واشنطن: من سيفوز في السباق الرئاسي المحتدم حالياً سيواجه تحديا كبيرا يتمثل في استعادة صورة الولايات المتحدة الأميركية المتدهورة حالياً ليس في العالم العربي والإسلامي ولكن في العالم أجمع، وذلك بسبب التصورات السلبية للعديد من الدول تجاه الولايات المتحدة الأميركية، حيث انخفضت نسبة من لديهم صورة ايجابية للولايات المتحدة الأميركية. فيشير استطلاع حديث لمركز بيو لدراسات الرأي العام The Pew Research Center for the People amp; the Press إلى أن أكثر من سبعة أميركيين من كل عشرة أميركي (70%) يري أن الولايات المتحدة أقل تقديرا على المستوي العالمي مما كانت عليه في الماضي، وهي أعلي مما كانت علية عام 2006 والتي كانت تقدر بـ 65%. وتشير دراسة أخري لبيو في يونيو 2007 إلى هناك ما يقرب من ما نسبته 11% في اليابان و 18 % في الأرجنتين و30% في ألمانيا و 32% في اندونيسيا تتوافر لديهم صورة ايجابية عن الولايات المتحدة. فضلاً عن ذلك انخفض عدد الأشخاص ممن كان لهم وجهات نظر ايجابية تجاه الولايات المتحدة الأميركية ببريطانيا إلي نسبة 51%. وهو الأمر الذي يشير إلى أهمية استعادة مكانة واشنطن عالمياً.

ومن الدراسات التي حاولت مقاربة تلك القضية دراسة أعدها كارول بيلامي Carol Bellamy وأدم واينبرجAdam Weinberg ، الخبيران في الشؤون التعليمية والثقافية، والمعنونة بـ quot;التبادل العلمي والثقافي لاستعادة الصورة الأميركية Educational and Cultural Exchanges to Restore America's Imagequot;، والمنشورة بدورية واشنطن الربع سنوية (Washington Quarterly).

ومن المعروف أن هناك برامج كثيرة تشرف عليها مبادرة MEPI -مبادرة الشراكة الشرق أوسطية التي ظهرت للنور في عام 2002 وهي تخضع لإشراف إدارة الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية، وخلال السنوات الأربع الأخيرة اعتمد الكونغرس الأميركي ما يقرب من 330 مليون دولار للمبادرة- التي تركز المبادرة على عدة برامج منها استقدام العديد من الصحفيين والإعلاميين العرب والمسلمين من أجل التعرف على أنماط الحياة في أميركا ونظامها السياسي، إلا أن هذه البرامج لم تساعد بعد على تحسن صورة أميركا في الإعلام العربي.

توسيع أدوات الدبلوماسية العامة

تنطلق الدراسة من أن تعزيز سمعة الولايات المتحدة سيتطلب وضع إستراتيجية جديدة متعددة الجوانب تركز بصورة كبيرة وبعناية شديدة علي عنصر الدبلوماسية العامة the Public Diplomacy. وهذا يتطلب إعادة التفكير في بعض الافتراضات الأساسية التي بُذلت علي مدي السنوات الماضية. وممارسة الدبلوماسية العامة، بلا شك، قد تغيرت في بيئة أصبحت فيها تتم عملية تبادل المعلومات بسرعة شديدة لتكنولوجيا المعلومات التي أضحت متوافرة في وقتنا هذا. لذا فإن الإستراتيجية الجديدة يجب أن تعتمد بدرجة أقل علي وسائل الإعلام التقليدية، لأنها سوف تكون أقل نجاحا إذا اعتمدت علي هذه الوسائل التقليدية في عصر يتميز بالنمو الهائل للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حيث التحول من البث والتأثير المباشر إلي التفاعلية مما زاد من صعوبة الحصول علي اهتمام الشعوب وانعدام الثقة العامة ولاسيما بين الشباب. وهذه الإستراتيجية تتطلب الفهم الكامل لدور التبادل الثقافي والتعليمي في استعادة صورة الولايات المتحدة الأميركية لذلك لابد من توسيع أدوات الدبلوماسية العامة الأميركية.

ولاشك أن الولايات المتحدة الأميركية تتمتع تاريخيا بدبلوماسية عامة تتسم بالنجاح في القطاعين العام والخاص. فقد اتخذت الولايات المتحدة مساراً مزدوجاً لنهج الدبلوماسية العامة.

