بقلم إيان فيشر:
تمكّن سيلفيو برلوسكوني، هذا الملياردير الإيطالي ذو الشخصية المتميّزة، والذي يسيطر على معظم الحياة العامة في إيطاليا، من استعادة السلطة السياسية في الانتخابات التي انتهت في 14 نيسان/أبريل، مترئساً بذلك تحالفاً من يمين الوسط وهو على ثقة من أنّه سيقوده إلى بلوغ منصب رئيس الوزراء للمرة الثالثة.
لكن إذا نظرنا إلى التراجع الحاد في الاقتصاد والإحباط الكبير اللذين ساهما في تخلّف إيطاليا مقارنةً بباقي الدول الأوروبية، ما عدنا واثقين مما إذا كان الإيطاليون قد صوّتوا لبرلوسكوني محبةً به، أم اختياراً منهم أهون الشَرَّين، كما يرى العديد من الخبراء، بعد أن عانت البلاد طوال عامين تقاعس حكومة يسار الوسط المتصدّعة.
على هذا، تعود إيطاليا اليوم إلى نوع واحد من السياسة الشخصية مع برلوسكوني بصفته الشخصية الرئيسة بلا منازع. فقد رفض الإيطاليون حسّ المسؤولية العاقل لرئيس الوزراء المنفتح رومانو برودي، واختاروا في لحظة من الشك الوطني بالذات رجلاً استهلك الناسُ أخبارَه الدرامية، من فضائح التهريج والفساد، إلى علاقاته المزعزعة مع زوجته وشركائه السياسيين، وصولاً إلى الشعر النامي على صلعته، وشعره البني الذي أصبح أغمق اللون.
وقد عبّر برلسكوني عن quot;سروره الفائقquot; لفوزه في اتصال هاتفي وجيز أُجري معه ضمن برنامج بُثّ على التلفزيون الوطني. مع أنّ تحالف برلوسكوني حاز على غالبية ساحقة في مجلسي النواب والشيوخ، فلقد جاء فوزه في الانتخابات بمساعدة كبيرة من حزب الرابطة الشمالية الذي ينادي بنظام فدرالي لصالح شمال البلاد الأكثر ازدهاراً. وجدير ذكره هو أنّ هذا الحزب بالذات كان قد تسبّب بانهيار حكومة برلوسكوني في العام 1994، تاريخ تجلّى في هزيمة زعماء يسار الوسط.
في هذا الإطار، يقول والتر فيلتروني، عمدة روما السابق، ورئيس الحزب الديمقراطي الذي نافس برلوسكوني في الانتخابات: quot;سيبدأ الآن موسم من المعارضة ضد غالبية لن يكون من اليسير عليها أن تمسك بزمام أمورٍ يصعب السيطرة عليهاquot;. ويضيف فيلتروني قائلاً: quot;لا أدري كم من الزمن ستدوم هذه الغالبيةquot;. وهكذا سيصبح الحزب الديمقراطي المعارض الأكبر.
إلا أنّ برلوسكوني ابن الواحدة والسبعين الذي يُعَدّ ثالث أثرى رجل في إيطاليا، والذي يملك امبراطوريةً إعلاميةً ورياضيةً لم يلقِ خطاباً بمناسبة فوزه. لكنه أثناء الاتصال الهاتفي القصير في البرنامج التلفزيوني، وإذ أعلن quot;تأثّرهquot; بالفوز، مدّ يد التعاون إلى فيلتروني مناشداً إياه إجراء تغييرات يرى معظم الإيطاليين أن بلادهم بأمس الحاجة إليها لتسير عجلتها من جديد.
وصرّح برلوسكوني قائلاً: quot;نحن منفتحون على الدوام للعمل يداً بيد مع المعارضةquot;. وتعهّد باتّخاذ إجراءات فورية لمعالجة المشاكل التي تقضّ مضاجع الإيطاليين، بما فيها أزمة النفايات في جنوب البلاد التي شوّهت وجه الأمة، وبيع شركة الطيران الوطنية أليطاليا شبه المفلسة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الانتخابات التي دُعي إليها بعد سنتين فقط على هزيمة برلوسكوني أمام برودي كانت واحدةً من الانتخابات التي تركت في الذاكرة أثراً قليلاً، علماً أنّ العديد من الإيطاليين شكّ في أنّ أحداً من المرشحَي سيتمكن من إجراء تغيير يذكَر.
