واشنطن: تُظهر حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية الجارية استياء عدد كبير من الأميركيين من نظام الرعاية الصحية في بلادهم، والحاجة الماسة لإجراء إصلاحات هامة علي هذا النظام. وعلى الرغم من تباين برنامجي كلاً من المرشحين، الديمقراطي quot;باراك أوباماquot; والجمهوري quot;جون ماكينquot; بشأن تلك الإصلاحات، حيث يميل الأول إلي إدخال إصلاحات نابعة من اعتبار الرعاية الصحية مسئولية اجتماعية، وسياساته تقوم علي تعزيز دور الحكومة. بينما يعتبر الجمهوري الرعاية الصحية مسئولية فردية، ويدخل إصلاحات تعتمد علي تحرير قوي السوق في هذا المجال. إلا أنه ليس متوقعاً أن يقوم الرئيس الجديد بنهاية هذا العام بإدخال إصلاحات جوهرية في القطاع الصحي؛ بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، وضيق الميزانية بحسب ما خلصت إليه دراسة معهد أميركان إنتربريز المعنونة بـ quot;الرعاية الصحية والمرشحين للانتخابات الرئاسية أعدها quot;جوزيف أنتوس الخبير في الرعاية الصحية بالمعهد. أموال شركات البترول تدخل السباق الرئاسي
مقاربة أوباما للرعاية الصحية
يعرض أوباما خططاً لإصلاح قطاع الرعاية الطبية تتشابه إلى حد كبير مع ما عرضته منافسته السابقة quot;هيلاري كلينتون quot;. فهما يُدعمان اتخاذ إجراءات لفرض الرعاية الصحية علي كل الأميركيين بجانب توسيع الخدمات الطبية، وتنظيم قطاع التأمين الخاص.
وقد تحدث أوباما عن خطته الجديدة المتعلقة بالنظام الصحي، فقال :quot;إننا بصدد فرصة لقلب صفحة السياسات الفاشلة المتعلقة بالرعاية الصحية، فخطتي تبدأ بتوفير تغطية صحية لكل أميركي. وإن كان لديك تأمين صحي بالفعل، فشيء واحد هو الذي سيتغير بالنسبة لك وهو الأموال التي ستدفعها كأقساط. وإن كنت واحداً من 45 مليون أميركي لا يمتلكون تأميناً صحياً، فسيكون لك هذا الأمر بعد تطبيق خطتي هذهquot;.
وتتمثل خطة أوباما ndash; كما عرضها في موقع حملته الانتخابية علي شبكة الإنترنت- في انشاء خطة تأمين جديدة تابعة للقطاع العام، تعمل علي توفير التأمين الصحي لكل الأميركيين بتكلفة يتحملها الجميع وتكون مماثلة للخدمة التي يتمتع بها أعضاء الكونغرس. كما ستسمح خطة أوباما للأشخاص بالوصول إلى ترتيبات شرائية مماثله لبرنامج الاستحقاقات الصحية الخاص بالموظفين الفيدراليين. وتوفر الخطة كل الخدمات الصحية الأساسية بما فيها الطب الوقائي، والرعاية الصحية العقلية، وتلك الخاصة بالأمومة.
كما تنظم تلك الخطة أقساط التأمين الصحي بحيث يقدر المواطن الأميركي على تحملها، عن طريق منح إعانة فيدرالية للأفراد والأسر على رواتبهم؛ للدخول في خطة التأمين العامة الجديدة أو النظم التأمينية الخاصة. كما يمكن للمشتركين وفق هذه الخطة في الانتقال من وظيفة إلى أخرى دون الاضطرار إلى تغيير نظام الرعاية الصحية الخاصة بهم.
وستضع خطة أوباما ما أسماه نظام تبادل للتأمين الصحي القومي؛ لمساعدة الأفراد الذين يرغبون في الاشتراك بنظام التأمين الصحي الخاص، حيث سيعمل نظام التبادل هذا كمراقب، كما سيساعد على إصلاح سوق التأمين الخاص عن طريق فرض قواعد ومعايير لتحقيق العدالة وتيسير الحصول على هذا التأمين الخاص مع جعل أقساطه في مقدرة الجميع. وفي الوقت نفسه، ستعمل خطة أوباما على تقليل تكاليف علاج الأمراض الصعبة والكارثية المطلوبة من الموظفين وأصحاب العمل سدادها.
