نجلاء عبد ربه من غزة : المكان هو ذاته.. والعنوان لم يتغير، حتى مسبب الهجرة الأولى هو نفسه الذي يتسبب الآن في الهجرة الثانية، لكن التوقيت اليوم جاء بعد مرور أكثر من 61 عاماً من الهجرة الأولى للأجداد في فلسطين.
اليوم بعد هذا العدد من السنين، بدأ الشباب يعيش مرحلة أجدادهم عندما هاجروا من بلدات ومدن الـ 48 في الحرب التي سميت بنفس الإسم quot;حرب الـ 48quot; عندما هاجروا من تلك المدن إلى قطاع غزة حاملين معهم بعض الزاد والغطاء.. المشهد ذاته يتكرر منذ أربعة أيام سواء في المناطق الشمالية لقطاع غزة أو أقصى جنوبه، مرورا بكافة المناطق الحدودية المتاخمة لإسرائيل.
وتحولت عشرات المنازل في مخيم رفح وحي السلام على الحدود مع مصر، بين عشية وضحاها إلى أكوام من الركام، وفجعت مئات العائلات إما بفقد أبنائها، أو بعجزها عن توفير مأوى، وانشغل المئات في البحث عن حاجياتهم وأثاث منازلهم المدمرة من تحت الركام للرحيل إلى مكان مجهول، قد يكون مدرسة تابعة للوكالة أو منزل لأحد أقاربهم.. لكنهم بكل الأحول يعيشون اليوم ما عاشه أجدادهم منذ 61 عاماً.

وتقطعت السبل بالمواطن الفلسطيني خليل وادي الذي هرب من جحيم القذائف التي أطلقتها الطائرات الإسرائيلية صوب منازل الحدود مع مصر، فخرج الرجل وزوجته وأطفاله الخمسة دون أن يأخذ معه إلا القليل من البطاطين التي يعتقد أنها ستدفئه من برد فصل شتاء غزة القارص.

ولم يجد خليل وسيلة للتنقل غير عربة يجرها حمار للرحيل عن منزله الذي بناه بعد كدٍ وتعب، كما قال لإيلاف. وأوضح quot;المشكلة ليست في البيت، أعاني الآن من المكان الذي سأذهب إليه، هل أذهب إلى أخي وسط مدينة رفح.. ولو ذهبت عنده لأسابيع، فإن مقدرته على تحملي أنا وأطفالي وزوجتي ستضعف أمام عدم وجود ما يطعمه هو لأولاده أصلاً، في ظل عدم وجود دقيق في السوق وإغلاق معظم المخابز أبوابها أمام الناسquot;.

ويقول وادي قبل أن يتوجه إلى مستقر جديد quot;أفكر بأن أذهب إلى مدرسة للوكالة، على الأقل فإن وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين quot;الأونرواquot; ستوفر لنا ما نأكله، لكنني أخشى على مصيري ومصير أطفالي وزوجتي، خاصة بعد تعرض مدرسة الفاخورة غرب مدينة غزة للقصف ووقوع أكثر من 47 ضحية هناكquot;.
وتعيد الحاجة أم العبد (76 عاماً) وهي تتجه صوب وسط مدينة رفح، بعدما خرجت وأولادها وأطفالهم نحو بيت إبنها القرب من محافظة خان يونس، أقرب المدن نحو رفح، تعيد بالذاكرة إلى الهجرة الأولى من مدينة عسقلان. وتقول لإيلاف quot;نفس الشيء الذي حصل بنا في ذاك الفترة، يحصل الآن معي ومع أولادي وأحفادي، لكن اليوم أكثر رعباً وألماً، فالطائرات الإسرائيلية لم تستثني أحداً ولا منزلا ولا مسجداًquot;.
وأضافت quot;لقد هربنا من منازلنا في الـ 48 دون أن نأخذ معنا أي شيء غير بعض الأكل والملابس.. اليوم فعلنا نفس الشيءquot;.

وبات القصف الإسرائيلي المتواصل على كافة أنحاء قطاع غزة يشكل تخوفاً كبيراً عند الفلسطينيين المعرضة بيوتهم للتدمير من اللجوء إلى أي مكان يمكن قصفه في أية لحظة، الأمر الذي زاد من تفاقم المشكلة ذاتها التي وصلت أوجها في شمالي قطاع غزة وجنوبه.
وتقصف إسرائيل منازل الفلسطينيين فوق رؤوس أصحابها لإجبار من تبقى حياً من المناول المجاورة على مغادرة المكان دون أية تردد. وكانت إسرائيل قد ألقت مناشير فوق مدينة رفح تدعو كافة المنازل المتاخمة للحدود مع مصر بمغادرة منازلها فوراً تمهيداً لتدميرها بشكل كامل، الأمر الذي يعني مغادرة آلاف الأسر من بيوتها، وبالتالي سيزيد الأمور تعقيداً لهؤلاء الناس في إمكانية وجود بديل في وقت قريب.
وبدا حي السلام في رفح أشبة بزلزال مدمر أصاب أبنيته ولم تترك الطائرات الإسرائيلية منزلا فيه إلا دمرته وسوته بالأرض. ويقول شاب إسمه وليد من نفس الحي quot;غادرنا المنزل قبل قصفه بدقائق، لم نستطع إخراج شيء من حاجياتنا، وها نحن أصبحنا بلا مأوىquot;.
وقال محمد عبد الكريم لإيلاف quot;توقعنا أن تقوم الطائرات بالقصف على كافة المنازل، فغادرنا جميعا منازلنا، إلا أن ضحايا وقعوا نتيجة القصف العشوائي للحي بكامله. وأضاف quot;رجع العديد منا صباح اليوم التالي للبحث عن ملابسنا وحاجياتنا لنأخذها من تحت الركام، كان الأمر فظيعاً جدا ومرعباً بالنسبة لناquot;.
وقال احد العاملين ضمن فرق الإنقاذ التابعة للدفاع المدني في مدينة رفح quot;لم نر منذ بدء العدوان الإسرائيلي مشهدا كالذي رأيته في حي السلام.. فعشرات البيوت مدمرة عن بكرة أبيها، ورائحة الموت تنتشر في كل مكانquot;.
وأضاف لإيلاف quot;انتشلنا جثة من بين الركام، لكن مواطنون من الحي أبلغونا عن وجود عدد كبير من المفقودين، ولازلنا نبحث عنهمquot;.