طرابلس: لأول مرة في حياته اجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثات مع زعيم دولة آخر في خيمة بدوية. ولم يكن أمام الرئيس بوتين أي خيار آخر لأن كل لقاءات القمة التي يجريها العقيد القذافي تقريبا تعقد في هذه الخيمة الواقعة في مقر العزيزية قرب طرابلس.
وخلافا لشيوخ وأمراء دول الخليج الذين يعتبرون القصور جزءا لا يتجزأ من عاداتهم في أثناء استقبال رؤساء الدول والحكومات، يكره البدوي القذافي حياة البذخ والترف.
وكان هذا المكان تعرض لقصف أميركي في عام 1986 أودى بحياة ابنة القذافي بالتبني. وتركت السلطات الليبية آثار القصف على هذا المبنى لكي تكون شاهدا على ما جرى في ذلك الوقت. ونصبت الخيمة الشهيرة قرب ذلك المكان لتستضيف لقاءات القمة التي يعقدها القذافي مع ضيوفه. ولا تعد هذه الخيمة مقرا دائما للقذافي بل مكانا لاستراحته فقط.
وقد تكللت زيارة الرئيس الروسي لليبيا بالنجاح على الرغم من أن بوتين والقذافي انتظراها لمدة 8 سنوات. وكان الرئيس الروسي والزعيم الليبي تبادلا الدعوات في عام 2000 إلا أنهما لم يتبادلا الزيارات. وحالت العقوبات الاقتصادية التي فرضت على ليبيا دون إقامة تعاون اقتصادي بناء بين الجانبين الروسي والليبي.
وأعلن القذافي لدى افتتاح لقائه مع بوتين في طرابلس أن زيارة الرئيس الروسي quot;جاءت في الوقت المناسبquot;. وبدوره قال بوتين: quot;بالطبع لقد كنا نستعد لهذه الزيارة منذ فترة طويلةquot;. وأضاف: quot;وأنتم كذلك لم تزوروا روسيا منذ زمن بعيدquot;.
وقد وجد العقيدان بوتين والقذافي لغة مشتركة لأنهما قائدان يتمتعان بالقوة والجرأة على قول الحقيقة.و تجدر الإشارة الى أن صفة الصراحة لدى القذافي تثير استياء بعض القادة العرب. أما بوتين فانه يرحب بمثل هذه الصراحة والجرأة.
ويمكن القول إن النتيجة الأولى للزيارة تتمثل في تسوية مسألة الديون الروسية المستحقة على ليبيا. و اعترفت طرابلس بمبلغ 6ر4 مليارات دولار الذي حددته موسكو. وردا على هذا الاعتراف شطبت روسيا هذه الديون مقابل توقيع عقود مربحة للشركات الروسية مع الجانب الليبي، ومن بينها عقد بقيمة مليارين و200 مليون يورو وقعته شركة سكك الحديد الروسية لبناء خط جديد في ليبيا بين سرت وبنغازي بطول 500 كلم.
وصرح نائب رئيس الحكومة، وزير المالية الروسي الكسي كودرين بأن هذا العقد يضمن نحو 70 بالمئة من المشتريات الليبية من المعدات والتقنيات والمنتجات المعدنية من روسيا. وأكد أن مسألة الديون كانت تعيق تطوير التعاون بين البلدين، مشيرا إلى إمكانية تعزيز جو الثقة بين روسيا وليبيا بعد إلغاء تلك الديون.
كما وقعت مذكرة للتعاون بين شركتي quot;غازبرومquot; الروسية وشركة النفط والغاز الوطنية الليبية. وبشكل عام وقعت روسيا وليبيا في إطار زيارة الرئيس بوتين لطرابلس 10 وثائق ثنائية في مجال التعاون الاقتصادي والعسكري.
وعلى الرغم من أن الجانبين لم يكشفا عن تفاصيل الاتفاقيات التي وقعاها لأسباب مفهومة إلا أن الخبراء يشيرون الى عقود بقيمة تتراوح بين 2 و4 مليارات دولار. ويبدي الليبيون اهتماما كبيرا بأحدث نماذج الأسلحة والتقنيات التي صممتها مؤسسات التصنيع العسكري الروسية بما فيها تلك التي لم تجهز للقوات المسلحة الروسية بعد كمروحية quot;كا-52quot; (التمساح) ومقاتلة quot;سو-35quot;.