مقاربة ماكين للرعاية الصحية
أما جون ماكين فيطالب بتأمين صحي للجميع، إلا أنه يرفض إلزام الأفراد بالاشتراك في التأمين. ويُؤكد على أنه مع الزيادة التنافسية، وتحسين الحوافز المالية، وإعطاء الفرد حرية اتخاذ القرار، والتركيز على معالجة المرضي الأكثر معاناة الذين يلجئون كثيراً إلي استخدام نظام الرعاية. وقال أنه سينقح قانون الضرائب ليجعله أكثر إنصافا وأكثر كفاءة.
ويقترح السيناتور ماكين استبدال الإعفاء الضريبي الحالي بفتح حساب مصرفي من الضرائب التي تدفع بمبلغ 2500 دولاراً للفرد و5000 دولاراً للأسرة. وهذا الحساب المصرفي سيكون متاحاً لكل فرد سواء اشترك في تأمين من خلال صاحب العمل أو من خلال السوق الخاص. وهذا الاقتراح من شأنه أن يُقلل من التخفيض الضريبي الذي يتمتع به أصحاب الدخول المرتفعة والذين يشتركون في نظم تأمين باهظة الثمن بينما يزيد التخفيض لأصحاب الدخول المنخفضة وكذلك غير المأمن عليهم من قبل صاحب العمل.
وبحسب اقتراح المرشح الجمهوري جون ماكين فإن الحساب المصرفي سيحتوي على نفس القيمة المالية سواء اشترك الشخص في تأمين صحي عالي التكلفة أو آخر قليل التكلفة. وبالتالي في ظل الحساب المصرفي المقترح، فإن أي فرد يرغب في الاشتراك في تأمين إضافي يُمكنه ذلك، بدفع الأقساط التأمينية كاملة بأنفسه دون مساعدة من دافعي الضرائب.
وبدلاً من البقاء في قبضة التأمين الصحي الباهظ الثمن، فإن الكثير من الأفراد ربما يشتركون في نظم تأمينية أخرى ذات أقساط منخفضة الثمن وذات خدمات أفضل. ويرى الجمهوريون أن هذا الاقتراح سيزيد من الوعي بالتكلفة لدى المستهلك، وسيضع في الوقت نفسه ضغوطاً على النظام الصحي؛ لإيجاد طرق أكثر كفاءة لتقديم الرعاية الصحية. وفي المقابل، تبقى التخفيضات الضريبية أمراً ضرورياً؛ لتشجيع غالبية الأفراد غير المُأمن عليهم على الاشتراك في نظام تأميني.
أوجه الفرق بين مقاربة المرشحين
تُفرق دراسة معهد أميركان إنتربريز بين خطتي أوباما وماكين ، وترى أن المرشح الديمقراطي يعتبر الرعاية الصحية مسئولية اجتماعية، وسياساته تقوم علي تعزيز دور الحكومة، أي نقل القطاع الصحي من التأمين الخاص إلى التأمين العام. أما منافسه الجمهوري فيُعتبر الرعاية الصحية مسئولية فردية أي نقل النظام الصحي تدريجياً إلى الاشتراك الفردي في نظام تأميني، وإلى نظام أوسع من الاختيارات لدى سوق التوظيف.
وتري الدراسة أن خطة أوباما تقوم على المزاوجة بين نظام التأمين الخاص والعام، مع فرض إجراءات جديدة تردع شركات التأمين الخاصة، وتعوق التأمين الذي يوفره صاحب العمل.
ففي حال رفع أسعار الأقساط فإن ذلك سيثني الأشخاص الأصحاء من شراء تغطية صحية. كما سيتجه أصحاب العمل إلى التقليل من المخاطر المالية التي سيتعرضون لها، وذلك بتشجيع العاملين على تسجيل أنفسهم في قوائم خطة التأمين الصحي التي تُجريها الحكومة، مما يعني التحول مع الوقت إلى نظام فيدرالي كامل.
