تاج الدين عبد الحق من ابوظبي:
لم يكن ملتقى الهوية الوطنية الذي بدأ اعماله في ابوظبياليوم يحتاج الى صاعق تفجير كالفريق ضاحي خلفان تميم قائد عام شرطة دبي ، فموضوع الملتقى بحد ذاته هو موضوع متفجر وجمهور الحاضرين جمهور مستفز من الاساس ازاء قضية شائكة ومعقدة كقضية الهوية الوطنية بكل ما تحمله من عوارض وتحديات. وعلى خلاف الندوات والمؤتمرات الجامعة فإن الملتقى الذي نظمته وزارة الثقافة وتنمية المجتمع بدأ اكثر من ملتقى فكري بسبب حضور عدد من اصحاب القرار من بينهم الشيخ منصور بن زايد آل نهيان وزير شؤون الرئاسة الذي ناب عن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الامارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في افتتاح اعمال المؤتمر والشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية وعدد كبير من الوزراء الحاليين والوزراء السابقين وفعاليات مجتمعية تغطي كامل الطيف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والاعلامي الاماراتي.
على ان الورقة التي قدمها الفريق ضاحي خلفان تميم والتي كانت معززة بشروحات مصورة وافلام فيديو اعتبرت تجسيدا لجوهر القضية التي يناقشها المؤتمر وهو خلل التركيبة السكانية . فالفريق تميم عرض افلاما لم يشاهدها الناس عن بعض التظاهرات والاضطرابات العمالية التي وقعت في الامارات والتي تضمنت مشاهد تدمير وحرائق لم يعلق عليها الفريق تميم الا بالقول هذا الذي ترونه في الامارات وليس في العراق ، كتعبير عن فظاعة المشاهد . الفريق تميم الذي قال ان وجود عدد من الوافدين بين الحاضرين يمنعه من الاسترسال في سرد بعض الوقائع والافكار.
كما وصف الحال في الامارات كبناء يهتز ومهدد بالانهيار في أي لحظة اذا لم يتم تدارك الامر الذي لم يتردد في اطلاق اوصاف كثيرة عليه اقلها الكارثة . وكعادته في المنتديات العامة لم يتورع الفريق تميم عن طرح افكار مثيرة من ابرزها الدعوة الى زيادة الانجاب والاكثار من الزواج وهو ما اثار ردة فعل ضاحكة بين جمهور الحاضرين الذي كان نصفه من النساء في سابقة لم تحدث في ابوظبي من قبل وهو ما يعكس المكانة الجديدة التي تحتلها المرأة الاماراتية.
ومن الافكار التي طرحها الفريق تميم توحيد دول الخليج واصدار جواز سفر خليجي موحد يسمح بانسياب حركة الناس بين دول الخليج مشيرا الى ان دول المنطقة تواجه خطرا واحدا وهو خلل التركيبة السكانية .
وتطرق الفريق تميم الى قضية العولمة باعتبارها من التحديات التي تواجه الهوية الاماراتية حيث اشار الى البعد السياسي في هذه العولمة التي يمكن ان تعطي في المستقبل حقوقا سياسية للاجانب المقيمين في الامارات وعرض في هذا السياق صورا تظهر شوارع في الامارات وقد امتلأت بالاسيويين دون ان يكون بينهم أي اماراتي وعلق ان العولمة السياسية قد تؤدي الى تنصيب ( كوتي ndash; وهو اسم شائع بين الجالية الهندية في المنطقة -- رئيسا علينا ) ، مذكرا في هذا الصدد بأن والد المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة اوباما اسمه حسين في اشارة الى ان هذا الوضع ممكن ان يتكرر في الامارات .
اما ذروة التفجير في كلام الفريق ضاحي خلفان فكانت عندما قال انه يشكك في بقاء الاسر الحاكمة الحالية في المنطقة سبعين سنة قادمة وعلى حد تعبيره انه اذا حكم اولاد اولياء العهود ، فأنه سيكون سعيدا . وقدر المدة التي سيستغرقها انتقال السلطة من اولياء العهود الحاليين الى ابنائهم بسبعين سنة . وقد اثارت هذه الاشارة الجمهور الذي كان يضم عددا من الشيوخ . وشدد الفريق تميم على اهمية استمرار انظمة الحكم الحالية باعتبارها عنصر استقرار لدول المنطقة ، لكنه قال ان ذلك يتطلب تحركا عاجلا لايجاد الحلول التي تعاني منها التركيبة السكانية . وأشار الفريق خلفان تميم الى المتاجرة بالتأشيرات كمظهر من مظاهر انفلات سوق العمل والخلل الديمغرافي .
والى جانب ما جاء على لسان الفريق تميم ، اثار الداعية الاسلامي الشيخ أحمد الكبيسي الذي كان آخر المتحدثين قضية حساسة وهي العلاقة بين رجال الدين والسياسة داعيا الى ابعاد العمائم عن السياسة والى عدم الانسياق وراء من يتصدى للفتوى بغير علم أو لاغراض مشبوهة مستحضرا من التاريخ الاسلامي كيف ان ثلاثة من الخلفاء الراشدين قتلوا بطريقة بشعة بسبب فتاوى جهله او مغرضين ومعرجا على ما يحدث من مذابح وقتل في العراق وغيرها من الدول الاسلامية باسم الدين لينتهي الى ضرورة ابعاد رجال الدين عن العمل السياسي ومنعهم من الفتوى في أي شأن سياسي .
