محمد مسعاد من برلين: لم يكن أحد من الطبقة السياسية و لا وسائل الاعلام الألمانية يتوقع سلسلة المفاجآت التي هزت أركان الحزب الاشتراكي الألماني يومه الأحد. ففي الوقت الذي كانت تجتمع فيه قيادة الحزب بشفيلوفزيه قرب مدينة بوتسدام شرق ألمانيا للتشاور في البرنامج الانتخابي الذي سيعتمده الحزب في انتخابات البندستاغ خريف 2009، وربما التشاور أيضا حول مرشح الحزب في هذا الاستحقاق، فإذا بالأمور تسير بشكل متسارع وقف معه العديد من المتتبيعن و المحللين السياسين عاجزين عن تتبع مجراه.
وهكذا تأكد ما نقلته وسائل الاعلام الألمانية في السابق من احتمال أن يتخلى رئيس الحزب الاشتراكي الألماني عن ترشحه للانتخابات القادمة لصالح وزير الخارجية فرانك شتاينماير، ولم يقف الأمر عن هذا الحد بل أعلن وبشكل مفاجئ تماما استقالة كورت بيك رئيس الحزب عن قيادة سفينة الاشتراكيين الديموقراطيين وهو ما زاد في تعقيد وضعية الحزب المعقدة أصلا.
ويذكر أن قيادة الحزب صوتت بالاجماع على ترشيح شتاينماير للانتخابات القادمة و قيادته للحزب بشكل مؤقت ريثما ينتخب المؤتمر القادم رئيسا جديدا للحزب، ومن المنتظر أن يعقد غدا مؤتمرا استثنائيا للتصويت على الرئيس الجديد الذي لن يكون سوى مونتفيرينغ الذي استقال من منصب وزير العمل ونائب المستشارة للتفرغ لزوجته التي كانت تعاني من مرض السرطان، و التي توفيت قبل أربعة أسابيع.
ونقلا عن عدد من وسائل الاعلام الألمانية أن فرانس مونتفيرينغ سيعود من جديد لقيادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي، وهو الذي سبق له أن كان في هذا المنصب ما بين سنتي 2004 و 2005 واستقال منه بسبب الأزمة التي تفجرت وقتها في قضية ما يعرف بمنصب الكاتب العام. وتولى بعدها زعامة الحزب بلاتسيك الذي استقال بدوره بعد سنة من هذه المهمة نظرا لفشله في قيادة حزب يشهد هيجانا سياسيا منذ أكثر من عقد من الزمن. مما دفع أعضاء الحزب لاختيار كوت بيك زعيما جديدا للحزب، غير أن هذا الأخير تنقصه الكاريزما السياسية ومقومات الزعامة و المستشارية.
وعلى الرغم من ذلك فلقد حاول على امتداد سنتين قيادة هذا الحزب و التوفيق بين جناحيه اليساري و اليميني. ويذكر أن أزمة القيادة التي يعيشها الحزب الاشتراكي الديموقراطي تخفي وراءها أزمة اختيارات سياسية، حيث يرجع بعض المتتبعين لأحوال حزب فيلي برانت أن الحزب لا يعرف ماذا يريد؟ وهل هو حزب يساري أم حزب يميني؟ فالاصلاحات التي أدخلها المستشار السابق غيهارد شرويدر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية لألمانيا أو ما يعرف بمذكرة 2010 و التي ساهمت في التفاوت الاجتماعي داخل المجتمع الألماني وخلقت تدمرا شعبيا ونقابيا كبيرا أثر بشكل مباشر على النتائج الانتخابية للحزب. الأمر الذي أدى بأوسكار لافونتين وزير الاقتصاد في حكومة شرويدر الأولى إلى الاستقالة من الحزب و من المشهد السياسي برمته قبل أن يتراجع عن قراره ويشكل تحالفا سياسيا مع بقايا الشيوعيين تحت اسم حزب اليسار.
وهو الأمر الذي فرض على شرويدر أن يتقدم بملتمس حل البرلمان واجراء انتخابات سابقة لأوانها سنة 2005. ومعلوم أن هذه الانتخابات عقدت وضعية الحزب من جهة و الخريطة السياسية الألمانية من جهة ثانية، إذ عجز الحزبان الكبيران على الحصول على مقاعد تضمن لهما تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الذي يرضى على اختياراته. مما دفعهما لتشكيل تحالف كبير. زد على ذلك وضعية حزب اليسار التي ثبت أقدامه داخل الخريطة السياسية الألمانية بل أصبح القوة الثالثة، وهو حزب وإن ضمن الشرعية الانتخابية، فانه لا يزال يبحث عن الشرعية السياسية، إذ ترفض كل الأحزاب السياسية في ألمانيا التحالف معه، وخير نموذج على ذلك ولاية هيسن التي تعيش وضعية شادة بسبب رفض التحالف مع هذا الحزب.
وعلى صعيد ردود الفعال حول هذا التطور السريع على الأحداث الداخلية داخل الحزب انتقدت الشبيبة الاشتراكية قرار رجوع مونتفيرينع للقيادة معتبرة انه لا يشكل اي افق للتشبيب كما ان رجوعه هو دعوة للرجوع لأجندة 2010. أما على صعيد ردود أفعال الأحزاب السياسية الألمانية ففي الوقت الذي لم يصدر بعد أي رد من طرف ميركل، انتقد خبير حزبها في السياسة الخارجية قرار اعلان ترشيح شانمير، معتبرا أن هذا الترشيح سيقلل من فعالية وزير الخارجية على مستوى السياسية الخارجية الألمانية. في حين ذهب غيدو فيستهفيله رئيس الحزب الحر وأحد حلفاء ميركل إلى الدعوة إلى ضرورة حل هذه الحكومة بأقسى سرعة ممكنة لأن ألمانيا ليست مستعدة لحملة انتخابية تستغرق سنة كاملة.
وإذا كان واضحا اليوم أن رئيس الديبلوماسية الألمانية شتاينماير الذي يحضى بشبعية كبيرة وسط الألمان هو الذي سيخوض غمار الترشيح ضد المستشارة الحالية أنجيلا ميركل. وأن منتفيرينغ سيقود سفينة الحزب، فإن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو كيف سيكون تعاملهما مع نتائج الانتخابات و التي ستفرز من دون شك خريطة سيكون فيها لحزب اليسار الدور المحدد لطبيعة التحالف؟ و كيف ستتعامل القيادة الجديدة مع أجنحة الحزب المتنافرة؟ وهل بامكانهما معا الحفاظ على وضعية الحزب كحزب شعبي تدنت نسبة شعبيته إلى درك هابط في الخريطة السياسية الألمانية؟
التعليقات