع نسبة الاستقرار، واستعداد القوات الأجنبية للانسحاب من العراق، وأضاف أن الساحة الخليجية ستشهد مزيدا من النمو في العلاقات السعودية القطرية بعد تفعيل مجلس التنسيق السعودي القطري واعتماد مجلس الوزراء السعودي ترسيم الحدود بين الجانبين ما يغلق هذا الملف بشكل نهائي.

وأوضح أن الساحة الدولية ستسجل مزيدا من التعقيد في قضية السلام ، ومزيدا من الاضطرابات في قطاع غزة، وفي المقابل من المتوقع أن يكون هناك انفراج في أزمة الملف النووي الإيراني، بسبب التداعيات الاقتصادية لدى طرفي النزاع (الولايات المتحدة- إيران) ومعطيات داخلية إيرانية. وشهدت الرياض في 14 يناير 2008 أول زيارة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي أجرى مباحثات مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز توجت بتوقيع مجموعة من اتفاقات التعاون الثنائي في مجال الطاقة. وبعد زيارة الرئيس الفرنسي بيوم واحد حل الرئيس الأميركي ضيفا على الرياض في زيارة هي الأولى له منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة مطلع العام 2001 في سياق السعي الأميركي لطلب المساعدة في التخفيف من حرارة أسعار النفط المرتفعة، والتي بدأت في تهديد الاقتصاد الأميركي، من خلال مساعدة الدول المصدرة على زيادة العرض النفطي في الأسواق.

ولم تكن الصين غائبة عن الساحة السعودية خلال العام 2008 إذ شاركت بمستوى رفيع برئاسة نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ في اجتماع جدة الدولي للطاقة في يونيو الماضي.من جانبه، حرص رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون على استغلال مشاركته في اجتماع جدة الدولي للطاقة لحض منتجي ومستهلكي النفط على شفافية أكبر في العرض والطلب على المدى الطويل. من ناحية أخرى، يرى محللون أن تمتع السعودية بثقل سياسي واقتصادي مؤثر جعلها وجهة رئيسية ومهمة لأنظار العالم لطلب مساعدتها في معالجة أية أزمة تظهر على السطح.

على جانب أخر، رأى مراقبون أن اجتماع جدة للطاقة مثل قراءة مستقبلية مسبقة للأزمة المالية العالمية بدعوته إلى quot;تحسين الشفافيةquot; في الأسواق المالية والتشريعات المتعلقة بها كتدبير لتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية. وخلال شهر نوفمبر عام 2008، عاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني غوردن براون لزيارة السعودية مرة ثانية لكن هذه المرة مصطحبين ملف الأزمة المالية العالمية الذي كان المحور الأساسي لمباحثاتهما مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وطلب المساعدة بشأن أسعار النفط وللحصول على تمويل لصندوق النقد الدولي كي يساعد الاقتصاديات المعرضة للخطر على اجتياز الأزمة الائتمانية.

ورأى مراقبون أن الاهتمام السعودي بالأزمة المالية ارتفع إلى قمة الهرم القيادي، حينما أعلن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز أن (الأزمة حرب اقتصادية خفية) كرسالة واضحة بتسخير كافة الإمكانات للحد من تأثيراتها السلبية على الاقتصاد السعودي. من ناحيتها، اعتبرت الأوساط الاقتصادية إعلان العاهل السعودي في قمة العشرين بواشنطن في منتصف نوفمبر الماضي عن برنامج استثماري بتكلفة 400 مليار دولار في قطاع النفط والقطاعات الأخرى، خلال السنوات الخمس المقبلة، بأنه امتداد للجهود السعودية للمساعدة في إنقاذ اقتصاد المنطقة ودفعه إلى الوقوف في وجه الأزمة المالية العالمية.

العلاقات الإقليمية

علاقات السعودية مع محيطها الإقليمي خلال عام2008م كانت جيدة إلى حد كبير إذا ما استثنينا سوريا ومحورها التي واصلت عبر وسائل إعلامها المختلفة والمدعومة من جهات مشبوهة هجومها على الشقيقة الكبرى السعودية. وكانت العلاقات السعودية السورية بدأت تشهد توتراً حاداً بعد اغتيال الرئيس اللبناني رفيق الحريري، واشتد التوتر بعد الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على لبنان عام 2006، حين وصف الرئيس السوري العرب الذين انتقدوا حزب الله لقيامه بالحرب بـ quot;أنصاف الرجالquot;. وكان العاهل السعودي توّج سوء العلاقة بين البلدين برفضه المشاركة في القمة العربية الأخيرة التي استضافتها دمشق خلال شهر مارس من العام الجاري، وطالبت السعودية سوريا في أكثر من موقف أن تعامل لبنان على أنه دولة مستقلة ذات سيادة وتوقف كل محاولات الهيمنة على شؤونه الداخلية.