وكان الملتقى قد بدأ بداية هادئة عكستها كلمة الشيخ منصور بن زايد الافتتاحية التي تناول فيها مبادرة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الامارات بإعلان عام 2008عاما لتكريس الهوية الوطنية حيث أشار إلى أن المبادئ والرؤى والضوابط التي يعمل هذا الملتقى على تحويلها لبرامج عمل تغطي مظاهر حياتنا ستكون ذات أثر فعال في تحقيق الأهداف المرجوة من هذه المبادرة .
وتناول الشيخ منصور المنطلقات والثوابت والمعطيات والمقومات الحضارية للهوية الوطنية وعلى رأسها الدين الحنيف والعادات والتقاليد دون التنكر للعالم الحديث بكل ما فيه من قيم وعلاقات وتفاعلات بناءة. وقال quot; إن وجود عدد كبير من الجنسيات والأعراق والثقافات يسهم في البناء ينبغي أن يوظف كمصدر إثراء لشخصيتنا الوطنية من خلال التفاعل الواعي مع الآخر واحترام موروثاته دون أن يمس ذلك بثوابتنا ومعتقداتنا quot; .
بعد ذلك تحدث الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الذي تناول السياسة الخارجية باعتبارها من ابعاد الهوية الوطنية الاماراتية وقال .. إن السياسة الخارجية لدولة الامارات تستند إلى مبادئ ثابتة تتمثل في إقامة علاقات متوازنة وإيجابية مع الجميع على أساس الاحترام المتبادل وحسنِ الجوار والالتزام الكامل بالشرعية الدولية .
وقال إن السياسة الخارجية تتحرك ضمن محاورَ ثلاثة هي المحور الخليجي بما يمثله تاريخيا واجتماعيا وسياسيا والمحور العربي والإسلامي باعتباره المرجعية لهويتِنا وثقافتِنا والمحور الدولي الأوسع..مؤكدا ضرورة التعامل الإيجابي مع المعطيات الدولية الجديدة.
وشدد على أن السياسة الخارجية الإماراتية كانت على الدوام ترتكز على هذه المحاور وما تحمله في ثناياها من قيمِ التسامح والانفتاح وهو ما أعطاها طابَعها وخصوصيتها وجعلها نموذجا لدولة عربية إسلامية واثقة من هويتِها الوطنية وتحظى بالتقدير في كلِ المحافل الإقليمية والدولية .
وقال quot; لقد ساهمت سياستنا الخارجية في إبراز المضامين الحقيقية لقيمنا وفي مد الجسور الثقافية والاقتصادية والاجتماعية مع الشعوب الأخرىquot; .. كما أكد الشيخ عبد الله بن زايد عدمِ التساهل إزاء كل ما من شأنه المساس بمصالحِنا وحقوقنا الوطنية في الوقت الذي نؤكد فيه نهجِ التسامحِ والانفتاح .. وقال quot; من هنا جاء تمسكنا بحقنا في جزرنا الثلاث المحتلة طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى كإحدى أولويات سياستنا الخارجية quot; وهو أيضا تمسكٌ بالشرعيةِ والقانون الدولي quot; .
وأعرب الوزير الاماراتي عن اعتزاز بلاده بسجلها في مجال حقوق الإنسان وما حققته المرأة من تقدم على صعيد مشاركتها في الحياة العامة على نطاقٍ واسعٍ بما في ذلك العمل الدبلوماسي بحيث غدت هذه المشاركةُ من الملامح الممِّيزة لهويتِنا الوطنية.
ولفت الى أن الدولة تواجه تحدياً في ترسيخ هذه الفلسفة كنهجٍ في التعامل الإنساني مع العمالة الوافدة إليها باعتبارها ليس فقط عنصرا مهما في عملية التنمية بل وكذلك جزء لا يتجزأ من الالتزام بحقوق الإنسان..وقال quot; إننا نضع الآن موضوع العمالة في موقع متقدم في أولويات سياستنا الخارجية وفي علاقاتِنا مع الدول المعنية quot; .
وشدد على أن قضية البيئة تحتل جانبا حيويا في السياسة الخارجية للدولة..لافتا الى أن دولة الامارات تتمتع بسجل ناصع في مجال المحافظة على البيئة وتنفيذ مشاريع للطاقة المتجددة وتطوير البدائل التي تحميها بما في ذلك بدائل نظيفة للطاقة والعمل على الحد من الانبعاث الكربوني اضافة الى سياستُها الشفافة في مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية .
واستعرض الشيخ عبد الله بن زايد ما تشهده وزارة الخارجية من تطوير سواء على صعيد منهجية العمل أو على صعيد كَوادرِها الدبلوماسية والإدارية وبعثاتِها في الخارج ..مؤكدا أن مسألة متابعةِ أوضاعِ المواطنين في الخارجِ ورعايتِهم باعتبارها مسألة حيوية تعبر عن الرغبة في ترسيخ الترابط بينَ الدولة ومواطنيها .
ومن بين ابرز المداخلات التي قيلت بعد الجلسة الاولى في الملتقى ما ذكره الوزير الاماراتي السابق احمد حميد اطاير الذي كان وزيرا للتربية ووزيرا للمواصلات في حكومات سابقة حيث تحدث عن اللغة العربية وضرورة المحافظة عليها في ظل موجة التغريب الحالية.
وكان ملتقى الهوية الوطنية قد انعقد في اطار مبادرة الشيخ خليفة بن زايد رئيس دولة الامارات بإعلان العام الحالي عاما للهوية الوطنية ومن المنتظر ان يستمر الملتقى يومين تناقش خلاله عدة موضوعات من بينها المشاركة السياسية وقضايا التعليم والحفاظ على اللغة العربية ودور المرأة ودور الاعلام وغيرها من الموضوعات التي تشكل جزءا من مكونات الهوية الوطنية.
التعليقات