تابع ما يجري في لبنانعبر ملف إيلاف اللبناني
بيروت: quot;كان البلد محتقنا وكان يجب ان يتم الامر لتنفيس الاحتقانquot; يقول مصطفى. هو رجل خمسيني يسكن منطقة زقاق البلاط المحاذية للقصر الحكومي، المبنى الحجري القاعد بصفاء على تلة تكشف بيروت.
لم تغادر السواتر الحديدية والحجارة الباطونية محيط القصر منذ أكثر من عامين، عمر الاعتصام - المخيم الذي يقيمه حزب الله على أبواب القصر، في وسط العاصمة.
ومنذ بدء quot;الحربquot; التي أعلنها حزب الله quot;للدفاع عن سلاح المقاومةquot;، يتكرر مشهد السواتر الترابية والحديدية في طرقات العاصمة مضافة اليها الإطارات المحترقة وحاويات النفاية المنقلبة بما فيها رأسا على عقب، لإغلاق الطرقات الرئيسية والفرعية.
quot;سلكنا أقرب طريق الى المنزل في تلك الليلةquot;، ليلة بداية الاشتباكات. لكن الطريق كان طويلا برغم انه لا يفوق الكيلومتر الواحد هو طول شارع الحمرا تقريبا. الشارع الذي كان يعج بسكانه قبل ساعات معدودة أقفرت زواياه وأعتمت جنباته. أصبح مستعدا لاستقبال المقاتلين.
استبدل الفتيان الذين ملأوا شوارع المدينة عشية الانفجار، مقاتلون محترفون بثياب مرقطة لا تفرقهم عن الجيش النظامي سوى القبعات السوداء التي يرتديها مقاتلو حزب الله تيمنا بـquot;القائدquot; عماد مغنية.
لم تسكت أسلحتهم طوال الليل أصبح خلاله الشباك المطل على شارع الحمرا منفذنا الوحيد الى الخارج. سهرنا على وقع أزيز الرصاص والانفجارات مستعيدين ما نذكره من طفولة أمضيناها في الحرب الأهلية.
هل هي حرب أهلية جديدة؟ لا يهم. انها تجربة معروفة جيدا لدى اللبنانيين. شوارع مقفرة إلا من رجال مسلحين ملثمي الوجوه حينا ومكشوفيها في أغلب الأحيان. لا يخافون ان نرى وجوههم، ملأوا شارع الحمرا غداة المعركة. ورفعوا أعلام أحزابهم.
في مواجهتهم، بدا مسلحو تيار المستقبل كمقاتلين هواة بثيابهم المدنية وأسلحتهم الخفيفة.
غداة الاقتتال، وقف مصطفى عند زاوية شارع زقاق البلاط مثله مثل أغلبية سكان الأحياء الشعبية في بيروت لتفقد المدينة بعد المعركة.
كان أحد جيران مصطفى صاحب المحل الوحيد الذي تجرأ على فتح أبواب متجره في المنطقة. فتيان المنطقة كانوا هناك أيضا يجردون حصيلة ليلة القتال ويروون بطولاتهم.
quot;هذا هو الوضع الطبيعيquot; قال مصطفى. quot;سيمكننا ان نجني لقمة عيشنا بعد رحيل السنيورةquot;. يأمل مصطفى في ان يؤدي quot;الوضع الجديدquot; الى استقالة الحكومة. حتى انه بدا متأكدا من هذه النتيجة.
لكن ما يراه مصطفى quot;طبيعياquot; ويحتفي به سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، منطقة نفوذ حزب الله، لا يرى منه الكثيرون من سكان بيروت سوى محاولة عنفية للسيطرة على مدينتهم.
كنت أسجل كلمات مصطفى في دفتري الصغير عندما أتى الينا أحد الفتيان لم يتعد عمر لحيته التي لم يكتمل نموها، الثامنة عشرة.
quot;ماذا تكتبينquot; سألني. أدون ملاحظاتي عن المقابلات التي أجريها قلت. quot;أريد ان أرى ما تكتبينquot; أصر الشاب المائل الى الاشقرار. quot;هذا قائد المنطقة لا تردي طلباتهquot; قال مصطفى.
بدأ الشاب الذي رفض ذكر اسمه ينادي رفاقا له على دراجات نارية صغيرة في المحيط. شعرت بعدم الارتياح وسألته ماذا تريد تماما. لماذا لا تخبرني ما هو رأيك في ما يحصل؟ quot;لا أستطيع ان أقول رأييquot; أجاب محيدا نظره عني.
قررت حينها ان أقرأ عليه بعض ما كتبت. quot;أميركا تقوي فريقا على آخر في لبنانquot; قرأت له مما قال مصطفى. كانت الجملة كفيلة بتخليصي.
جرى كل ذلك على بعد أمتار معدودة من مدخل القصر الحكومي المحاط بالأسلاك الشائكة. هممت بالاتجاه الى المدخل عائدة الى مكتب البي بي سي في المبنى المجاور وإذ بشابين على دراجة نارية يمران من أمامي ويطلقان النار من أسلحتهما الرشاشة.
ركضت للاختباء في المحل الوحيد الفاتح أبوابه. quot;لا تخافي، لا تخافي، انه رصاص ابتهاجquot; صرخ مصطفى. ابتهاج بم؟ quot;قد يكون السنيورة قد استقال!quot; أجاب.
كان يوما طويلا، ونهايته بطيئة. فرضت الظروف الامنية على من كان خارج منزله ان يبحث عن مأوى في منزل صديق او قريب. لكن اشتداد حدة المعارك جعلتني أفكر بضرورة الذهاب الى منزل الصديقة لاستعادة جواز سفري والكمبيوتر الخاص خوفا من أي طارئ.
أقلتني سيارة الأجرة الى الشارع المقفر في منطقة quot;الظريفquot;. كانت سيارة مدنية تقطع الشارع في وسطه. ومن خلفها خرج مسلحان ملثما الوجهين بشالات سوداء مرقطة بالأبيض، رائجة الاستعمال بين أنصار حزب الله. أمر المسلحان السائق بالتوقف فتوقف. quot;لن أستطيع ان أكمل الطريقquot; قال.
نزلت من السيارة مترددة لكن جواز السفر ضروري والكمبيوتر أشد ضرورة منه. quot;الى أين تذهبينquot; سأل الرجل المسلح بأنفاس متسارعة. الى منزلي أجبت. سألت ان كان بإمكان السائق ان ينتظر نزولي ليعيدني الى حيث جئت بعيدا عن المنطقة المختلطة طائفيا.
كانت صديقتي قد حذرتني قبل مغادرتها بيروت عشية الحرب ان سكان البناية قد يقتلون بعضهم بعضا لو وقعت الحرب.
وافق حامل السلاح على دخولي ورافقني الى مدخل البناية. لكنني توقفت فجأة بعد ان شعرت بخوف أوقف رجلي عن التقدم. كان هدير تكسير يملأ الجو. خفت. quot;تقدمي يا أختي لا تخافيquot; قال المسلح. لا أريد ان أتقدم بعد. ما الذي يجري؟ سألت. تقدمت أخيرا لأجد مسلحا آخر يحاول اقتحام باب منزل مجاور.
استعدت جواز السفر والكمبيوتر وعدت الى السيارة. لاحظت حينها ان المسلحين اختفوا. سألت السائق عما حصل. قال انهم quot;انسحبوا وأخذوا معهم أحد السكانquot;.
رولا الأيوبي
التعليقات