أول مناظرة بين ماكين وأوباما تظهر عمق خلافاتهما

واشنطن: quot;البداية كانت بفرقة من المرتلين الكنسيين يلقون أنشودة وعظ ديني إنجيلي. أتبعها حاخام يهودي يقص حكايات من التوراة حول التسامح والمستقبل. ثم الكاثوليكية الشهيرة quot;هيلين بريجيان Helen Prejeanquot; تهاجم بعنف عقوبة الإعدام واستخدام المشنقة. العدسات تلتقط امرأة مسلمة شابة ترتدي الحجاب تجلس إلى جوار مسِنة أفريقية سمراء. وخليط من البروتستانت والكاثوليك واليهود والمسلمين وغير المنتسبين لدين معين اجتمعوا تحت سقف واحد.quot;

كان ذلك هو المشهد الرئيسي لدى افتتاح مؤتمر الحزب الديمقراطي الأميركي لعام 2008، وهو مشهد غير مألوف ولم يحدث من قبل في مؤتمرات الحزب منذ عقود طويلة، على عكس الحزب الجمهوري الذي يجعل المعتقدات الدينية ركنا أساسيا ثابتا في حملاته الانتخابية.

حضور ديني بمؤتمر الحزب الديمقراطي

دعا الحزب الديمقراطي هذا العام عددا كبيرا من قادة المجتمع الديني الأميركي لحضور مؤتمره القومي العام لترشيح باراك أوباما رسميا لخوض الانتخابات الرئاسية. وكان من بين المدعوين بعض القادة الدينيين الذين رجحوا كفة بوش الابن في انتخابات عام 2004، والذي فتح نقاشا مستفيضا معهم حول بعض القضايا الدينية الهامة، كما عقد الحزب أربعة اجتماعات مع عدد من القادة الدينيين منهم معارضون لتوجهات الديمقراطيين الدينية.

وكان من أبزر الحضور quot;جويل هانتر Joel C. Hunterquot; كبير أساقفة كنيسة نورث لاند Northland A Church Distributed (للإنجيليين المعتدلين) في لونج وود Longwood بولاية فلوريدا، والقس quot;تشارلز بلاك Charles E. Blake quot; أسقف كنيسة غرب أنجلوس West Angeles Church of God (للإنجيليين السود)، وعدد من قساوسة كنائس ولاية شيكاغو.

وكان من بين الحضور أيضا السيدة quot;إنجريد ماتسونIngrid Mattson quot; رئيسة التجمع الإسلامي لشمال أميركاthe Plainfield-based Islamic Society of North America، والتي ذكرت أن دعوة الديمقراطيين لها تعكس حقيقة أن المسلمين جزء من المشهد الديني الأميركي، وإن كان حضورها لا يعني التصويت للديمقراطيين أو رفض دعوة مماثلة من الحزب الجمهوري. كما عقد الحزب الديمقراطي اجتماعا يوم 25 أغسطس الماضي مع أربعين من قادة هيئات المسلمين الأميركيين من مؤيدي الحزب الديمقراطي.

وتعد منظمة التجمع الإسلامي لشمال أميركا أكبر منظمة للمسلمين في أميركا، فهي أكبر مظلة تضم العديد من المنظمات الإسلامية الأميركية، وتشرف على نحو 300 مسجدا ومركزا إسلاميا في أنحاء الولايات المتحدة.

وبديلا عن سياسة إشعال حرب الخيارات بين الإنجيليين والديمقراطيين حول قضية الإجهاض، عمد القساوسة إلى مطالبة الديمقراطيين بوضع برنامج عمل بديل يقلل من عدد عمليات الإجهاض في الولايات المتحدة، في مشهد قد يعكس تحولا في اتجاهات تصويت المحافظين المتشددين الدائم إلى المرشح الجمهوري.

الديمقراطيون يستوعبون درس بوش الابن

ويعكس هذا المشهد حقيقة اهتمام حملة أوباما الانتخابية بالناخبين الدينيين، واستيعاب الديمقراطيين درس الانتخابات السابقة حينما ساعد المتدينون المتشددون في إعادة انتخاب بوش الابن، الأمر الذي جعل قادة الحزب الديمقراطي يفكرون كثيرا في هذا الأمر.