أما اقتراحات الحزب الجمهوري، بحسب الدراسة، فستعزز الملكية الفردية الخاصة للتأمين. فالحساب المصرفي سيكون متاحاً للجميع، مؤدياً إلي الخروج بعض الشيء عن الرعاية التي يقدمها أصحاب العمل. فالعاملين في شركات التأمين سيسمح لهم ببيع خطتهم في أي ولاية، وفي الكنائس والنوادي كما يمكن لجماعات أخرى برعاية وكفالة التأمين. كما سيستمر أصحاب العمل في عرض الرعاية الصحية.
دور محدود للرئيس الجديد
ومع العروض والاقتراحات والخطط التي يُقدمها مرشحا الحزبين الديمقراطي والجمهوري يبقى تساؤل وهو ما الذي يُمكن للرئيس الأميركي المقبل أن يقدمه في هذا المجال؟
تشير دراسة إلي أنه لا يلوح في الأفق إصلاحاً صحياً في المستقبل القريب. فسيواجه الرئيس المقبل اقتصاداً متهالكاً وميزانية فقيرة، تاركة فرصة قليلة جداً لإحداث إصلاح على مستوى النظام الصحي بأكمله. وتُؤكد الدراسة أن مشاكل النظام الصحي في الولايات المتحدة معروفة جيداً. فصحة الأميركيين هي الأعلى تكلفة في العالم، حيث تتجاوز 2 تريليون دولاراً سنوياً أي 16٪ من الاقتصاد الأميركي. ولكن بالرغم من هذه النفقات الهائلة، فإن 47 مليون مواطناً أميركياً لا يتمتعون بنظام التأمين الصحي كما أن هناك قلق متزايد بشأن نوعية الرعاية الصحية المقدمة.
وتُشير الدراسة إلي أن هذه الأوضاع ساءت بشكل مطرد، فبين عامي 2000 و2006، ارتفع الإنفاق على الصحة إلي 33٪ في حين نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 15٪، وخلال نفس الفترة، زاد عدد السكان غير المُأمن عليهم بنسبة 22٪.
ويعتبر بعض الناشطين أن الرعاية الشاملة هي شرط أساسي لإصلاح نظام الرعاية الصحية. وفي حين أن هذا الرأي قد يُنشط القاعدة السياسية للديمقراطيين، إلا أنه يخلط بين السبب والنتيجة. فارتفاع التكاليف يرفع من أقساط التأمين، مما يجعل التأمين الصحي بعيداً عن متناول عدد أكبر من الأسر. فدون حل مشكلة ارتفاع التكلفة، لن يكون بمقدور الأميركيين حل مشكلة غير المأمن عليهم صحياً بحسب الدراسة .
شركات التأمين الخاصة
أكثر المبالغ التي يتم إنفاقها علي الرعاية الصحية في الولايات المتحدة يتم تغطيتها عن طريق التأمين الصحي وذلك علي خلاف الوضع في العديد من البلدان المتقدمة.
فالأميركيون يدفعون 13٪ فقط من تكلفة الرعاية الصحية بشكل مباشرة من جيوبهم، في حين أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تتحمل نحو 20٪، بينما تقوم شركات التأمين الخاصة أو البرامج العامة بسداد باقي المبلغ. ونتيجة لذلك، فإن المرضى على وعي قليل بتفاصيل التكاليف الكاملة للرعاية الصحية.
كما أن وجود تخفيضات ضريبية كبيرة أدت إلى أعطاء دفعة قوية لسوق التأمين الخاص على مدى الستة عقود الماضية. فالعلاوات التي يُقدمها أرباب العمل تُُعفى من الضرائب علي الدخل؛ وبذلك فإن الحصول على خدمات صحية بقيمة دولاراً واحداً يُعد أفضل من الحصول عليه كأجر.
وهذا التخفيض الضريبي ليس متوافراً للمشتركين في خدمات التأمين الصحي الخاص، ففي عام 2006، فإن 177 مليون شخص من المأمن عليهم يمثلون (70% منهم مأمن عليهم )، حصلوا على التأمين الصحي من خلال عملهم، وبالتالي حصلوا على تخفيضات ضريبة تتجاوز 200 مليار دولار.
التعليقات