وتزامن تعاظم هذا الدور السعودي خارجيا مع مواقف إقليمية عدائية، تمثل أغلبها في هجوم إعلامي مركز ضد السعودية، فكل مبادرة أو موقف سعودي خلال الأشهر القليلة الماضية بات يتم تفسيره على أسوأ التقديرات، وبات quot;الردحquot; ضد السعودية في صحف المعارضة في لبنان، أو الصحف الحكومية في إيران وسوريا وقطاع غزة، وغيرها من وسائل الإعلام العربية quot;المستأجرةquot; في لندن أو باريس، يطغى على كل ما ينشر من تقارير ومقالات وتغطيات.

ففي لبنان تندد صحف المعارضة بمؤتمر حوار الأديان وتتهم السعودية بأنها تسعى للتطبيع مع الإسرائيليين، وتورط في هذا السجال ساسة لبنانيون وجدوا في ذلك فرصة للتعريض بالسعودية وكأنهم المدافعون عن حمى العروبة والإسلام ضد العدو، فيما امتلأت الصحافة السورية بتهم موجهة للسعودية بأنها وراء مؤامرة مشبوهة لدعم الخلايا الإرهابية في شمال لبنان، وهناك عشرات النماذج من التغطيات الإعلامية المسيئة والمبنية على اتهامات وتحريف للحقائق من أجل النيل من السعودية. ويخيل للمراقب أن النيل من السعودية بات الطريق الأقرب لركوب موجة التضليل، والمزايدة الخطابية ضد مواقف دولة بذلت ماديا ومعنويا لخدمة قضايا العالمين العربي والإسلامي ما تعجز عنه كافة الدول العربية مجتمعة.

إيرانياً، شهدت العلاقات بين الرياض وطهران بعض التوتر في أعقاب اتهام وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إيران بدعم حزب الله في تحركه ضد الحكومة اللبنانية عندما قام مئات المسلحين من عناصر الحزب وغيره من قوى المعارضة بالانتشار في شوارع بيروت وإغلاق طريق المطار وعدد من شوارع العاصمة احتجاجا على قرار الحكومة اللبنانية بإنهاء تكليف احد الضباط الموالين للمعارضة بأمن مطار بيروت ووقف شبكة اتصالات حزب الله.

وحذر الوزير السعودي إيران من أن دعمها لحزب الله في تحركه في لبنان سيؤثر سلبا على علاقاتها بالعالم العربي. وأكد الفيصل دعم بلاده للحكومة اللبنانية داعيا quot;اللاعبين الإقليميينquot; في إشارة إلى سوريا وإيران إلى الكف عن التدخل الشؤون الداخلية اللبنانية واحترام سيادته. ويتوقع المراقبون أن تعقد التطورات الداخلية اللبنانية العلاقات بين إيران والسعودية حيث شهدت هذه العلاقات توترا بارزا بسبب الدور الذي تلعبه إيران في عدد من ملفات الشرق الأوسط مثل العراق وفلسطين.

مؤتمر العشرين

السياسة الخارجية السعودية دخلت خلال عام 2009م مدارا جديدا باختيارها من ضمن مؤتمر دول العشرين التي اجتمعت في واشنطن في نوفمبر المنصرم لبحث قضية أوسع وأكثر إلحاحا من قضايا الشرق الأوسط، قضية تهم العالم كله وحضرت السعودية كدولة عربية وحيدة تشارك في هذا الشأن العالمي. هذا الحضور لمؤتمر اقتصادي عالمي هو بمثابة اعتراف دولي بأهمية الدور السعودي. ودخول السعودية ضمن نادي العشرين، ربما هو مجرد خطوة لطرح السعودية كعضو في مجموعة الثمانية. هذا الطرح كان قد تطرق إليه المجتمعون في سويسرا العام الماضي من رؤساء ووزراء سابقين في أوروبا ممن أوصوا بدخول السعودية ضمن مجموعة الثمانية الكبار.