من جانب آخر، يسعى الديمقراطيون في هذه الانتخابات لتحسين صورتهم أمام الناخب المتدين، وإظهار أنهم أكثر ألفة مع الدين، لاسيما وأن أوباما قد جعل إظهار عقيدته الدينية المسيحية أحد ركائز حملته الانتخابية بعدما واجه اتهامات باعتناقه الإسلام. وفي هذا الإطار يقول جوشوا دوبويز Joshua DuBois، مدير الشئون الدينية لحملة باراك أوباما الانتخابية، أن أوباما quot;جعل عقيدته الدينية عنصرا ثابتا في حملته الانتخابية وعمد إلى أن يكون الدين حاضرا بقوة في أعمال المؤتمر العام للحزب من أجل خلق تواصل مع الناخبين الدينيينquot;. ويضيف: quot;أوباما يدرك أن للدين والقيم والمعتقدات مكانة خاصة في حياة الأميركيينquot;.

وفي تفسير اهتمام الديمقراطيين هذه المرة بالناخب الديني، تقول راشيل لايزر Rachel Laser، محللة القضايا الثقافية بمركز quot;الطريق الثالثThird Way quot;، وهو مركز فكري تابع للحزب الديمقراطي، quot;الآن هناك حاجة ملحة ومصلحة متولدة للحديث مع كل قيادات المجموعات الدينية الذين كانوا يعدون من أعداء الحزب سابقاquot;.

ولاحظت صحيفة يو إس توداي، في تقرير نشرته يوم 22 أغسطس الماضي، تحت عنوان quot;نصف المحافظين يرغبون إبعاد الكنائس عن السياسةquot;، أن quot;فوز الديمقراطيين بأغلبية مقاعد الكونجرس في انتخابات التجديد النصفي لعام 2006، جاء موازياً لإقرار المحكمة العليا في ولاية كاليفورنيا شرعية الزواج المثلي بالولاية، بينما كانت تُشعل داخل تيار المحافظين الإنجيليين أزمة هوية وتحديد أي القضايا تحتل الأولوية في أجندتهم ومن يتحدث نيابة عنهمquot;.

ويعتقد آلان هيرتزك Allen D. Hertzke، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أوكلاهوما، أن quot;فرص أوباما لإحداث تغير كبير بين من اعتادوا التصويت للحزب الجمهوري لن يجدي كثيرا، فالكاثوليك المؤيدون لأوباما لم يزد عددهم إلا قليلا، والإنجيليون البيض لا زالوا أشد ارتباطا بالجمهوريينquot;. لكنه يضيف: quot;. ومع ذلك هناك فرصة لفريق أوباما في أن يكسب ولو نقاط قليلة من هؤلاء المتدينيين على حساب جون ماكينquot;، على ضوء أن فارق الأصوات القليلة للمتدينيين تعد عنصرا حاسما في تحديد الرئيس القادم كما حدث مع جورج بوش الابن في انتخابات عام 2004.

تحولات دينية هائلة

وترتبط كافة هذه التفسيرات السابقة بسعي الديمقراطيين للاستفادة من حدوت تحول هائل في رؤية الأميركيين، وخاصة بين المحافظين الإنجيليين، للعلاقة بين الدين والسياسة.

فقد كشف استطلاع حديث للرأي أجراه منتدى بيو للدين والحياة العامة the Pew Forum on Religion and Public Life، التابع لمركز أبحاث بيو لاستطلاعات الرأي العام، خلال شهري يوليو وأغسطس، ونشر يوم الثلاثاء 19 أغسطس الماضي، بأن 52% من الأميركيين يقولون الآن بضرورة الفصل بين الكنيسة والسياسة، مقابل 8% في عام 2004.