وذكر مصدر في مؤسسة quot;روس ابورون اكسبورتquot; في وقت سابق أن الجانب الليبي يرغب في شراء أنظمة صواريخ quot;س-300quot; وquot;تور-م 1quot; المضادة للجو وغواصتين وقطع غيار للتقنيات العسكرية التي صدرها الاتحاد السوفيتي السابق لليبيا في ثمانينات القرن العشرين.
أما النتيجة الأخرى المهمة لزيارة الرئيس بوتين فتتمثل في توقيع إعلان سياسي حول تعزيز الصداقة وتطوير التعاون مما يعني على ارض الواقع أن موسكو اعترفت بأن طرابلس تلعب دورا جديدا على الساحة الدولية كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي. ويعد ذلك اختراقا كبيرا خاصة إذا أخذنافي الاعتبار أن ليبيا كانت قبل 5 سنوات تواجه المجتمع الدولي وتعاني عقوبات منعت تطور الاقتصاد الليبي بشكل طبيعي.
كما أكد الطرفان فيإعلان عزمهما على التعاون في قضايا الأمن القومي والدفاع، وبالتحديد عن طريق تنشيط المشاورات بين المؤسسات المعنية في البلدين، وتمتين العلاقات العسكرية والعسكرية التقنيةquot;. كما ستتعاون روسيا وليبيا quot;في مجال الرقابة على الأسلحة، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وفي نزع السلاح النووي، ودعم الجهود التي ترمي إلى تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وكذلك بشأن تقليص النشاط العسكري في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتحويلها إلى منطقة سلام واستقرار وتعاونquot;.
تجدر الإشارة الى أن الاتحاد السوفيتي السابق لم يكن ضمن أهم الشركاء الاقتصاديين والتجاريين لليبيا حتى في أوائل الثمانينات - تلك الفترة التي بلغ فيها حجم التبادل التجاري بين الجانبين 1 مليار دولار. وللمقارنة نشير الى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وليبيا وصل في عام 2007 إلى نحو 230 مليون دولار فقط. ويبدو أن روسيا لن تستطيع أن تشغل موقعا لها وسط أكبر 10 شركاء تجاريين لليبيا، ولكن أهم شيء فعله بوتين في طرابلس هو تحديد المكان لشركات النفط والغاز الروسية في ليبيا، وتوفير فرصة لمؤسسة quot;روس اوبورون اكسبورتquot; للوصول إلى سوق السلاح الليبية. وهذا يعد بحد ذاته إنجازا كبيرا.
وكان القذافي طالب في كلمة التحية التي وجهها لضيفه باستعادة الوحدة اليوغسلافية وحذر حلف شمال الأطلسي من مغبة التوسع لأن هذا يهدد أمن روسيا، معيدا إلى أذهان من يعنيهم الأمر أن كلا من نابليون وهتلر منيا بالهزيمة عندما غزا روسيا.
ومن جانبه قال بوتين إنه يتفق مع مستضيفه على أن العالم يواجه أزمة كبيرة. وأضاف quot;أننا سنزرع بذورا كثيرة ونجني محصولا جيداquot;. وتمثل حصاد زيارة بوتين لليبيا في عدد من الاتفاقات يأتي في مقدمتها اتفاق استبدال ديون مستحقة على ليبيا للاتحاد السوفيتي بصفقات سلع عسكرية ومدنية.
وقال بوتين: quot;إننا راضون عن نتائج الزيارةquot;. ومن جانبه قال وزير المالية الروسي كودرين: quot;إننا سوينا قضية الديون ونفتح صفحة جديدة في سجل علاقاتناquot;.
وسوف يوجه جزء من الديون الليبية المقرر شطبها لتمويل مشروع إنشاء خط حديدي يربط سرت ببنغازي. وستقوم شركة السكك الحديدية الروسية بأعمال بناء هذا الخط.
وسيوجه جزء آخر من الديون التي اتفق الجانبان على شطبها لتمويل شراء ليبيا لأسلحة روسية وتحديث دبابات ليبية من طراز quot;ت-72quot; ووسائل خفر السواحل بقيمة 500 مليون دولار بموجب اتفاقيات يُنتظر أن يتم توقيعها في أبريل أو مايو، فيما تتواصل المباحثات بشأن شراء ليبيا لعدد من مقاتلات quot;سو-35quot; التي تستعد روسيا لبدء الإنتاج الصناعي لها.
التعليقات