أحد المسارين ركز إلي حد كبير علي وسائل الإعلام علي سبيل المثال، مثل ما قامت به quot;وكالة الإعلام الأميركيةquot;U.S. Information Agency (USIA) من خلال برامج إعلامية ركزت علي نقل انطباعات بلدان الكتلة الشرقية عن الولايات المتحدة لمعرفة القيم الأميركية وأساليب الحياة الأميركية التي كانت تبث لشعوبها، كما قامت هذه الوكالة بنشر العديد من المجلات بالعديد من اللغات الأجنبية المختلفة بالإضافة إلي توزيع الكتب والأفلام وإقامة المعارض التي تكون تحت رعايتها وقد تمت هذه الأساليب بصورة فعالة للغاية. فهذه الأساليب المختلفة التي قامت بها وكالة الإعلام الأميركية هي جزء من إستراتيجية منسقة تنسيقاً جيداً وهذا كان مهماً للفوز في الحرب الباردة حيث كانت تعمل من خلال ذلك علي تشكيل رأي عام يقف معها.

أما المسار الثاني فكان يتمثل في التبادل التعليمي والثقافي، وأفضل مثال علي هذا المسار quot; برنامج فولبرايتquot; the Fulbright Program التابع لهيئة فولبرايت التي أنشأها بعد الحرب العالمية الثانية وليام فولبرايت. فهذا البرنامج يُعد وسيلة قوية لتعزيز التفاهم المتبادل بين شعب الولايات المتحدة الأميركية وشعوب دول العالم، حيث أن منح فولبرايت تتيح للمواطنين الأميركيين وغيرهم من مواطني الدول الأخرى المشاركة في مجموعات متنوعة ومتعددة من الأنشطة والمواد التعليمية بما في ذلك الدراسة في الجامعات وإلقاء المحاضرات والقيام بالبحوث المتقدمة.

وقد وجد أن 99% من المشاركين في منح فولبرايت الدولية أفضل تفهماً للولايات المتحدة الأميركية وثقافتها و96% منهم تبادلوا الخبرات المختلفة من خلال الأنشطة الثقافية ووسائل الإعلام، وأن هؤلاء الأفراد قد سمحت لهم خبرتهم بتولي مناصب قيادية في وطنهم بعد عودتهم إلي أوطانهم وذلك بنسبة 89%.

وفي هذا المسار يُوجد مثال أخر يمكن الحديث عنه وهو برنامج المدن الشقيقة the Sister Cities program والتي بدأها الرئيس أيزنهاور في عام 1956 كجزء من مؤتمرات البيت الأبيض بخصوص دعوة الشعوب للتبادل فيما بينهم، فقد كان أيزنهاور يري أنه إذا أردنا السلام لا يجب العمل والاعتماد علي طريقة واحدة ولكن لابد من وجود الآلاف من الأساليب التي تُمكن الناس التعلم من بعضها البعض. وقد اعتمد هذا البرنامج علي افتراض فكرة معينة تقوم علي أن المدن الأميركية يجب أن تُشكل العديد من العلاقات مع العديد من المدن في مختلف أنحاء العالم ويقوم هذا البرنامج علي درجة عالية من اللامركزية وتبادل المعلومات والعمل علي أفضل الممارسات لحل مشكلات مشتركة بالسبل التي تُعزز التفاهم والتعاون وتبادل الأفكار. وفي هذا الإطار كان هناك طلاب من كاليفورنيا في شراكة مع نظرائهم في المكسيك بخصوص القضايا البيئية وتبادل الأفكار بخصوص المشاكل المحلية أيضاً، ويتم الحديث عن حلول عديدة لهذه المدن ليمكنها أن تعيش حياة أفضل. والعديد من برامج التبادل هذه تنطوي علي شراكة قوية بين القطاعيين العام والخاص بالإضافة إلي القطاع المجتمعي.

وللأسف مع منتصف التسعينات كان هناك تقليص للمخصصات المالية التي يقرها الكونغرس لوكالة الإعلام الأميركية والمكتبات والمراكز الثقافية. وقد حاولت إدارة الرئيس بوش إعادة بناء هذه الدبلوماسية العامة وظهرت هذه المسألة مرة أخري علي جدول أعمالها وظهر مع ذلك برامج جديدة. وبالرغم من هذا الجهد المضني فإن الدبلوماسية العامة قد أخفقت إلي حد كبير ويتبين هذا من استطلاعات الرأي الدولية، في عهد الرئيس بوش.

ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلي ما يحدث من انفصال بين الولايات المتحدة الأميركية وما تتخذه من إجراءات. فعلي سبيل المثال، التناقض الصارخ في قضية البيئة، فالولايات المتحدة الأميركية ترفض التوقيع علي عدد من اتفاقيات البيئة العالمية مثل بروتوكول كيوتو.

علي الرغم من أنها من أكثر الدول التي توجه اللوم للعديد من دول العالم بسبب إساءتهم للبيئة.

وفي سياق الحديث مرة أخري عن تعزيز الدور الأميركي لاستعادة صورة الولايات المتحدة الأميركية، يظهر أهمية مواقع شبكة الانترنت في هذا الخصوص لتبادل الأفكار والعمل الاجتماعي التعاوني، وأن يكون هناك اتصال مع الشعوب بشكل فعال لنقل المعلومات. فتوجد شبكة اجتماعية عالمية للشباب علي موقع www.takingitglobal.org تضم حوالي 100000 شاب من 200 دولة يركزون علي الحصول علي معلومات عن كل شيء عن الحرب في العراق والمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية. فشبكة الانترنت ممكن أن تلعب دورا أكثر أهمية في تشكيل العلاقات مع الولايات المتحدة في العالم.

قوة التبادل الثقافي والتعليمي

التبادل الثقافي والتعليمي له قوة كبيرة في توطيد التفاهم والألفة بين الأمم ومختلف الثقافات. وقد قامت وزارة الخارجية الأميركية بعمل quot;برنامج القيادة الدولية الزائرquot; International Visitor Leadership Program (IVLP) لغرس الاحترام والإعجاب للولايات المتحدة فيما بين الرعايا الأجانب، والبحوث التي أجريت مؤخرا علي هذا البرنامج وجدت أن ما يقرب من 90% من خريجي هذا البرنامج لديهم انطباعات ايجابية عن الولايات المتحدة.

كل هذه البرامج التي ترعاها حكومة الولايات المتحدة الأميركية للتبادل من برنامج فولبرايت وبرنامج القيادة الدولية وغيرها من البرامج تركز على التدريب المهني بالإضافة إلي فهم أفضل لتاريخ وتراث الولايات المتحدة. ويتم التركيز الآن علي تجربة التدويل الجامعي، فوفقاً لمعهد التعليم الدولي فإن عدد الطلاب الجامعيين الذين يدرسون في الخارج قد زادت نسبتهم بنسبة 150% علي مدى السنوات الماضية، وقد وصل عددهم إلي 220000 طالباً وسوف تلتزم الولايات المتحدة بإرسال مليون طالب للخارج كل سنة بحلول عام 2010. وتعتبر اللجنة الاستشارية الثقافية حجر الزاوية في الدبلوماسية العامة الأميركية وتقوم بتسليط الضوء علي قدرة الفن علي زيادة التصورات الايجابية عن الولايات المتحدة والتي أثبتت فعاليتها في نقل القيم الأميركية، كذلك هناك اهتمام بالمنظمات الدينية والتجمعات الرياضية والمنظمات التطوعية. بالإضافة إلي استخدام القنوات غير الرسمية لخلق التبادل الدولي. وعلاوة علي ذلك فهناك جهود بذلت مؤخراً من قبل العديد من المنظمات مثل غرفة التجارة والأعمال التجارية the Chamber of Commerce and Business من أجل العمل الدبلوماسي وتحسين الدبلوماسية العامة، ويشارك نادي الروتاري الدولي Rotary International منذ فترة بعيدة في هذا العمل وبهذه الطرق تكون الولايات المتحدة الأميركية لديها القدرة علي أن تؤثر تأثيراً ايجابياً علي عشرات الملايين من الأفراد كل عام.

صنع التبادل الثقافي والتعليمي

وتؤكد الدراسة على أربع مبادئ لجعل التبادل الثقافي والتعليمي - والذي يتم من خلال الدبلوماسية العامة ndash; فعال ومثمر، وتتمثل تلك المبادئ الأربعة في:-

إرسال مجموعة متنوعة من المواطنين إلي مجموعة متنوعة من الأماكن.

تطوير المبادلات علي أساس مبادئ الانخراط والتفاعل الثقافي.

تمكين الدبلوماسيين الحاليين.

