عندما تختلف معايير الانتصار تختل مفاهيم الهزيمة:
حرب غزة تدخل مرحلة جني الغنائم السياسية
خلف خلف من رام الله:
تقاس جدوى العمليات العسكرية في الغالب من زاوية الكلفة ndash; المنفعة، ولذلك فإن كل قذيفة تنهمر على قطاع غزة تحمل في داخلها الموت المجاني، وخلفها كذلك أهداف سياسية وعسكرية في محاولة لتقليص الفجوة بين المصالح والقدرة على تحقيقها، بمعنى آخر القتال على الأرض ليس سوى أداة ستستخدم في نهاية المطاف لإنهاء المعارك والتوصل للحسم السياسي الذي لن يميل بالطبع لكفة المهزوم، ولكن هذه المعادلة تبدو مركبة وشائكة في الحرب الدائرة بين المقاتلين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي منذ ما يقارب الأسبوعين، فلكل طرف حساباته الخاصة ومعايير انتصاره.

فمثلاً تتمسك حركة quot;حماسquot; ومعها نظيرتها من الفصائل الفلسطينية في غزة في استمرار إطلاق صواريخها تجاه بلدات إسرائيل الجنوبية، وترى في ذلك إستراتيجية ما دامت فاعلة، فإن الخصم أخفق في تحقيق أهدافه التي شن الحرب على القطاع لأجلها، والإخفاق يعني الفشل، وهما كلمتان مرتبطتان بالهزيمة.
وينوه قادة هذه الفصائل والناطقين باسمها أن إسرائيل لم تنجح سوى في قتل المدنيين والأبرياء وتدمير البنى التحتية، بينما المقاومة بخير. بحسب المصادر الطبية وصل عدد الفلسطينيين الذين قتلوا في غزة نحو 800 أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء.
على الجانب الآخر، الرواية الإسرائيلية تبدو مختلفة تمامًا، إذ يواصل قادة جيشها وسياسيوها التأكيد على أن حركة quot;حماسquot; تلقت ضربة قاصمة. وبزعم الناطق باسم الجيش الإسرائيلي افي خاي ادرعي فإن 400 من المسلحين الفلسطينيين قتلوا خلال المعارك وهذا يعني أكثر من كتيبة، ويقول ادرعي: quot;حماس هزمت في جميع المعارك التي خاضتها مع جيشناquot;.
لكن على الأرض يوجد ما يناقض هذه الرواية، فالقتال عنيف، وجيش إسرائيل المسنود بالطائرات والدبابات يتقدم ببطئ شديد، ويخشى على ما يبدو حتى اللحظة من التورط داخل مدن غزة، لذلك تحاول تل أبيب الانتظار والتأني، ووضع ثقلها حاليًا على الجانب الدبلوماسي والعسكري من أجل إنجاز اتفاق إقليمي، يضمن تكبيل أيدي حركة حماس، وربما نزع سلاحها، وتنطلق إسرائيل في هذه المطالب على اعتبار أنها المنتصرة في الحرب، وجيشها المسيطر على الأرض.
المحلل السياسي الفلسطيني بلال الشوبكي، يقول لـquot;إيلافquot;: quot;حماس ترى نفسها منتصرة حتى اللحظة، وموقفها مبرر، خاصة أن إسرائيل لم تحقق أي انجاز على صعيد إضعاف حركة حماس، كل ما فعلته، أنها زادت الكره والحقد عليها في كل بيت فلسطيني، ولذلك إذا ما انتهت الحرب في هذه المرحلة، فإن حماس ستحاول استثمار نتائجها للضغط من اجل فتح المعابر، وسيساندها في ذلك الموقف الشعبي العربي والإسلامي، وضعف الموقف الرسمي المصري. إضافة لذلك فإن انتهاء الحرب دون إضعاف حماس، يعني أن حماس ستستثمره داخليا، من اجل الدفع نحو توحيد الصفوف دون شروط أبو مازنquot;.
ويتابع الشوبكي: quot;إسرائيليًا، الأمر بات محرجًا جدًا للقيادة في مختلف الأحزاب، فصرخات ليفني في القاهرة، كفى حماس كفى، لم تأت بنتيجة واضحة حتى بعد أن أتبعت تلك الصرخات دوي طائرات ألاف 16. الآن إسرائيل ستحاول خلق أي انجاز تقدمه للجمهور الإسرائيلي. وإلا فإن موقفها سيكون ضعيفا جدا. أمام إسرائيل طريق واحد يخرجها جزئيا من المأزق، وهو أن تساوم العالم على الانسحاب من غزة مقابل ضمان عدم سيطرة حماس على الحدود، وهذا قد يرضي المجتمع الإسرائيلي نوعا ماquot;.
كما أن تل أبيب بحسب العديد من الخبراء والمراقبين تدرك جيدًا أنه لا يمكنها القضاء على حماس بصفتها حركة أيدلوجية التكوين، ولذلك سارعت إلى سحب هذا الهدف الذي رفع بداية الحملة العسكرية ضد غزة، واستبدله الساسة الإسرائيليون بشعار quot;تغيير الوضع في الجنوبquot;، وهو تعبير فضفاض، يراد من خلاله عدم تكرار التجربة مع حزب الله عام 2006، إذ شنت إسرائيل حربا على لبنان، تستهدف إعادة جنديها الأسيرين، ولم تفلح في ذلك، فاضطرت في النهاية إلى الرضوخ لمطالب حزب الله المتمثلة بصفقة التبادل.
نهاية القول إن الجهود الدبلوماسية المتواصلة على قدم وساق من أجل تحقيق وقف لإطلاق النار، ستواصل حماس وإسرائيل التشدد حيالها وربما رفضها مبدئيًا، لتحقيق أكبر عدد ممكن من المكاسب والأرباح، وكذلك من أجل الظهور بمظهر المنتصر والممسك بأوراق اللعب في يديه.
إذ أن حماس تؤكد أن الخراب والدمار وعدد القتلى الذي سقط في غزة لا يمكن أن يسمح بإعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقًا، بل لا بد من رفع الحصار وفتح معابر القطاع. ومن ناحيتها، تشدد إسرائيل على أن جيشها يسيطر على الأرض، ولن يتراجع دون أتفاق يضمن أمن مواطنيها في الجنوب، ويمنع تهريب السلاح إلى غزة. وهذه المعادلة ستبقى قائمة ما دام أي طرف ليس قادرًا على فرض إراداته العسكرية على الآخر، وهو ما لا يبدو ممكنًا، لطبيعة الصراع ومحدداته، لا سيما امتداداته الخارجية، وبالأخص الإقليمية.