مع التأكيد أن المقاطعة لا تعني القطيعة
لبنان quot;الغائب الحاضرquot; في قمة دمشق

الحكومة اللبنانية خلال اجتماعها أمس
بيروت: يغيب لبنان عن قمة دمشق تمثيلاً ولكنه يحضر كملف رئيس على جدول الأعمال وفي الإجتماعات الجانبية، وهو الذي شكل أبرز العوامل التي أثّرت على طبيعة وحجم المشاركة العربية. إلا أنه لا تعويّل من هذه القمة على أي مردود ايجابي يؤدي إلى حلحلة في بيروت، والبحث بين القوى السياسية المحلية بدأ ينصب على مرحلة ما بعد القمة وسط تخوف عند بعضهم من العودة الى التوترات الامنية.

فقد حسم لبنان موقفه من قمة دمشق، اذ قرر مجلس الوزراء بعد جلسة عقدها في السراي الكبير برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة عدم مشاركة لبنان في اجتماعات القمة العربية في دمشق او في الاجتماعات التحضيرية التي تسبق القمة، وذلك quot;نظراً إلى تعطيل عملية انتخاب رئيس للجمهورية، والامعان في منع وصول المرشح التوافقي للرئاسة، واستهداف المبادرة العربية، وطرح أفكار ومبادرات لا تمت إلى القرار العربي بصلةquot;. وأكد بيان مجلس الوزراء ان quot;لبنان يمثّل في أي قمة برئيس الجمهورية وهو الرئيس الذي يميّز بحضوره لبنان بخصوصية وضعيته الفريدة، فهو الرئيس العربي المسيحي الوحيد بين القادة العربquot;. وقال البيان انه quot;استناداً إلى الظلم اللاحق بلبنان في سياق العلاقات اللبنانية السورية انطلاقاً من فرض الفراغ في رئاسة الجمهورية، وإقفال المجلس النيابي والتشكيك بالحكومة فإن مجلس الوزراء قرّر عدم مشاركة لبنان في اجتماعات القمة العربية أو في الاجتماعات التحضيرية التي تسبق القمةquot;، واعتبر ان عدم المشاركة هو quot;سابقة مؤسفة فُرضت عليناquot; للمرة الأولى في تاريخ القمم العربية. وكان اصرار لبناني عبر البيان الصادر عن الحكومة على ان quot;هذا القرار لا يعني على الإطلاق قطيعة مع سوريا، بل مناسبة لتأكيد ضرورة احترام سيادة لبنان واستقلاله ورفض التدخل في شؤونه الداخليquot;، ودعا الدول العربية إلى quot;رعاية العلاقات اللبنانية السوريةquot;. وهذه الدعوة تترافق مع حديث في الكواليس عن مسعى لبناني لعقد قمة عربية او اجتماع وزاري عربي للبحث في مسألة العلاقات الثنائية بين بيروت ودمشق ووضع العرب امام مسؤولياتهم المتعلقة بمحاولات عضو في جامعة الدول العربية التدخل او حتى الهيمنة على قرارات عضو اخر.

ولخص مصدر وزاري بارز لـصحيفة quot;النهارquot; أبعاد قرار المقاطعة بأنه quot;ادانة لتصرف النظام السوري الذي توّج بتعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية واستمرار تدخله في لبنان وضرب مؤسساته وتسهيله توغل النفوذ الايراني مما جعل لبنان ساحة معرضة لكل المخاطرquot;. وأوضحت مصادر وزارية ان مجلس الوزراء ناقش طويلاً الاسباب والحيثيات التي دفعت في اتجاه اتخاذ قرار عدم حضور القمة. ولاحظت ان الرئيس فؤاد السنيورة انتظر طوال اسبوع اشارة ايجابية من دمشق تشجع على المشاركة، لكنها لم تأت، وأصرّ على ان يسجّل في محضر الجلسة ان المملكة العربية السعودية لم تطلب ولم تبد أي رأي في موضوع مشاركة لبنان في القمة. ثم أبدى كل وزير وجهة نظره واتّخذ بعد ذلك قرار عدم المشاركة بالاجماع. وقد فوض المجلس الى السنيورة اتخاذ القرار المناسب في شأن توجيه كلمة الى القمة عبر شاشات التلفزيون، أو ارسال مذكرة الى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لنقل الموقف اللبناني الى القمة.

