نجلاء عبد ربه من غزة: يبدو أن الأيام والأسابيع القادمة سترجع بسكان قطاع غزة إلي الوراء عدة قرون وذلك مع اقتراب السنة الدراسية الجديدة، وتحديداً يوم الأحد القادم وهذا التاريخ خاص فقط بالمدارس الحكومية، أما المدارس التابعة لوكالة الغوث واللاجئين الفلسطينيين فالتزموا بموعد بدء الدراسة وذلك وهو في الأول من سبتمبر.
ومع ادني التحضيرات لهذه السنة نظرا للحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة, فإن هذا العام يختلف تماماُ عن سابقه.. وإن كانت السنوات السابقة شهدت أدوات ومعدات أفضل من ما هو موجود الآن في غزة, لكن السؤال الذي أصبح هاجس التلاميذ وأولياء أمورهم، كيف سيتصرفون هذا العام في حال لم تسمح إسرائيل بإدخال الدفاتر والكتب والقرطاسية المدرسية!!؟.
يومان فقط وتبدأ الدراسة في الأراضي الفلسطينية، إلا أن الحركة الشرائية في المكاتب والمحلات التجارية الخاصة ببيع أدوات الدراسة لم تشهد أي تحسن من ناحية تلبية حاجة الطلاب بهذه الأدوات الضرورية لهم. ففي الوقت الذي يحتكر فيه التجار الفلسطينيون ما تبقى من العام الماضي من قرطاسية أو من خلال تهريبها عبر الأنفاق التي تربط غزة بالأراضي المصرية، فإن جيوب أولياء أمور الطلاب لم تعد تتسع لكافة أنواع الجشع والإحتكار الذي يُمارس في كافة السلع الأساسية.
ويجلس أبو أسعد (64 عاماً)، صاحب مكتبة وسط قطاع غزة، أمام باب مكتبته يترقب بعيبيه المارة، فيما لا احد يدخل محله، فالرجل يدرك أن مكتبته فارغة تماماً من دفاتر وأقلام وقرطاسية، بينما تصطف بعض الكتب المتهالكة في احد رفوف المكتبة.
ويقول أبو أسعد لإيلاف quot;هذا العام هو سيئ جداً بالنسبة لنا، ففي مثل هذه الأيام كان يأتي لمكتبتي ثلاثة من أولادي الشباب ليساعدوني من كثرة الزبائن، إلا أن إسرائيل لم تدخل حتى اللحظة أياً من الدفاتر المدرسية أو الأقلام وغيرهاquot;. وأردف quot;هنالك نقص في كمية الدفاتر المتوفرة، فما توفر مؤخرا هو كمية من الدفاتر المستوردة ذات الجودة الرديئة، وهو ما جعلني امتنع عن شرائها، بانتظار إحضار كميات ونوعيات مختلفةquot;.
ويتخوف أبو أسعد من مماطلة إسرائيل في إدخال القرطاسية، رغم أنها قالت في وقت سابق أنها ستسمح بإدخالها لقطاع غزة. ويقول quot;عادة ما تنشط الحركة في الأسبوع الأول من العام الدراسي الجديد، ولم يتبق سوا يومين فقط على أول أيام المدرسةquot;.
ويعوّل أصحاب المكتبات المدرسية على التلاميذ الذين يدرسون في المدارس الحكومية التي تشرف عليها الحكومة الفلسطينية ووزارة التربية والتعليم بشكل مباشر، بينما تقوم وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين quot;الأونرواquot; بالإشراف على المدارس التابعة لها، والتي يدرس بها التلاميذ الفلسطينيين اللاجئين.
ويبدي أبو محمد، والد لأربعة تلاميذ، تذمره لارتفاع أسعار القرطاسية وإحتكارها لعدد معين من الناس يبيعونها بسعر مرتفع جداً من جهة، وعدم توفر الكثير من اللوازم المدرسية من جهة أخرى، وقال: إن العديد من اللوازم ما زالت غير متوفرة وأن ما يتوفر منها ذات جودة متدنيةquot;. وعبر أبو محمد عن استغرابه للارتفاع الكبير في الأسعار. وقال لإيلاف quot;إنها ترهق أولياء الأمور، وتصيبهم بالعجز، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي السيئ وضيق العيش الذي يعانيه سكان القطاعquot;.
يقول سالم، صاحب بسطة يبيع عليها بعض الدفاتر المصرية وشنط وأقلام quot;يظن الناس أننا كبائعين، نحتكر البضائع ونستغل حاجتهم خاصة في هذه الفترة التي يستعد فيها كثيرون لتجهيز أبنائهم للمدارسquot;، مؤكدا أن مستوردي البضائع من التجار الكبار هم الذين يتحكمون بالأسعار، وأن البائعين أمثاله وحتى أصحاب المحلات، ليس لهم خيار ولا القرار في تحديد السعر، مبينا أن نسبة الربح قليلة وليست كما يظن الناس.
سالم صقر (53 عاماً)، أب لخمسة أطفال جميعهم يدرسون في المدارس الحكومية شمال غزة. يقول لـquot;إيلافquot; : quot; أنا لم اصدق كيف انتهيت من مسألة تحضير الملابس الخاصة بالمدرسة هذه السنة لأبنائي الخمسة, فهذا الموضوع يعتبر بالمعجزة في هذا الوقت وهذه الأيام, ورغم إن الحكومة المقالة داخل القطاع أصدرت بيان حول هذا الموضوع بعدم ضرورة التزام الطلاب بالزى المدرسي الرسمي، إلا أنني فضلت أن اشتري الملابس الخاصة بالمدرسة لأطفالي لأنه في نظري الزى المدرسي أفضل من الملابس العادية الخاصة بالخروج، فالناس هنا في داخل القطاع طبقات فالغالبية لا يستطيعون توفير ملابس تليق بالمدرسة فيبقى الزى أفضل وارخص من غيرهquot;.
وإن كنت قد إستطعت التغلب على مشكلة الزي المدرسي، كما يقول صقر، فإن quot;معاناتي الآن قد بدأت من جديد في تحضير الدفاتر والأقلام والأدوات الخاصة بالمدرسة، مع العلم أن السوق خالي تماما من مثل هذه الأدوات فلا أعلم كيف سينتهي هذا الموضوع علي خيرquot;.
نفس المعاناة التي يتحدث عنها صقر، يعانيها كافة أولياء الأمور في القطاع. فحاله هو نفسه حال جميع الأهالي، فمن معاناة إلي أخرى وما أن تخلص واحدة حتى تبدأ الأخرى . وهذا أحمد خليل يقول لـquot;إيلافquot; : quot; قمت بتجميع الكثير من الأوراق التي تبقت من العام الدراسي السابق والتي لم يستخدمها أبنائي وقمت بتدبيس كل مجموعة علي حدا، وجهزتها لأبنائي، لتوفي بالغرض حتى يحل الفرج علي أهالي القطاع وينتهي هذا الحصار القاتل علي خير، فالحاجة أم الاختراع كما يقال وهذا طبعا ليس بالاختراع لكنه شيء يحل وينهي جزء من المشكلة والواضح إن أبناء القطاع في اختراعات مستمرةquot;.
الأوضاع الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في ظل الحصار دفع غالبية الآباء لتقنين مشترياتهم والاكتفاء بتوفير جزء من متطلبات أبنائهم، على أمل أن تسمح إسرائيل بدخول قرطاسية مدرسية، يكملون شراء ما تبقى ناقصاً في وقت لاحق .
التعليقات