لكن هذه الانتخابات أشارت إجمالاً إلى انقسام جوهري في أمةٍ سياساتُها مزعزعة بسبب انشغالات العديد من الأحزاب الصغيرة باهتمامات ضيّقة. ففيلتروني رئيس الحزب الديمقراطي الحديث الولادة الذي نتج عن دمج حزبَي يسار الوسط الأكبر في البلاد، رفض الترشّح إلى جانب أحزاب اليسار المتطرّف كما فعل برودي.
نتيجةً لذلك، أفادت وكالة الأنباء الإيطالية أنسا أنّ عدد الأحزاب في مجلس النواب سينخفض من 26 حزباً إلى 6 فقط. ويقول الخبراء، وفي بعض الحالات يأسفون، إن الانتخابات أظهرت من جانبي اليسار واليمين، ، تحوّلاً نحو نظام أشبه بالنظام الأميركي أو البريطاني القائم على حزبين أساسيين. أما صحيفة quot;إيل ريفورميستاquot; ذات التوجّه اليساري المعتدل فخطّت أحد عناوينها كما يلي: quot;ما يجري أشبه بمعركة واترلوquot;.
واعتبر محرُّرها، أنطونيو بوليتو، وهو سيناتور مستقيل من حزب مارغريتا الآخذ بالزوال أنّ quot;اليسار في طريقه إلى الزوال للمرة الأولى في التاريخquot;. وأضاف مشيراً إلى حزب فيلتروني: quot;الحزب الوحيد الذي استطاع إنقاذ نفسه بعد عامين كارثيين من حكم برودي هو حزب يعيد تشكيل نفسه على صورة الحزب الديمقراطي أو حزب العمالquot; في الولايات المتحدة وبريطانيا.
وكرّر التحليلَ نفسَه باولو بونايوتي، المتحدّثُ باسم برلوسكوني قائلاً: quot;لقد قدّمت إيطاليا تبسيطاً للصورة السياسيةquot;. في الواقع، خاض فيلتروني الانتخابات وجهاً شاباً ساعياً إلى التغيير، مظهراً بذلك برلوسكوني رجلاً مرهقاً وعد بالكثير عند انتخابه في العام 2001. وفى بالقليل ففيما تنقّل برلوسكوني بالطائرات والمروحيات، جال فيلتروني غير المحبّ للظهور البلادَ بحافلة في نوع من الحملات الانتخابية لم تعهده إيطاليا قبلاً.
وفي هذا الإطار، يرى بييترو أوتون، كاتب مقالات سياسية بارز في صحيفتنا، أنّ فيلتروني فشل في النهاية quot;في أسر مخيّلة الأمة لأنّ الانتخابات عندنا تقرّر نتائجَها شخصيةُ المرشّحين أكثر مما تقرّرها البرامجُ الانتخابية. وفي هذا الصدد لم يتمتّع فيلتروني بما يكفي من الإبداع أو الطاقة ليترك أثراًquot;.
ويضيف قائلاً إنّ quot;برلوسكوني قاد حملةً انتخابيةً شدّدت على التألق الطبيعي الذي لا يزال يجذب الإيطاليينquot;. ويعتبر أوتون أنّ برلوسكوني quot;اكتفى بإطلاق النكات هذه المرة. ومع أنّه لم يملك أيّ رسالة سياسية يبعث بها نجح في تصدّرِ عناوين الصحفquot;.
إلا أنّ حملة برلوسكوني هذه المرة كانت أكثر هدوءاً من حملاته الأربع السابقة لبلوغ المنصب الرسمي، ما يعكس، بنظر العديد من الخبراء، المشاكلَ العميقةَ التي تواجهها إيطاليا حيث انخفض النموّ مجدداً إلى حدود الصفر. ففي حملات أخرى، أطلق برلوسكوني العديد من الوعود المحدّدة مبرماً في الحقيقة quot;عقداً مع الإيطاليينquot; لم يلتزم به كما يرى النقاد.