وقالت مصادر سورية واسعة الاطلاع لصحيفة quot;السفيرquot; إنّ quot;غياب التمثيل السياسي للبنان عن القمة لن يعني غياب مناقشة الموضوع اللبنانيquot;، مؤكدة أن quot;رئاسة القمة ستسعى إلى طرح الموضوع اللبناني بما يمكن أن يساعد على تحقيق الوفاق الوطني اللبنانيquot;، وهذا ما أكده الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أيضاً، مشيراً إلى أنّ القمة ستناقش الملف اللبناني quot;سواء شارك لبنان أم لم يشاركquot;. ورجحت مصادر دبلوماسية عربية أن يتم التعامل مع الموضوع اللبناني بالطريقة ذاتها التي تم فيها في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، معتبرة أن فرص quot;حصول أي اختراق بغياب السعودية ولبنان أصبح ضعيفاquot;. وأشارت مصادر دبلوماسية عربية في دمشق لصحيفة quot;الاخبارquot; الى أنّ من المتوقّع أن يتجاوز السوريّون خلال القمّة التشنّجات والمشكلات التي اعترضت عقد القمّة، إلا أنّه ليس مستبعداً أن يكون لهم بعد انتهاء القمّة كلام آخر.

وفي محاولات للحفاظ على quot;ماء الوجهquot; عربياً، جرت امس اتصالات دبلوماسية مكثفة حيث قام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بزيارة إلى الرياض، بحث خلالها مع الملك السعودي الوسائل الآيلة إلى رأب الصدع في العلاقات العربية للخروج من قمة دمشق برؤية موحدة وقرارات تعالج القضايا العربية وتعزز من مسيرة quot;التضامن والتكاملquot;. وذكرت quot;السفيرquot; انه من المتوقع أن يزور رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني صنعاء، غداً، حيث يقوم بنقل رسالة إلى صالح من أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني تتعلق بالترتيبات الجارية لعقد القمة، فيما تلقى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح رسالة من الملك السعودي تتعلق بالمستجدات المطروحة على الساحتين الإقليمية والدولية.

أوغاسبيان

الى ذلك أعلن وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية جان أوغاسبيان أن السوريين أرادوا في الجلسة الافتتاحية للقمة الاكتفاء بثلاث كلمات للسعودية باعتبارها الرئيسة السابقة للقمة، والامانة العامة لجامعة الدول العربية وسوريا التي سترأس القمة الجديدة. اضاف: quot;لكن بعد خفض السعودية مستوى تمثيلها، صدر كلام عن السوريين ان الرئيس الاسد لن يتسلم الرئاسة على مستوى مخفوض، وتاليا لا مكان للبنان لبث كلمته مباشرة على الهواءquot;.

وأشار أوغاسبيان في حديث تلفزيوني، الى انه سيعلن الموقف اللبناني مندوب في الجلسات المغلقة حيث من المحتمل ان يتدخل السوريون وغير السوريين للتأثير على البيان الختامي كما حصل في قمة دكار الاسلامية الاخيرة. وأكد أن الحكومة اللبنانية أصرت على quot;مقاطعة القمة العربية في دمشق بسبب غياب رئيس الجمهورية فيهاquot;.

وشدد أوغاسبيان على أن الحكومة quot;لا تريد تسجيل في تاريخنا أن لبنان شارك في القمة من دون رئيس للجمهورية، مع العلم أن الفراغ له انعكاسات سلبية على المنطقة ككل، لذا لا يجب القبول بهذا الفراغ، لأنه طال كل المؤسسات الدستوريةquot;. وحذر أوغاسبيان من تلهي اللبنانيين بخلافاتهم الداخلية وتحول لبنان ساحة للصراع الأميركي - الايراني في المنطقة.

للمحكمة الدولية

في سياق آخر توقعت مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون المنظمات الدولية كريستن سيلفربرغ ان تبدأ المحكمة الخاصة ذات الطابع الدولي التي ستحاكم المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري اعمالها quot;في لاهاي في الشهر المقبلquot;. وقالت ان الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون قد اختار اسماء القضاة الذين سيديرون المحكمة بمن فيهم اسماء القضاة في مرحلة الاستئناف من بين 12 قاضيا لبنانيا وقائمة من 37 قاضيا دوليا، مشيرة الى ان هذه الاسماء ستعلن في مستقبل قريب.

ونقل مراسل quot;النهارquot; في واشنطن عن سيلفربرغ تشديدها على ضرورة تعاون كل الدول والحكومات مع المحكمة، وتحديدا سوريا quot;التي تدرك موقفنا بضرورة تعاون الجميع مع المحكمة... ونتوقع من مجلس الامن ان يدعم هذا المبدأ بقوة، ونتوقع ان يمارس المجتمع الدولي الضغوط على أي حكومة ترفض التعاون مع المحكمة، وهذا أمر حيويquot;. ويشار الى ان الامين العام للامم المتحدة سيقدم غدا الخميس تقريراً جديداً الى مجلس الامن، على ان تبدأ المشاورات المتعلقة بآخر تطورات التحقيق وتشكيل المحكمة مطلع نيسان.