وأوضح الاستطلاع أن الفجوة بين مواقف المحافظين الإنجيليين والليبراليين في تلك القضية قد تقلصت في غضون أربع سنوات فقط، إذ كان عدد الليبراليين الذين يرون ضرورة فصل الكنيسة عن أمور السياسة يبلغ ضعف عدد المحافظين في عام 2004 (62% من الليبراليين، مقابل 30% من المحافظين). واليوم، يكشف الاستطلاع الحديث أن 50% من المحافظين يرون وجوب بقاء الكنائس وأماكن العبادة الأخرى بعيدة عن أمور المجتمع والسياسة، مقابل 57% من الليبراليين.

وبوجه عام، يصوت غالبية الأصوليين quot;المحافظينquot; الإنجيليين لصالح مرشح الحزب الجمهوري في كافة الانتخابات الرئاسية، في حين ينقسم الإنجيليون المعتدلون والكاثوليك بين المرشحين، حسب سير الحملة الانتخابية وطبيعة القضايا المطروحة.

تجدر الإشارة إلى أن المسيحيين يشكلون 78.4% من مجموع الأميركيين، فيما يشكل أصحاب الديانات والمعتقدات الأخرى 4.7%، أما من لا ينتسبون لدين أو لعقيدة معينة فيشكلون 6.1%، وذلك وفقا لاستطلاعات ومسوحات شاملة أجراها مركز بيو في عام 2007 على كافة الولايات الأميركية، نشرها المركز يوم 24 فبراير 2008.

ويعد البروتستانت أكبر فئة مسيحية داخل الولايات المتحدة، إذ يشكلون 51.3% من المسيحيين، في حين تبلغ نسبة الكاثوليك من المسيحيين نسبة 23.9%. وينقسم المسيحيون البروتستانت إلى ثلاث فئات، هي: البروتستانت الإنجيليون quot;المحافظونquot;: 26.3%، والإنجيليون المعتدلون 18.1%، والبروتستانت السود 6.9%.

الناخبون منقسمون على حد السكين

وحول توجهات التصويت في هذه الانتخابات، لم يلحظ الاستطلاع تحولات كبرى في الخطوط العريضة لنمط التصويت بين تيار الإنجيليين المتشددين عن العام 2004، فحوالي 68% يؤيدون جون ماكين، و24% يؤيدون أوباما، وهي نسب تقترب من معدلاتها بالنسبة لهذا التيار لدى كل من بوش وكيري في انتخابات عام 2004، وذلك على الرغم من أن أوباما يلعب بقوة على وتر الدين، وماكين لا يزال مترددا في الحديث عن عقيدته الخاصة أو التواصل مع قاعدة الإنجيليين في حزبه.

لكن التغير الذي أكده الاستطلاع هو وجود تحول لدى الناخبين الإنجيليين البيض quot;البروتستانتquot; ـ يشكلون حوالي 22% من المجمع الانتخابي ـ في تأييد المرشح الجمهوري، إذ أعرب 28% منهم عن تأييد ماكين بقوة، مقارنة بنحو 57% أيدوا بوش الابن بقوة في انتخابات عام 2004.

ولذا يتوقع خبراء أميركيون أن تغير التوجهات في علاقة الدين بالسياسة سيعد عاملا قويا في نهاية الحملة الانتخابية خاصة لدى جون ماكين. ويعتمد ذلك على جهود حملته الانتخابية في استيعاب هذا التحول والترحيب به والتأقلم معه، لأنه تحول يمتد لمختلف الانتماءات الدينية المحافظة (46% من الجمهوريين البروتستانت quot;الإنجيليينquot; المتشددين يريدون فصل الكنيسة عن السياسة مقارنة بنحو 28% في عام 2004، و36% من الإنجيليين البيض يشاركون نفس الرأي، مقابل 20% منذ أربعة سنوات).

من جانب آخر، أوضح الاستطلاع ارتفاع نسبة معارضة لعب الكنيسة أدوارا سياسية بين من يعتبرون قضية الزواج المثلي قضية انتخابية ذات أولوية قصوى، حيث بلغت نسبتهم في هذا الاستطلاع 50% مقابل 25% في عام 2004.