استهداف قادة الرأي والمؤثرين مع التركيز علي فئة الشباب.

وإذا كانت الولايات المتحدة تنظر إلي إرسال الأميركيين إلي الخارج فإنه ينبغي عليها أن تضمن أن هؤلاء الأميركيين أرسلوا إلي أماكن تشبه وجه أميركا عند العودة إلي الوطن مرة أخري. ففي فبراير 2008 وجد تقرير مجلس الأميركي للتعليم American Council of Education أن نمو 50% من الطلاب للدراسة في الخارج تأتي فقط من 100 من الجامعات و4000 كلية. 15% إلي أميركا اللاتينية، و7% لدول آسيا، و3% لأفريقيا و0.5 % للشرق الأوسط .

وهذه البرامج الهائلة يمكن أن تكون لها أثر ايجابي علي صورة الولايات المتحدة. وكما ذكرنا أيضا فإن نسبة 99% من المشاركين في منح فولبرايت لديهم فهم أفضل للولايات المتحدة وثقافتها ولكن يجب أن ندرك جيدا أن هذه البرامج يمكن أن يكون لها أثر عكسي عند فشلها.

لذلك يتم وضع برامج التبادل الثقافي لضمان التفاعل مع توجه الأميركيين لفهم واحترام العادات والتقاليد المحلية لإيجاد الاحترام والتفاهم المتبادل لخدمة مصالح الولايات المتحدة وخلق تصورات ايجابية ودائمة والابتعاد عن التصورات السيئة التي تعزز الصورة النمطية السلبية عن الأميركيين والولايات المتحدة الأميركية معاً.

وعلاوة علي ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلي توسيع مفهوم برنامج التبادل والذي يحتاج بدوره إلي استراتيجيات أفضل ودعم كبير، وينبغي أن يكون هناك برنامج تدريب منظم من خلال التفاعل مع الأميركيين بشكل مباشر والتعرف علي الثقافة الأميركية وتوليد التفاهم بين الثقافات. كما ينبغي أن يستمر التبادل للأهداف الحالية والمستقبلية، وقادة الرأي والمؤثرون هم بحاجة إلي خبرات ومعرفة الحقائق عن الولايات المتحدة الأميركية. وينبغي أن تستهدف هذه البرامج الشباب لأنها الأكثر تأثيراً والتي تتراوح أعمارهم بين 15 و25 سنة.

ما الذي ينبغي عمله؟
وتخلص الدراسة إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة عليها التركيز على ثلاثة أمور رئيسية، وهي:

أولاً: تسليط الضوء علي التبادل كعنصر رئيسي بل وعنصر جديد من عناصر الدبلوماسية العامة وهي إستراتيجية تقوم علي الحوار وتحتاج إلي الكثير لنشرها ولتعزيز قيمها في العالم والتفاعل مع بقية العالم.

ثانياً: ينبغي أن تكون جميع عمليات التبادل منظمة حتى يمكن لها تحقيق أقصي قدر من التأثير، فالإدارة المقبلة يمكن أن تركز علي عدد قليل من المجالات الرئيسية وينبغي الاهتمام بالتعليم العالي وتزويد الجامعات بالسبل التي يمكن أن تزيد عدد تبادل الطلاب بشكل كبير والتركيز علي استكمال الطلاب للدراسات العليا المتعددة السنوات.

ثالثاً: ينبغي على الولايات المتحدة الأميركية أن تضع آلية لإيجاد معايير نشر قيمها ومبادئها عالميا.

فالحكومة يجب أن تكفل لموظفيها التفاعل مع نظرائهم من البلدان الأخرى حتى يكونوا فاعلين في سلك الدبلوماسية العامة، والتمويل هو أمر ضروري فالولايات المتحدة الأميركية للأسف لديها نقص شديد في التمويل في الدبلوماسية العامة، إلا أن هذه الاستثمارات تحتاج إلي حكمة.


وتري الدراسة في خاتمتها أن العبء الأميركي يتمثل في استرداد صورة الولايات المتحدة في العالم من خلال تنسيق الجهود الدبلوماسية العامة والتأكيد علي الحوار وتبادل الآراء علي نحو فعال واستخدام جميع الموارد المتاحة لتحقيق ذلك والعمل بجميع الأساليب لتعزيز التجارب الايجابية والتفاعل مع الأميركيين من جميع الخلفيات .