غروزني (روسيا): قد لا يكون الزعيم السوفيتي الراحل نيكيتا خروشوف محبوبا في روسيا لكن ينظر إليه باعتباره بطلا قوميا في أحد أركان جبال القوقاز. وتخطط جمهورية الشيشان جنوب القوقاز التي تقطنها أغلبية مسلمة لاقامة تمثال في عاصمتها جروزني تكريما لخروشوف بعد مرور 37 عاما على وفاته في الظل بعد أن طردته قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي وتجاهلته. واشتهر خروشوف في الغرب بسلوكه الغريب وأسلوبه الفظ لكنه يحظى بمكانة خاصة في وجدان الشيشان فهم من بين المستفيدين من سياسة رد اعتبار أولئك الذين كانوا ضحايا حملات التطهير التي شنها سلفه جوزيف ستالين.

وفي عام 1956 أعاد خروشوف الشيشان الى وطنهم بعد أن طردهم ستالين الى مناطق الاستبس في وسط اسيا عقابا لهم على انتفاضتهم ضد الحكم السوفيتي أثناء الحرب العالمية الثانية. حوالي 500 ألف شخص هم تقريبا كل سكان الشيشان انذاك جرى نفيهم. واليوم تشتهر الشيشان بحربين ضاريتين بين قوات موسكو ومتمردين انفصاليين منذ عام 1994 . والان هدأ القتال وتشهد الشيشان عملية لاعادة البناء مما أتاح للناس فسحة من الوقت للتفكير في الدور الذي لعبه خروشوف في تاريخهم المضطرب. قال سعيد علي دوفتاييف وهو استاذ للاقتصاد في جامعة الشيشان في جروزني quot;هو السبب الرئيسي في وجودنا في الشيشان اليوم... أباؤنا يشكرونه لاعادتنا الى وطننا.quot; وشب دوفتاييف في ألما اتا كبرى مدن قازاخستان بعد أن نفى ستالين عائلته الى هناك في عام 1944 .

وللشيشان تاريخ طويل من التمرد على موسكو. ومع تقدم الالمان نحو القوقاز خاض الشيشان معارك ضد القوات السوفيتية وتعاون بعضهم مع الجيش الالماني. لكن فكرة اقامة تمثال لخروشوف جاءت من الرئيس الشيشاني رمضان قديروف وهو زعيم سابق للمتمردين يدين الان بالولاء للكرملين. وقال قديروف في العام الماضي بعد أن أعلن عن تقديره لخروشوف quot;انه بطل بالنسبة للشيشان.quot; كما أطلق قديروف اسم خروشوف على ميدان صغير على مشارف العاصمة جروزني التي أعيد بناؤها حديثا. وخروشوف المولود لعائلة من الفلاحين صعد الى أرقى المناصب في الحزب الشيوعي بفضل ذكاءه الفطري واخلاصه الشديد على ما يبدو لستالين. وعندما توفي ستالين في عام 1953 ظهر خروشوف كزعيم. وبعد ثلاثة أعوام ندد خروشوف quot;بعبادة الفردquot; التي أحاطت بستالين. لكن كان لا بد وأن يترك بصمته على الخاصة على نحو أزعج أحيانا مواطنيه.

وأصبح الروس محط الانظار في عام 1956 عندما أمر خروشوف الدبابات بالنزول الى شوارع العاصمة المجرية بودابست لسحق انتفاضة ضد السوفيت. وسقط ما يقدر بنحو 2500 مجري قتلى في التحرك العسكري. وفي عام 1960 خلع خروشوف حذاءه على نحو لافت للنظر وقرع على طاولة غاضبا أثناء جدال في الامم المتحدة. وأخذ الاتحاد السوفيتي الى حافة حرب نووية مع الولايات المتحدة أثناء أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962 . وأطاح ليونيد بريجنيف بخروشوف في عام 1964 عندما كان يقضي عطلة خارج موسكو وخضع لمراقبة دقيقة من جهاز المخابرات السوفيتي حتى وفاته عن عمر يناهز 77 عاما في عام 1971 .

وبينما كرم الاتحاد السوفيتي زعماءه الاخرين بعد وفاتهم جرى تجاهل تركة خروشوف الى حد كبير ولم يدفن الى جوار الزعماء السوفيت الاخرين المتوفين في الميدان الاحمر حيث يرقد جثمان مؤسس الدولة السوفيتية فلاديمير لينين. وعند ملتقى الطرق الذي يخطط قديروف لوضع تمثال خروشوف عنده أوقف شرطيان السيارات للتحقق من الوثائق وهو اجراء معتاد في منطقة لا تزال تشهد هجمات يشنها مسلحون.

وعلى أحد الجوانب يرتفع مبنى سكني جديد ساهمت في بناءه جالية كبيرة من أبناء الشيشان تعيش في الشتات في قازاخستان وعلى الجانب الاخر تمتد صفوف طويلة مرعبة من شواهد القبور للذين لاقوا حتفهم أثناء حملة التطهير التي شنها ستالين في الشيشان.

ولكن بالعودة الى الطرق التي أعيد تعبيدها في جروزني مرورا بالعمارات السكنية والاستاد الذي أعيد بناؤه قال الطالب عيسى محمدوف (22 عاما) ان رؤية جيله للتاريخ لا تزال تهيمن عليها الحرب التي انتهت للتو. وقال محمدوف ان خروشوف quot;شخص مهم جدا بالنسبة لابويه وأجداده.quot; لكنه استطرد قائلا quot;رأينا على مدى 15 عاما مضت أشياء أكثر رعبا لم يعد لدينا وقت لأن نفكر في أن خروشوف سمح لنا بالعودة للشيشان.quot;