وتوقع مدير تحرير صحيفة الحياة في السعودية والخليج جميل الذيابي أن تنعكس آثار الأزمة المالية العالمية على كل دول العالم ومن بينها السعودية لكن بنسب متفاوتة. مؤكداً أن المملكة ستتأثر ولو بشكل quot;غير مباشرquot;، لكنها لن تصاب بنفس quot;الرصاصة القاتلةquot; التي نخرت العظم الغربي، لكون التشريعات والقوانين المالية والاقتصادية فيها تختلف عن تلك الدول. واستشهد الذيابي بمقولة الملك عبدا لله قال في لقائه الصحافي الأخير مع رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية، (انقلها عني للقاصي والداني: اقتصاد السعودية بألف خير وينتابه فقط quot;قليل من الذعر ينهيه قليل من الوقتquot; الأزمة المالية العالمية ستزول بعد سنة ونصف إذا عرف العالم سبيل التعاون لحلها).

حوار الأديان

مثل مؤتمر حوار الأديان في الأمم المتحدة حاجة ضرورية للعالم الإسلامي كما هي للغرب، وتكمن أهمية المؤتمر في كبح جماح قوى التطرف، وفي الغرب يكون المؤتمر بمثابة جهد عالمي تحت رعاية المظلة لمكافحة ما يمكن تسميته بالخوف غير المبرر من الإسلام والمسلمين، أو ما اصطلح عليه بالإسلاموفوبيا. وهنا تتبين الأهمية الإستراتيجية لمبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز الخاصة بحوار الأديان، وانطلاقة ثاني فعالياتها في الأمم المتحدة لوضعها في سياقها الصحيح. مبادرة العاهل السعودي لحوار الأديان جاءت بعد الزيارة التاريخية التي قام بها إلى الفاتيكان ولقائه البابا بنديكتوس السادس عشر.

ووصف الفاتيكان دعوة ورعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى المؤتمر العالمي للحوار الذي عقدته الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي في مدريد وصفها بأنها خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح. وبالأخذ في الاعتبار، الحضور الغفير لمؤتمر حوار الأديان في الأمم المتحدة والذي تحدث فيه كل من العاهل السعودي والرئيس الأميركي جورج بوش، إضافة إلى مشاركة السعودية، الدولة العربية الوحيدة وللمرة الأولى، في المؤتمر الاقتصادي العالمي لمجموعة العشرين في واشنطن، يتضح من خلال هذين المؤتمرين اللذين اضطلعت فيهما المملكة العربية السعودية بدور ريادي، أننا أمام دور سعودي عالمي جديد. الحديث عن هذا الدور في العلاقات الدولية صعودا أو هبوطا، غالبا ما يثير جدلا بين محب لدور سعودي أكبر، وبين كاره لتعاظم هذا الدور. ولكن قلة ممن يناقشون هذا الدور، يتنبهون إلى متغيرات العلاقات الدولية كساحة لحركة الدول أو من خلال النظريات المعروفة في العلاقات الدولية كعلم. لا شك أن الدور السياسي الذي تقوم به السعودية على المستويين العربي والإسلامي هو من أكثر الأدوار أهمية، فللسعودية مكانة في العالم العربي بصفتها مهد العروبة، كما لها مكانتها عند جموع المسلمين بصفتها حاضنة الحرمين الشريفين، مما يجعلها محط أنظار المسلمين. هذا الجهد السعودي ينظر إليه المسلمون بالتقدير، وفي الوقت نفسه يراقبه الغرب بحذر شديد.

الرياض وأوباما

بعد انتخاب أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأميركية تحدث كثيرا من المحللين السياسيون عن شكل العلاقات بين واشنطن والرياض وتشعبت التحليلات التي تؤطر شكل هذه العلاقة، بيد أن ما اتفق عليه كثير منهم هو أن السعودية هي المكان المفضل المنتظر للرئيس أوباما للتغلب على جميع مشاكل المنطقة سواء كان ذلك فيما يتعلق بالحرب في العراق وأفغانستان التي سبق لرئيسها المطالبة بدور سعودي، وحل الأزمة الاقتصادية، والحوار بين الأديان وملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي، حيث مبادرة السعودية للسلام، والتي عادت إسرائيل ترحب بها للتو. وعند التعامل مع إيران فلن يستطيع أوباما تجاهل السعودية، وبالتالي فإن الدور السعودي السياسي سيأخذ نفوذه بشكل كبير مقابل خبو سياسة الدولار الإيراني في تحريك الملفات في المنطقة، جراء تراجع أسعار النفط بشكل حاد.