وكانت سيلفربرغ قد عادت لتوها من زيارة للاهاي، مقر المحكمة، والتقت المسؤولين الهولنديين المعنيين بالتحضير للمحكمة ومسؤولي الامم المتحدة. وقالت: quot;اشعر بالتفاؤل لان الامور تتقدم في الاتجاه الصحيح. ولدينا الان اتفاق في شأن مقر المحكمة، وفي شأن قضايا اجرائية اخرى، وتفقدت اماكن عمل القضاة... وقد اختير القضاة الذين لم تعلن اسماؤهم بعد، لكن الامين العام للامم المتحدة اختار القضاة وهذا تطور جيد. ونتوقع ان يبدأ امين السجل وهيئة موظفي المحكمة عملهما في لاهاي الشهر المقبل. وهذا أمر رائع.

وسئلت عن موعد بدءالمحكمة عملها وتوجيه الاتهامات ومذكرات التوقيف، فأجابت: quot;الامين العام للامم المتحدة قال في تقريره الاخير ان المحكمة ستشكل على مراحل. لقد اكملنا حتى الآن المرحلة الاولى، ودخلنا الان في المرحلة الاولية للنشاطات، وانتقال الموظفين الى لاهاي لدعم امين السجل. وفي الوقت المناسب سيبدأ المدعي العام دانيال بلمار عمله، وسيعلن رسميا اسماء القضاة. اما موعد توجيه الاتهامات فهذه مسألة تتوقف كليا على المدعي العام، وهذا بدوره يتوقف على وجود الادلة القوية التي سيقدمها الى القضاةquot;. وسيقوم المحقق بلمار لاحقا بدور المدعي العام للمحكمةquot;.

وعن صلاحيات المحكمة في استحضار المتهمين والشهود للمثول امامها، قالت سيلفربرغ: quot;لا نعرف الى من ستوجه الاتهامات. وهذا أمر متروك للمدعي العام والقضاة، ولكن من الاهمية بمكان، بصرف النظر عن جنسية المتهمين، ان يمثلوا امام المحكمة، وهذا لا ينطبق فقط على المشتبه بهم، بل ايضا على الشهود. ومن الضروري ان تتعاون كل الحكومات مع المحكمة. ونتوقع من مجلس الامن ان يمارس الضغوط على أي حكومة ترفض التعاون مع المحكمة. وهذا أمر حيويquot;.

وعن موعد انتهاء التحقيقات وبدء تحضير لوائح التهم، اشارت الى وجود خيارات مختلفة في هذا المجال من بينها مواصلة التحقيق، وبدء اعمال المحكمة، وتحدثت عن مشاورات تجري الآن مع الحكومة اللبنانية وغيرها من الحكومات في شأن طريقة معالجة هذه المرحلة الانتقالية بشكل فعال، ورأت ان استمرار التحقيق امر مهم وخصوصاً في حال تعرض مواطنين لبنانيين لهجمات ارهابية مماثلة.

وقالت سيلفربرغ التي اجتمعت مع بعض المسؤولين عن محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة، إن هناك بعض الدروس والعبر التي استخلصت من هذه المحكمة لتفادي محاكمة طويلة او توفير منبر للمتهمين كما حدث مع الرئيس الصربي الراحل سلوبودان ميلوسوفيتش الذي استخدم المحكمة منبراً لمهاجمة المحكمة ومتهميه.

وشددت على وجود دعم قوي جداً في الامم المتحدة وفي واشنطن وغيرها من العواصم المعنية لعمل المحكمة quot;وهذا موقف غير قابل للتفاوض او التنازلquot;. وأبرزت اهمية الجلسات العلنية للمحكمة وشفافيتها واهمية ذلك بالنسبة الى الشعب اللبناني الذي يجب ان يشاهد سير المحاكمة وتطوراتها. وأوضحت ان السلطات الهولندية والامم المتحدة ستكون مسؤولة عن أمن القضاة والشهود والمتهمين. وقالت انه خلال المحاكمة سيكون هناك قاض لبناني واحد وقاضيان دوليان. اما في مرحلة الاستئناف فستكون هناك هيئة من خمسة قضاة بينهم قاضيان لبنانيان، الى قاض بديل.