القاهرة فقدت السلطة والشرعية أهم مفاهيم السياسة الخارجية
مستقبل دور مصر الإقليمي فى مهب الريح بعد حرب غزة

محمد حميدة من القاهرة: الجدل فى الخارج حول دور مصر الإقليمي لا يقل عنه فى مصر .. تصاعد هذا الجدل بشكل لافت فى الأيام الأخيرة ، خصوصا بعد الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة ، الأمر الذي عرض القاهرة لانتقادات حادة قبل العدوان وبدايته . وفى ظل هذه المتغيرات الأخيرة التي طرأت على الساحة الإقليمية بتفجر الأوضاع فى الأراضي المحتلة ، والساحة الدولية بانتخاب الرئيس الأميركي باراك اوباما ، تثور أسئلة حول مستقبل دور مصر الإقليمي فى المرحلة القادمة على صعيد القضايا المتنوعة وعلى رأسها النزاع الفلسطيني -الفلسطيني و الإسرائيلي -الفلسطيني ، ومدى قدرة مصر حول مواصلة هذا الدور .

ترى صحيفةquot; لوس انجلوس تايمزquot; الأميركية ان العلاقة بين حماس والحكومة المصرية توترت إلى حد الانهيار ، وأصيبت بأضرار بالغة ، لا يمكن إصلاحها بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة . و quot;بات الأمر غير واضحا ما إذا كان يمكن لمصر ان تستمر في لعب دور الوساطة التقليدية في الشؤون الفلسطينية quot;. وقالت الصحيفة ان حماس تعتقد ان مصر لا تقف على مسافة متساوية في إدارة الأمور بينها وبين حركة فتح ، لذا تواجه مصر اتهامات من قبل حماس بأنها تدعم الحملة الإسرائيلية على القطاع من خلال الاستمرار في إغلاق الحدود مع غزة . quot;بينما تتهم مصر حماس بالعناد وبأنها السبب فى معاناة شعب غزة باستيلائها على القطاع بالقوة وأنها ما هى إلا حركة إيرانية بالوكالة quot; .

وأضافت الصحيفة فى تقرير حمل عنوان quot;مصر تخسر دور الوساطةquot; ، ان القاهرة لعبت دورا فعالا كوسيط لعدة سنوات مع حماس من جهة ، والولايات المتحدة وإسرائيل وحركة فتح من جهة أخرى. لكن بدأت حماس تضغط على قطر لتولي دور الوسيط بدلا من مصر. وهو ما لم يكن على رغبة إسرائيل والولايات المتحدة ، مضيفة ان العلاقات الآن في الحضيض ، وإن كان بعض المراقبين يتوقعون استئناف علاقات العمل فى نهاية المطاف ، حيث انهquot; لا يوجد خيار سوى استئناف العلاقات quot;.

وقالت صحيفة quot;هيرالد تريبيون quot; الاسترالية ان سياسة مصر الإقليمية تعانى من مشكلات يرجع بعضها الى مواقفها تجاه إسرائيل من ناحية والطابع المتحفظ لهذه السياسة أحيانا من الناحية الأخرى ، الأمر الذي أتاح الفرصة لقوى إقليمية أخرى مثل إيران أن تتدخل وتفرض أجندتها وبالتالي تعريض مصالح عربية للخطر ،. وتوقعت الصحيفة تفاقم أزمة الدور المصري إقليميا في المرحلة القادمة مع تصاعد التدهور على الساحة الفلسطينية ، وخصوصا بعد انتهاء عام 2008 دون نجاح الجهود المصرية فى المصالحة بين حركتي حماس وفتح من جهة وفشل مساعي القاهرة لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة . الأمر الذي قد يكرس من انفصال الضفة الغربية وغزة وليس فقط حماس وفتح، وخصوصا إذا لم يتم إزالة جو عدم الثقة بين حماس ومصر.

وأضافت الصحيفة ان مصر قد تضطر الى القيام بشيء لا ترغبه بتصعيد خلافاتها مع حماس فى وقت يفرض عليها مواصلة الجهود التي بذلتها وما زالت تبذلها على صعيد القضية الأهم وهى السلام الفلسطيني -الاسرائيلى ، المتوقع ان يدخل مرحلة الجمود ، مع الفوز المتوقع لحزب الليكود الاسرائيلى فى الانتخابات القادمة ، وانشغال الإدارة الأميركية الجديدة بتركتها الثقيلة داخليا . quot;لكن اهتمام مصر بالسلام قد لا يحفظ لها دورا حقيقيا وخصوصا إذا تكرس الانقسام بين غزة والضفة quot;. وفى هذه الحالة حتى تتجنب مصر انحسار دورها إقليميا بشكل تام يجب عليها التحرك فى ساحات أخرى مثل العراق وان تجد لنفسها مكانا لمعالجة الاضطراب السياسي على الساحة العراقية للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة .

ويلقى الباحث السياسي quot;نائل شاماquot; فى مقالة بصحيفة quot;ايجيبت ديلى نيوزquot; باللوم على السياسة الخارجية المصرية بأنها وراء تراجع دور مصر الإقليمي ، مشيرا ان سياسة مصر الخارجية quot;تبدو أحيانا وكأنها نجم سينمائي كبير السنquot; ، الذي يبرر انحسار الأضواء عنه بإلقاء اللوم والاتهامات على الآخرين . وهو ما يفعله احمد ابو الغيط وزير الخارجية حاليا ، عندما قال ان الإيرانيين يسعون الى quot;فرض ونشر أيديولوجية خاصة بهم في المنطقة quot; باستخدام بطاقة القضية الفلسطينية. وحذر حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية من تأثير الإيرانيين الذين لم يقدموا شيئا للقضية الفلسطينية quot;ما عدا الكلمات الجوفاء والادعاءات التي لا أساس لهاquot;.

وأضاف الباحث quot;هناك دائما شماعة تلقى عليها مصر باللوم عن فشل سياستها الخارجية quot;. اتهمت سوريا بأنها السبب فى طول أمد الأزمة اللبنانية ، وأرجعت قرار الكونغرس الأميركي في عام 2007 بتجميد 200 مليون دولار من المساعدات الأميركية الى نفوذ اللوبي اليهودي ، وألقت باللوم على إيران بأنها سبب انهيار محادثات المصالحة الفلسطينية. quot;لكنه أمر خطير عندما يحل الكلام محل السياسة أو ان يكون مرادفا لها quot; ، في لبنان وقفت مصر باقتناع في مقاعد المتفرجين ، وتركت الملعب لعدد كبير من اللاعبين الدوليين والإقليميين ، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وسوريا والسعودية وإيران و قطر. أعطت للسعوديين الضوء الأخضر للتدخل فى الأزمة باسم الأنظمة العربية المعتدلة . بينما موقفها تجاه الفصائل الفلسطينية المتنافسة تميز بعدم المرونة والانحياز ، والنتيجة مزيد من النقاط فى سلة الفشل.

ويعتبر الباحث مفاهيم السلطة والشرعية فى غاية الأهمية لسياسة البلاد الخارجية ، ولكن القيادة المصرية من وجهة نظره حريصة على ان تفقد كليهما . اولا ، بإلقاء اللوم على الأطراف الأخرى وهو كما يشير quot;نهج تهزم نفسها بنفسها به لأنه اعتراف جوهري بأن الخيوط الهامة تسيطر عليها الأطراف الأخرى، الأمر الذي يفضح قلة الحيلة quot; . لذلك عندما تتهم مصر إيران بتخريب المصالحة الوطنية في فلسطين، فإنها تعترف ضمنا بأن أي تطور على الملف الفلسطيني لن يتحقق دون موافقة هذا الأخيرquot;. ثانيا، الشرعية في نظام اى دولة عربية تستمد من نصرة قضايا العرب والوقوف إلى جوار العالم العربي . لكن كما يقول الباحث quot;خسرت مصر ذلك عن طيب خاطر بنهجها المنفرد مع إسرائيل و التقارب مع الولايات المتحدةquot;. وقد حاولت مصر فى الثمانينات والتسعينات استعادة الشرعية بالعودة الى حظيرة الدول العربية والتوسط لحل القضية الفلسطينية ، وquot;لكن التزامات تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة كشف عجز حاد في شرعيتها أكثر من مرةquot; .

ويشير الباحث ان خزائن شرعية مصر أصبحت فارغة اليوم أكثر من أي وقت مضى. quot; انها تخدم مصالح النظام فقط ، خالية من اى مشروع او دور quot;وطنيquot; يمكن أن تعززه على المستوى القومي quot;. ومثل التاجر المفلس عندما يبحث فى دفاتره القديمة لسداد ديونه ، لا تفعل مصر شيئا الا ان تذكر الآخرين ب quot;الماضيquot; وتضحياتها من اجل القضايا العربية ، كاشفه بشكل أحمق عدم شرعية سياساتها الحالية . وكما هو معروف في العلاقات الدولية ، السلطة يمكن أن تعيش من دون شرعية ، والشرعية يمكن أن تعيش بدون سلطة ؛ لكن الافتقار الى الاثنين بمثابة كارثة.