وفي المقابل، جاءت وعوده الانتخابية هذه المرة أقلّ أهميةً، كتخفيض الضرائب، وخفض الإنفاق الحكومي، وتأهيل بنية البلاد التحتية السيئة. وهذه أرضية لا تختلف كثير الاختلاف عن أرضية فيلتروني. بيد أنّ عدداً من الخبراء يرى أنه سيواجه الكثير من الضغط ليجري تغييراً في البلاد، ضغط مصدُره بشكل خاص أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة الذين يتخبّطون في منافسة مع الصين، ويعانون بسبب ارتفاع سعر اليورو.
ويعتقد بعض الخبراء أنّ برلوسكوني يسير نحو عهده الثالث وهو في مواجهة مصاعب جمّة مع حزب الرابطة الشمالية الذي صرّح رئيسه أومبيرتو بوسّي بعد سماعه النتائج الأولية مبتهجاً: quot;الرابطة قوية!quot;.
يجدر الذكر أنّ بوسّي نادى بـquot;الفدرالية الآنquot; قاصداً بذلك ضرورة أن يتمتّع الشمال بقدرة أكبر في صنع القرارات المتعلّقة بعائدات الضرائب التي ينتجها، والتي تفوق تلك التي ينتجها الجنوب الأشدّ فقراً. وهذه الاقتراحات مثيرة للجدل في إيطاليا حيث تخلّفُ الجنوبِ يُعَدّ مشكلةً كبيرةً لنموّ الأمة الإجمالي. لكن على الرغم من الظلّ الذي يلقيه العام 1994 حيث انسحب بوسّي من حكومة برلوسكوني بعد تسعة أشهر فقط، بدّد بوسّي كلّ المخاوف القائلة بتكرار التجربة.فبوسّي يقول: quot;سنبقى على عهدنا مع سيلفيو. نحن نحب سيلفيوquot;.
فيلتروني يتوعد بقيادة معارضة برلمانية صارمة ضد حكومة بيرلسكوني
الى ذلك أكد زعيم الحزب الديموقراطي الايطالي فالتير فيلتروني أن حزبه سيقود معارضة برلمانية لا تعرف الليونة ضد الحكومة الجديدة . وقال فيلتروني في سياق تحليله للنتائج الانتخابيةا اليوم ان حزبه الذي سيمثل عصب الأقلية البرلمانية سيكون رئيسيا في قيادة معارضة سياسية شديدة القوة مقابل الحكومة اليمينية المقبلة رغم ابدائه الاستعداد للتحاور البناء مع الأغلبية البرلمانية الجديدة اذا أظهرت رغبة في ذلك.
واستطرد زعيم الحزب الديمقراطي محذرا من قيام بيرلسكوني كما أعلن بالاحتفاظ برئاسة مجلسي النواب والشيوخ لتحالفه اليميني بالاضافة الى مقعد ايطاليا في المفوضية الأوروبية الذي يخلو باستقالة فرانكو فراتيني المرشح لحقيبة الخارجية بالقول في هذه الحالة quot;سنرى فيلما آخرquot; في اشارة الى الصدام السياسي المحتمل.
وفيما نبه الى حاجة ايطاليا الى quot;توازن على المستوى المؤسسي والى هدوءquot; قال quot;اذا كان رئيس الوزراء المقبل يرى أن من المناسب التحدث الى زعيم المعارضة فان خطوط هواتفي دائما حرةquot;.
وكان زعيم حزب (ايطاليا ذات القيم) حليف الحزب الديمقراطي وقاضي تحقيقات الأيدي النظيفة الشهيرة في مطلع التسعينات أنطونيو دي بيترو قد اعتبر تمسك الحزب الديمقراطي بالقضايا الأساسية ومنها حرية النظام التلفزيوني الذي يهيمن عليه بيرلسكوني وعلى اثارة قضية quot;تناقض المصالحquot; شرطا أساسيا كي يندمج حزبه في الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي وفق ما اتفق عليه قبل الانتخابات.
التعليقات