واشنطن: هذا الأسبوع إنتهت واحدة من أطول وأشرس المعارك الإنتخابية التى شهدتها الإنتخابات التمهيدية الرئاسية الأميركية بين سيناتور ولاية الينوى باراك أوباما وسيناتور ولاية نيويورك السيناتور هيلارى كلينتون التى كانت طامحة لان تكون أول سيدة تتولى سدة الحكم فى الولايات المتحدة الأميركية وتدخل البيت الأبيض ليس كسيدة أولى كما كانت فى عهد رئاسة زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون ولكن كرئيسة هذه المرة.
طموحاتها تحطمت على صخرة منافسها العنيد باراك أوباما الذى خاض معركة انتخابية هى الأطول ، فى ظل إصراره على قيادة دفة التغيير فى الولايات المتحدة كما أعلن عن ذلك فى شعاره الانتخابى quot;التغيير الذى نستطيع أن نؤمن بهquot;. وأعلنت هيلارى كلينتون الانسحاب من السباق ودعم أوباما فى معركة الانتخابات العامة أمام المرشح الجمهورى جون مكين.
أوباما يعيد صياغة التاريخ الأميركى
وفى صحيفة الواشنطن بوست تناول ايجون روبنسون مجموعة العقبات التى تخطاها باراك أوباما فى سباقه الرئاسى. حيث أشار روبنسون إلى أن المدقق فى حاجة إلى الكثير من الوقت للتعرف ما فعله باراك أوباما فى هذا السباق لينتقل من ثوابت ومعطيات قديمة إلى الوعد بأخرى جديدة فى الحياة السياسية الأميركية.
فأوباما هو ذلك الشاب الأسود العضو فى مجلس الشيوخ لأول مرة ، وأبوه من كينيا وأمه من ولاية كنساس ، ويبدو من اسمه انه احد المعتقلين فى سجن جوانتانامو ورغم كل ذلك فانه استطاع إنهاء الماراثون الديمقراطى لصالحه ليكون بذلك أول مرشح اسود للانتخابات الرئاسية الأميركية. فى رحلته هذه فانه لم يتغلب فقط على واحدة من أقوى واشد المرشحين فى الحزب الديمقراطى هيلارى كلينتون ، ولكنه أيضا استطاع تحدى 389 عاما من التاريخ الأميركى.
ففى عام 1619 أتى أول افريقى مقيدا بالسلاسل إلى سواحل الولايات المتحدة فى مدينة حيمس تاون. هذه الشحنة الأولى من العبيد لم يكن على متنها أيا من أجداد أوباما. فمنذ حرب الاستقلال ونشاط حركة إلغاء الاسترقاق والعبودية داخل الولايات المتحدة - والتى كانت احد الأسباب الرئيسية فى إشعال الحرب الأهلية بين ولايات الشمال والجنوب الأميركية - اضحت مساءلة الأعراق والأجناس المختلفة احد الأفكار العظيمة فى حياة الأمة الأميركية.
ولذلك لفت روبنسون الانتباه إلى أن وقوف باراك أوباما أمام حشد كبير من الجماهير ليعلن انتهاء الانتخابات التمهيدية وبداية حملته للانتخابات العامة ، قد أعاد إلى الأذهان الفترة التى وقف فيها الأمريكيون السود جنبا إلى جنب مع الأميركيين البيض فى منتصف القرن الماضى للطالبة بوقف جميع مظاهر الفصل العنصرى داخل الولايات المتحدة ووهبوا حياتهم من اجل تحقيق هذا الهدف. وجاء ترشيح الحزب الديمقراطى لمواطن اسود خطوة غير متخيلة وغير مسبوقة فى التاريخ الأميركي. فالشئ المثير فى مساءلة ترشيح أوباما هو أن الأميركيين بالفعل سيقبلوه أو يرفضوه على أساس مؤهلاته وأفكاره وليس على أساس جنسه.
ولذلك فان المؤرخين والمحللين السياسيين عندما يشرعوا فى رصد وتحليل هذه الحملة الانتخابية الغير عادية فى التاريخ الأميركى ستكون نقطة ارتكازهم قائمة ليس فقط على تقييم تأثير جنس أوباما باعتباره أميركيا اسود على مستقبله السياسى. ولكنهم فى نفس الوقت سوف يهتموا أيضا بالكيفية التى استطاع بها أن يجمع هذا العدد الكبير والمختلف من الممولين والمتبرعين لحملته والذى وفر له أموالا طائلة ، وكيف استطاعت حملته وفريقه الانتخابى من أن يشرك فئة من الناخبين لم تكن تشارك من قبل فى العملية الانتخابية؟ وكيف استطاع المؤيدون الشباب له من أن يستغلوا جميع الوسائل المتاحة بما فيها الشبكات الاجتماعية الافتراضية على الانترنت مثل الفيس بوك Facebook وماى إسبايس MySpace من اجل جذب مزيدا من المؤيدين والمناصرين له.
ويطرح الكاتب فى نهاية مقالته تساؤلا عن إمكانية أن ينتخب الأميركيين باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة ، فيؤكد أن انه لا يهم أن ينجح أوباما أو لا فقد صنع التاريخ هذا العام ومن الممكن أن يكون هناك أكثر أو لا يكون ، ولكن المؤكد انه بعد 389 عاما فان الأمة الأميركية لم تعد كما كانت من قبل.
أوباما. هل يستطيع أن يفعلها؟!
