قطر على الخط وفرنسا تثبت مرة أخرى تقلّبها السياسي
ساركوزي والأسد صفحة بيضاء بعد جفاء
إيلي الحاج من بيروت: يسوّق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي سياسة إنفتاح على نظام الرئيس السوري بشار الأسد تثير إنتقادات معلنة ومضمرة سواء من اليسار واليمين في فرنسا، أم من دول عربية وغربية. إنتقادات ترافق بعضها إتهامات إلى ساركوزي وفريقه بإتباع سياسة خطرة مؤذية لصورة فرنسا لقاء صفقات تجارية تسليحية وغير تسليحية، بمبالغ مجزية أجرتها مع دولة قطر التي نجحت تاليًا في جذب باريس إلى دمشق .
ويقول ديبلوماسي عربي بارز في بيروت لـ quot;إيلافquot; إن دولاً خليجية غير قطر كانت قد إعترضت عن السير في هذه الصفقات لأسباب منها موضوعي يتعلق بتفوّق جودة الإنتاجين الأميركي والبريطاني مقارنة بالمعروض عليها من الإنتاج الفرنسي ، ومنها سياسي يرتبط بالتفاوت في الصدقية السياسية بين باريس من جهة وواشنطن ولندن من جهة أخرى. بدليل التعامل الفرنسي مع مختلف قضايا المنطقة من العراق أيام صدام حسين وصولاً إلى لبنان، حيث يخاطر ساركوزي بسياسته المستعجلة مكافأة النظام السوري في تبديد رصيد ثمين سبق أن بنته باريس لها مما يثبت مقولة إن سياسة فرنسا الخارجية شخصانية أحيانًا كثيرة على غرار سياسات بعض الدول العربية، تتقلب مع تغيّر الطقس فيها.
لكن ديبلوماسيًا أوروبيًا في بيروت ينقض ما ذهب إليه زميله العربي بالقول إن ساركوزي بنى سياسته الجديدة حيال النظام السوري على مجموعة معطيات يعتبرها مهمة، هي:
-موافقة نظام الأسد على quot;اتفاق الدوحةquot; الذي أتاح انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان وإخراج الأزمة السياسية في هذه البلاد من عنق الزجاجة بما كان يهددها بحرب أهلية وربما إقليمية.
-مباشرة النظام السوري محادثات السلام مع إسرائيل من خلال الوساطة التركية.
-موافقة هذا النظام على قيام الوكالة الدولية للذرة بفحص المنشآت التي قصفتها إسرائيل في شمال سورية للتأكد من أنها لم تكن منشآت نووية سرية. -قرار الرئيس الأسد تنحية صهره آصف شوكت، رجل النظام القوي من قيادة الإستخبارات العسكرية العامة، وهو المعروف كما يُقال بعدائه لفكرة انفتاح سورية على الغرب.
-إن الإنفتاح المتبادل غير مشروط سوريًا بأي موافقة فرنسية على معاودة النظام السوري هيمنته على لبنان أو تخلي فرنسا عن دعمها للمحكمة الدولية الخاصة لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.
جدير بالذكر أن القضية الأخيرة كانت سبب تدهور العلاقات لا بل انقطاعها بين سورية الأسد وفرنسا جاك شيراك الذي تصرف بناء على اقتناعه الكامل بأن الأسد الإبن قتل صديقه الحريري وارتكب بقية الجرائم السياسية في لبنان تمهيدًا لإعادة السيطرة عليه في شكل أو في آخر. ويضيف الديبلوماسي أن غاية فرنسا من معاودة الكلام مع دمشق، بعدما كانت قررت قطع الإتصالات المباشرة معها منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي بسبب مواقفها في لبنان، هو حملها على التخلي عن التحالف مع نظام الثورة الإسلامية في إيران.
ويسود بيروت انطباعان متناقضان حيال الخطوة الفرنسية الإنفتاحية حيال الأسد والمتمثلة بدعوته إلى مؤتمر دول البحر المتوسط الذي يصادف عقده في 13 و14 تموز المقبل العيد الوطني في ذكرى الثورة الفرنسية. وقد عبّر رئيس quot;اللقاء الديمقراطيquot; النائب وليد جنبلاط عن حال قوى quot;ثورة الأرزquot; مبديًا ضيقه حيال احتمال وقوف الرئيس الأسد على منصة الشرف مع بقية الرؤساء المدعوين عند جادة الشانزليزيه quot;بعدما ارتكب ما ارتكبquot; في لبنان ( هل يقف الأسد على المنصة نفسها مع رئيس حكومة إسرائيل إيهود أولمرت؟ وهل سيصافحه؟ ).
في المقابل ، أعطى الموقف الفرنسي دفعًا لقوى 8 آذار(مارس) المتحالفة مع نظام سورية في لبنان إذ أثبت جدوى الصمود والممانعة في وجه موجات القرارات والمواقف الدولية العالية في انتظار انحسارها تلقائيًا بفعل الحركة الديمقراطية الطبيعية في بلدان الغرب التي تغيّر حكامها، فيما الحكام العرب ثابتون، ومن الأب إلى الإبن في دولة مثل سورية.
أما في باريس التي زارها وزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا قبل يومين معلنًا أن غايته فتح صفحة جديدة في العلاقات، مرددًا كلامًا من هذ القبيل قاله ساركوزي خلال زيارته القصيرة لبيروت السبت الماضي، فترتفع أصوات معترضة على التوجه الجديد في التعامل مع الأسد، وبعض هذه الإعتراضات عقائدي مبدئي يسأل كيف يمكن أن يقف رئيس نظام استبدادي ينكل بالمعارضين من أبناء شعبه على منصة الشرف في استعادة ذكرى ثورة حملت فكرة الحرية والمساواة إلى العالم؟ والرد على هذه الإعتراضات سهل من أنصار ساركوزي : quot;ليس الأسد الرئيس العربي الديكتاتوري الوحيد المدعو إلى احتفال 14 تموز(يوليو)، فلماذا الإعتراض عليه وليس على غيره؟quot;.
ويلفت أن بعض الإنتقادات في باريس صدر عن شخصيات من حزب ساركوزي نفسه، وبطبيعة الحال من الحزب الإشتراكي المناوئ له. ويرى المعترضون أن الرئيس الفرنسي استعجل كثيرًا تزخيم العلاقات مع دمشق وبث الحرارة فيها بقوة وقد يدفع ثمن ذلك خيبة أخرى تنعكس عليه أولاً وعلى موقع فرنسا ثانيًا. ويعتبرون أن المفاوضات السورية ndash; الإسرائيلية بالكاد بدأت، وأن الأسد لم يعط إشارات حول نيته سلوك الطريق الصحيح في شأن لبنان إلا من أجل فك عزلته الدولية الخانقة لكنه في النقطة المهمة بالنسبة إليه لم يحد قيد أنملة عن تحالفه لا بل إرتباطه بالنظام في طهران، وهذه المسألة تثير استياء الولايات المتحدة التي أبدت عبر وزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس عزمها على سؤال إدارة الرئيس الفرنسي في شأنها. . ويخلصون إلى أن الإنفتاح الغربي المستعجل على نظام الأسد ستكون نتيجته الوحيدة تشريع الهيمنة السورية- الإيرانية على لبنان. أي أن ساركوزي يلعب لعبة خطرة مع الأسد.
التعليقات