ويشكل المثليون جنسيا قوة انتخابية كبيرة يتراوح وزنها الانتخابي بين 4 إلى 6% من أصوات الناخبين الأميركيين. وهذا يفيد أوباما أكثر من ماكين، فالأول يؤيد الحق في الإجهاض وحق الزواج المدني بين المثليين جنسيا، في حين يرفضهما جون ماكين.

وكشف الاستطلاع أيضا عن أن أوباما قد خسر بعض النقاط من الكاثوليك البيض، ويشكلون 18% من المجمع الانتخابي، عن نظيره الديمقراطي جون كيري في انتخابات عام 2004، إذ أيد الأخير بقوة نحو 50% منهم مقابل 44% يؤيدون أوباما اليوم، و45% يؤيدون جون ماكين.

تقليص الفجوة الدينية

ويخلص الاستطلاع إلى أن الحزب الديمقراطي قد نجح إلى حد كبير في تقليص ما يعرف بـ quot;الفجوة الدينية God gapquot; بينه وبين الحزب الجمهوري، حيث رأى 38% من المستطلع آراؤهم أن الحزب ودود تجاه الدين، مقابل 26% فقط منذ عامين، فيما يرى 52%، وهذا أمر عادي، أن الحزب الجمهوري أكثر ألفة مع الدين.

ويعتقد البعض أن التحول في مواقف المتدينيين الأميركيين للعلاقة بين الدين بالسياسة في الولايات المتحدة، ربما ينعكس إيجاباً لصالح المرشح الديمقراطي، حيث يعتقد كلارك موللر Clark Mueller، أستاذ العلوم السياسية بجامعة نورث ألاباما، أن quot;الوضع اليوم يبدو مختلفا بعض الشيء عن العقود السابقة حينما كان يجري المحافظون دائما خلف المرشحين الجمهوريينquot;.

ويعتقد quot;موللرquot; أيضا أن الطبقة التقليدية العاملة من الكاثوليك، وخاصة مع ترشيح السيناتور quot;جوزيف بايدنquot; الذي يفخر بجذوره الكاثوليكية الأيرلندية نائبا لأوباما، ربما ستؤسس لتقليد جديد هو التصويت للديمقراطيينquot;، فيما يرى أن quot;التعليم يبقى محددا أساسيا في اتجاهات الصوت اليهودي لصالح أي من المرشحينquot;. بينما يعتقد ستانلي جولدستين Stanley Goldstein، عضو quot;المحفل الماسوني لبني إسرائيل Temple Brsquo;nai Israelquot; في الولايات المتحدة، أن العمر سيلعب الدور الأبرز في هوية الصوت اليهودي، فالأصغر عمرا يفضلون المرشح الديمقراطي أكثر من اليهودي الأكبر عمرا.

وعلى النقيض من هذا الرأي يذهب آخرون إلى القول بأن جهود الديمقراطيين لجذب الناخب الأميركي المتدين، لا يوجد معها دليل ملموس على صحة القول بأن التغير الديني الذي كشف عنه استطلاع بيو سيعزز من فرص الديمقراطيين في الانتخابات المقبلة. يقول جوي بوب ميزل Joe Bob Mizzel، مدير مكتب الأخلاق المسيحية للقساوسة البروتستانت في مكتب المهمات المعمدانية بولاية ألاباماThe Office of Christian Ethics and Chaplaincy Ministries for the Alabama Baptist State Board of Missions، quot;رغم كل شيء عندما سيأتي شهر نوفمبر، أتوقع أن يندفع المسيحيون للتصويت لصالح ماكينquot;.

وتؤكد هذه التحليلات المتباينة أن الناخبين الأميركيين منقسمون الآن على حد السكين، وفقا لمعتقداتهم وانتماءاتهم الدينية، بين المرشحين باراك أوباما وجون ماكين، بأكثر مما عرفه الأميركيون منذ أربع سنوات بين بوش الابن وجون كيري، وربما لن تتضح حقيقة تأثير العامل الديني كعنصر حاسم في تحديد هوية الرئيس الجديد إلا مع شهر نوفمبر المقبل.