ومن جانبها تناولت افتتاحية صحيفة النيويورك بوست مجموعة العقبات التى ستواجه أوباما فى الفترة القادمة عقب فوزه بترشيح الحزب الديمقراطى له وبذلك صنع مكانه فى التاريخ بشئ لم يكن احد داخل الولايات المتحدة أو خارجها يتصور أن يحدث ، بترشيح افريقى أميركى لينافس على كرسى الرئاسة فى البيت الأبيض.
وفى هذا الإطار تؤكد الافتتاحية على انه من الخطأ أن نقلل من قدر أوباما ، فعلى الرغم من انه وجه جديد على الساحة السياسية الأميركية إلا انه استطاع أن يظهر مجموعة من المهارات التى مكنته من تحقيق هذا الفوز. فأوباما منذ أربع سنوات فقط كان مجرد عضو فى المجلس التشريعى لولاية الينوى ومعروف فى واشنطن فقط بقدراته البلاغية الكبيرة وليس بسجله التشريعى الحافل، وأسس حملته الانتخابية على الحاجة إلى والقدرة على التغيير ، فضلا عن انه استطاع أن يبث روح جديدة فى الحزب الديمقراطى.
وفى مقابل ضعف الخبرة هذه فان أوباما مواجه بمنافس ذات خبرة طويلة فى العمل السياسى ويمتلك العديد المؤهلات ، المرشح الجمهورى جون مكين الذى يمتلك خبرة شخصية وقصة حياة مبهرة ، بالإضافة إلى سجله التشريعى الحافل ومجموعة من المهارات الشخصية الرائعة. وعلى الجانب الآخر فان الناخبين الأمبركيين يمكن أن ينسوا تساؤلاتهم عن الديمقراطيين ولكنهم لن يفعلوا ذلك مع المسائل المتعلقة بالأمن القومى الأميركي.
ولكن الافتتاحية عادت وأكدت أن أوباما استطاع أن يدرك نقاط ضعفه المتعلقة بالخبرة فى المجال الخارجى عموما ومسائل الأمن القومى خاصة ، فإذا كان أوباما أكد انه لا يجد حرجا فى الجلوس وجها لوجه مع زعماء إيران بدون شروط مسبقة ، فانه الآن يدعم بقوة إعلان قوات الحرس الثورى الإيرانية جماعة إرهابية وهو الموقف الذى هاجم كلينتون لأنها كانت تدعمه. أيضا فى خطاب له أمام احد أقوى جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل الإيباك أكد انه سيفعل كل ما فى مقدوره ليمنع إيران من امتلاك السلاح النووى كما احتفظ أيضا بخيار العمل العسكرى على الطاولة للتعامل معها.
ولفتت الافتتاحية الانتباه إلى أن هذه المواقف الجديدة التى اتخذها أعطت انطباعا بان أوباما الذى كان منذ وقت قريب يطالب بالانسحاب الفورى للقوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط ليس هو المرشح الحالى للرئاسة ، وعلى المستوى الداخلى دعم موضوعات مثل الاستقطاعات الضريبية. وأكدت الافتتاحية أن الناخبين الأميركيين يريدوا نوعا من التجديد والتغيير فى حياتهم اليومية ولكن هل يكون أوباما \هو قائد هذا التغيير ، أشارت الصحيفة أن هذا محتمل فانتصاره قد يؤهله لتحقيق هذه الخطوة.
أوباما فى عصر الانترنت
اما روجر كوهين Roger Cohen فقد تناول الدور الكبير لعبته الشبكات الاجتماعية الافتراضية على شبكة الانترنت فى الحملة الانتخابية لبارك أوباما ، فهذه المساحة الافتراضية أعطت أوباما تفوقا كبيرا على هيلارى كلينتون ، حيث استطاع أن يستفيد من منجزات الثورة العلمية الهائلة التى عاشها منذ شبابه ، فأوباما كما يشير الكاتب قد عاش عشر سنوات فقط من شبابه إبان الحرب الباردة التى سادتها مفاهيم من قبيل الدمار المتبادل على عكس الفترة الحالية التى تسودها ظواهر الترابط والاتصال المتبادل بين مختلف أجزاء العالم.
أما هيلارى كلينتون فقد ولدت فى عام 1947 وعاشت فى فترة سيطرت فيها الانقسامات الأيديولوجية على العالم ، كما أن زوجها كان آخر مرة قام فيها بحملة انتخابية فى عام 1996 لإعادة انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأميركية ، فى هذه الفترة كان الانترنت يلعب دور هامشى فى مثل هذه المواقف ، ولم تستطع كلينتون الاستفادة من هذه التطورات الكبيرة فى وسائل الاتصال الأمر الذى كان عاملا مهما فى فشل حملتها الانتخابية .
أما أوباما Obama فقد نجح إلى حد كبير فى استخدام شبكة الانترنت لتحقيق عدد من الأهداف والتى كان على رأسها جذب مزيدا من التبرعات والأموال لتمويل حملته الانتخابية ، كما حقق ارتباطا كبيرا من خلال الشبكات الاجتماعية مع الشباب، كما مكنه الانترنت أيضا من أن يجتذب 1,276,000 متبرع لحملته الانتخابية و750,000 متطوع نشيط فى حملته. ففى شهر فبراير الماضى تمكن من جمع 55 مليون دولار كان منها 45 مليون دولار عن طريق الانترنت فقط.
التعليقات