أسامة العيسة من القدس: بعد ستين عامًا من تأسيسها تعترف إسرائيل، مجبرة، ببضعة آلاف من اليهود التونسيين كضحايا للنازية، مثل اليهود الأوروبيين. وأقرت محكمة تل أبيب، بأن اليهود التونسيين الذين عاشوا في ظل النظام النازي، يستحقون مكانة متساوية مع اليهود الأوروبيين الذين عاشوا الظروف نفسها، وبالتالي فهم يستحقون الرواتب التي تدفعها إسرائيل لمواطنيها اليهود الأوروبيين لمن تصنفهم من ضحايا الاضطهاد النازي.
وتركزت ادعاءات اليهود التونسيين، وهم يطالبون بمساواتهم مع نظرائهم من اليهود الأوروبيين، بأن بلدهم الأصلي تونس احتل لمدة ستة اشهر من قبل النازيين، وخلال هذه الفترة مارس النازيون اضطهادًا ضد اليهود في تونس. وتشكل في إسرائيل لوبي لدعم مطالب اليهود التونسيين، من ابرز نشطائه النائب دافيد عتصيون الذي قال إنه يوجد نحو 20 ألفًا من اليهود التونسيين الذين يعيشون في إسرائيل، يمكن أن يتم الاعتراف بهم، وفقًا لقرار المحكمة كضحايا للاضطهاد النازي، مما يخول الواحد منهم الحصول على راتب شهري من الحكومة مقداره 333 دولارًا.
ولم يكن إثبات حق اليهود التونسيين بمساواتهم بنظرائهم اليهود الأوروبيين سهلاً، وتركزت ادعاءات الحكومة الإسرائيلية، بأن تونس خلال الحرب العالمية الثانية، خضعت لنظامين منفصلين، فهي من جهة كانت خاضعة لفرنسا، وأيضًا من جهة أخرى تمتعت بحكومة مستقلة، ولمدة ستة اشهر خضعت للحكم النازي ما بين تشرين الثاني (نوفمبر) 1942 وأيار (مايو) 1943.
وعلى الرغم من خضوع تونس للحكم النازي، إلا انه وفقا لادعاءات الحكومة الإسرائيلي، فإن النازيين لم يلجأوا إلى إبادة اليهود المحليين، وذلك بسبب المقاومة من جانب المجتمع المحلي وموقف الحكومة التونسية المستقلة انذاك، وعلى الرغم من ذلك فإن اليهود تعرضوا لمضايقات جسدية، وأجبروا على دفع غرامات.
وحسب القانون الإسرائيلي فإنه لم يتم الاعتراف باليهود التونسيين الذين هاجروا إلى إسرائيل كضحايا للنازية، لأنه يعطي حق الحصول على تعويضات ورواتب لليهود الذين غادروا بلادهم لاجئين خلال الحكم النازي، وهو ما لا ينطبق على اليهود التونسيين الذين لم يجبروا أبدًا على مغادرة وطنهم تونس خلال الاحتلال النازي، ولكنهم غادروه في فترة لاحقة، ليصبحوا جزءًا من مشروع استعماري في المنطقة.
أما المحكمة فاتخذت قرارها، بناء على أن اليهود التونسيين، حافظوا على جنسيتهم التونسية بشكل نظري خلال الاحتلال النازي، لان تونس لم تكن مستقلة، وإنما محمية فرنسية، ولم تكن تونس تعترف بالمواطنين التونسيين بما فيهم اليهود بنفس المكانة التي للفرنسيين، وهكذا قررت المحكمة بان وزارة المالية الإسرائيلية لا يمكن أن تنكر بشكل قاطع جميع مطالبات التعويض التي قدمها اليهود التونسيين.
وكان اليهود التونسيين يشيرون، إلى أن عدم استجابة حكومات إسرائيل المتعاقبة لمطالبهم، يعود لكونهم من أصول شرقية، وليسوا من أوروبا مثل المستفيدين من القانون الإسرائيلي الخاص بتعويض من عانوا من الاضطهاد النازي، وفي المقابل، فإن الدولة العبرية كانت ترى في مطالب اليهود التونسيين، بأنها نوع من استغلال القانون الإسرائيلي، لأنهم لم يعانوا من الاضطهاد النازي أصلاً ولم يخوضوا تجربة quot;الحل الأخيرquot; الذي لجأت إليه ألمانيا النازية للتخلص من اليهود وهو الإبادة.
ويعتبر اليهود الشرقيين في إسرائيل، ومن بينهم التونسيين، الوسط الذي تنشط فيه الأحزاب اليمينية المتطرفة، ويصوتون عادة لحزب الليكود، ومن ابرز رموزهم سيلفان شالوم عضو الكنيست عن حزب الليكود، والذي شغل منصب وزير الخارجية، وخلال توليه لمنصبه اصطحب والدته ووفد إعلامي ورسمي كبير في أول زيارة رسمية له إلى تونس، زار خلالها الأحياء اليهودية هناك.
وعلى الرغم من القيمة الكبيرة لما تسميه إسرائيل للمحرقة النازية (الهلوكوست)، كإحدى الأيقونات المقدسة التي تعتبر خطا احمر في إسرائيل وإحدى مسوغات إقامتها، إلا أن الصحف الإسرائيلية كانت أثارت ضجة كبيرة، خلال العام الفائت، عندما نشرت في تحقيقات مصورة، بأن من وصفتهم باليهود الناجيين من الهلوكوست الذين يعيشون في إسرائيل يعيشون أوضاعًا معيشية صعبة، وان الاحتفالات السنوية التي تنظمها إسرائيل في ذكرى الهلوكوست لا تعدو كونها للدعاية.
وبعد نشر هذه التقارير، لجأت الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة ايهود اولمرت، إلى تحسين رواتب من يوصفون بالناجين من المحرقة، وكذلك إدخال تحسينات على أسلوب حياتهم.
وفي كلمته، خلال جلسة الكنيست بمناسبة إحياء الذكرى الدولية السنوية للمحرقة التي عقدت يوم 29 كانون الثاني (يناير) الماضي قال اولمرت quot;إننا نشيد في هذه المناسبة الفريدة، هنا في كنيست إسرائيل، بالناجين من المحرقة الذين أعادوا ترميم حياتهم واتخذوا من إسرائيل وطنا لهم. لن نهملهم، وحتى وإن ارتكبت حكومات إسرائيل السابقة بعض الأخطاء غير المتعمدة تجاههم، فإننا أخذنا على عاتقنا مهمة تصحيح الاعوجاج ودعم الناجين ومنحهم الكرامة اللائقة بشيخوختهم ومعاناتهم، إذ إن مهانتهم ndash; هي مهانتنا وكرامتهم هي كرامتناquot;.
ولم يكن اليهود التونسيين، يشعرون آنذاك بأهمية كلمات اولمرت، ولكن الآن يمكن لهم أن يستفيدوا من التعويضات والرواتب التي تدفع باسم الهلوكوست.
التعليقات