بعد فشل الإضراب المتزامن مع الاحتفال بميلاد مبارك
الحكومة تباغت المصريين برفع أسعار الوقود والسلع
كتب ـ نبيل شرف الدين: لم تكد تمر سوى ساعات معدودة على فشل الدعوة لإضراب عام في مصر، يتزامن مع الاحتفال بعيد ميلاد الرئيس حسني مبارك الثمانين، حتى فوجئ ملايين المصريين بإرتفاع كبير باغتتهم به الحكومة في أسعار الوقود والسجائر ورسوم تراخيص السيارات وغيرها، لتغطية تكلفة زيادة أجور موظفي الحكومة التي أعلنها مبارك الأسبوع الماضي.

وتراوحت نسبة الزيادات بين 25 في المئة إلى 57 في المئة من أسعار السلع المشار إليها، بينما وعد الرئيس المصري برفع أجور الموظفين والعمال بنسبة 30 في المئة من أساسي الرواتب، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن الأجر الأساسي عادة ما يكون رقمًا ضئيلاً مقارنة بما يتقاضاه العاملون فعليًا، وفق نظام الأجور المصري المعقد في صياغته المحاسبية .

وسبق أن سربت وزارةُ المالية المصرية معلومات لدوائر إعلامية محلية قبل أيام، مفادها أنها لن تستطيع تدبير أكثر من خمسة مليارات جنيه مصري، لتغطية هذه الزيادة في الأجور التي وعد بها مبارك، والتي تُقدَّر بنحو 12 مليار ونصف المليار جنيه مصري .

ويرى مراقبون للشأن الداخلي المصري أن هناك صراعًا سياسيًا مكتومًا بين جناحين داخل الحزب الوطني (الحاكم) على خلفية التعاطي مع أزمة الأسعار، فالحرس القديم يحمل هذه الأزمة لرجال الأعمال المقربين من نجل الرئيس المصري جمال مبارك، والسياسات التي يسعون لفرضها دون الاكتراث جديًا بالبعد الاجتماعي، وهو ما يرى فريق جمال مبارك أنها الفرصة الأخيرة لتحقيق إصلاح اقتصادي جاد، وتمرير سياسات السوق وإلغاء الدعم غير الرشيد على حد تعبيرهم .
وتعدّ لجنة السياسات مركز القوّة لجمال مبارك، وترفع شعار quot;فكر جديدquot; في الحكم وتضم نخبة من كبار رجال الأعمال وشخصيات متنفذة داخل وسائل الإعلام والصحافة والمصارف والنقابات المهنية والجامعات وغيرها من المؤسسات التي تهيمن على مقاليد المشهد السياسي في البلاد .
خريطة الغلاء
وفي القاهرة وكافة المدن المصرية أعلنت محطات بيع الوقود ظهيرة الاثنين أن أسعار البنزين ارتفعت بنسبة 35 في المئة ليصل إلى 1.75 جنيه مصري للتر البنزين من فئة 90 أوكتين، وارتفع سعر البنزين من فئة 95 اوكتين بنسبة 57 في المئة ليصل إلى 2.75 جنيه لليتر، كما زاد سعر وقود الديزل (السولار) والكيروسين بنسبة 47 في المئة ليصل إلى 1.10 جنيه لليتر الواحد، وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 57 في المئة، كما فرضت رسوم استخراج على المواد المستخرجة من المحاجر وإلغاء الاعفاءات الضريبية على بعض الصناعات الأخرى .

وفرضت الحكومة المصرية أيضًا زيادة كبيرة على رسوم تراخيص السيارات الفاخرة التي تزيد سعة محركها عن 2030 سي.سي حيث فرض عليها رسوم سنوية تعادل اثنين في المئة من قيمة السيارة، كما ارتفع سعر السجائر الأجنبية بما يصل إلى 20 في المئة، مقارنة مع زيادة تبلغ نحو 10 في المئة في أسعار أنواع السجائر المحلية .

وقالت مصادر حكومية إن رفع أسعار الوقود توفر للحكومة مليارات الجنيهات التي تنفقها الآن على دعم الوقود الذي ينتظر أن تصل كلفته إلى 57 مليار جنيه في السنة المالية التي تنتهي في 30 حزيران (يونيو) المقبل .
ووفق تقارير اقتصادية للبنك الدولي وصندوق النقد ومؤسسات اقتصادية دولية أخرى، فقد بلغت نسبة التضخم الشهري في مصر 14.4 في المئة في آذار (مارس) الماضي، ليسجل بذلك أعلى مستوى شهدته البلاد من التضخم خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مع الإشارة هنا إلى ازدياد معدلات التضخم بالنسبة إلى الفقراء على نحو خاص، بالنظر إلى أنهم ينفقون نسبة أكبر من دخولهم على الحبوب والمواد الغذائية والسلع والخدمات الأساسية .

وأثارت موجات متلاحقة من الارتفاع في أسعار السلع والخدمات الأساسية منذ بداية العام الحالي احتقانات شعبية يخشى معها مراقبون من اندلاع احتجاجات واسعة بعد أن شهدت البلاد موجة غلاء بلغ معها المعدل السنوي للتضخم 12.5% في الأشهر الماضية، ويقول تقرير لبرنامج الغذاء العالمي أعلن في آذار (مارس) الماضي إن مصاريف الأسرة المتوسطة المصرية ازدادت بنسبة 50% منذ بداية العام الحالي .

وتسوق الحكومة المصرية حجة مفادها أن هذا الغلاء ناجم عن ارتفاع الاسعار في الاسواق الدولية مثل سعر القمح الذي تعتبر مصر أكبر مستورد له على مستوى العالم، لكن برنامج الغذاء العالمي يؤكد أنه نظرًا لأن الرواتب والدخول لم ترتفع بنسبة ارتفاع اسعار السلع الغذائية نفسها فإن ملايين المصريين يجدون مزيدًا من الصعوبات في تدبر احتياجاتهم المعيشية، خاصة أولئك الذين لا يطبق عليهم برنامج الدعم الحكومي، كما أن هناك مؤشرات جدية على إمكانية تصاعد التوتر الاجتماعي، نتيجة الارتفاع المطرد في أسعار السلع الأساسية والخدمات .