وقد يقول البعض إن أوباما هاجم السعودية انتخابيا بسبب البترول، وفعل ذلك قبله نائبه بايدن، لكن التاريخ يقول إن ستة رؤساء أميركيين تعهدوا بالابتعاد عن البترول السعودي منذ زمن نيكسون، لكن ما حدث كان العكس. أما بخصوص العراق فإن السعودية دولة محورية ليست لها أطماع ببغداد مثل إيران، ولها باع طويل في كسر شوكة quot;القاعدةquot;، ما جعل السفير الأميركي في الرياض فورد فرايكر يقول إن مكافحة الإرهاب في السعودية قصة نجاح كبيرة، والرياض البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي دحر quot;القاعدةquot; في بلاده.

على صعيد فوز الرئيس أوباما في الانتخابات الأميركية تنبأ الدكتور خالد الفرم في خضام حديثه لـquot;إيلافquot; أن تشهد العلاقات السعودية الأميركية عودة إلى الاستقرار الاستراتيجي، ومزيدا من التفاهم والتفهم حول ملفات المنطقة، بمعنى إعادة العقلانية للدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط واعتماد وجهات الدول الإستراتيجية والفاعلة في المنطقة بعيدا عن المغامرات الكاوبوييه.

أما جميل الذيابي فيرى أن مستقبل العلاقات السعودية الأميركية بعد وصول باراك أوباما إلى سدة الحكم أثارت الكثير من التساؤلات عن مستقبل هذه العلاقات مع بدء عمل إدارة الرئيس المنتخب أوباما، وفي اعتقاده أن العلاقة بين الرياض وواشنطن تاريخية ووثيقة حتى لو تعرضت لبعض عوامل الاختلاف في وجهات النظر. المملكة تنتظر من أوباما الاستمرار في تحفيز عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بما يوافق ويتفق مع المطلب العربي وفق المبادرة العربية، وأيضا عدم الاستمرار في سياسة quot;المعايير المزدوجةquot; عند التعامل مع القضايا والملفات التي تهم العالمين العربي والإسلامي.

وأوضح quot;الأكيد أن علاقة البلدين ستبقى راسخة، حتى وان شابها بعض عوامل التعرية في البداية، لكون كل منهما بحاجة للآخر والمصالح المشتركة تحتم عليهما ذلكquot;. وحققت السياسة السعودية انجازات غير مسبوقة في سنة خلت من خلال الدبلوماسية النشطة، والانفتاح السياسي على القوى الآسيوية وروسيا وعدد من الدول الأوروبية. ووظفت هذا الانفتاح في التعامل مع الأزمة العراقية، والملف النووي الإيراني، وفي إعادة بعض الاعتبار للعمل العربي.

فالصحافة الأميركية تريد من السعودية إعادة تفعيل مبادرة السلام العربية أميركيا، فيما الصحافة البريطانية تشدد على ضرورة أن تساهم السعودية في صندوق النقد الدولي نظرا لمكانتها الاقتصادية الصاعدة، وجلوسها في شخص الملك عبدا لله على طاولة قمة العشرين الاقتصادية. أما الصحافة الألمانية فتشدد على ضرورة أن ترعى السعودية المفاوضات بين الفصائل الأفغانية أملا في تخفيف حدة عمليات العنف المتصاعدة والتي تشكل تهديدا مباشرا لقوات الناتو. وأخيرا، فإن عددا من الصحف الأوروبية اعتبرت مبادرة الملك عبدا لله للحوار بين الأديان والحضارات والتي عقدت في مقر الأمم المتحدة نقلة تاريخية للإسهام الأخلاقي السعودي في العالم، وفرصة ضرورية لاحتواء التوترات الطائفية والحضارية بين العالمين الغربي والإسلامي.

لا شك، أن ما يحدث هو تطور إيجابي يصب في تحسين الصورة السعودية عالميا، وأكثر من ذلك هو أن الآخرين -لاسيما اللاعبين الدوليين الكبار كالولايات المتحدة والصين وروسيا- باتوا ينظرون للسعودية كدولة مؤهلة للاضطلاع بدور عالمي يفوق حدودها الإقليمية. صحيح أن السعودية ليست حديثة العهد بالمشهد الدولي، ولكنها لأول مرة تصعد وتجلس إلى طاولة النخبة برغبة ودعوة الكبار أنفسهم الذين يشعرون بحاجتهم لمكانة السعودية عربيا وإسلاميا ولثقلها الاقتصادي الواضح في مجال الطاقة.