اتفاق على اختلاف الخلف عن السلف
التونسيّون يستشرفون سلاماً في المنطقة ولا يأملون ديمقراطية من أوباما

إسماعيل دبارة من تونس: يترقّب التونسيون نخبا وعامّة تسلّم باراك أوباما لمنصبه كرئيس للولايات المتحدّة،وسط حذر من برنامجه السياسيّ وآمال كبيرة بأن تشهد فترته قطعا نهائيا مع سياسات سلفه جورج ولكر بوش التي لم تكن بالنسبة إليهم طيبّة أو مأسوفا عليها. quot;إيلافquot; من تونس اختارت طرح بعض الأسئلة حول الرئيس الجديد لزعيمة النظام العالميّ ،على مثقفي البلاد و بعض المواطنين العاديين فحصل شبه إجماع على أنّ الرئيس الجديد سيُغيّر بشكل ملحوظ من سياسات البيت الأبيض تجاه أمهات القضايا العربيّة، مقابل تباين في الآراء حول تفاصيل تمشيه بخصوص مشاكل الشرق الأوسط و الخليج العربيّ و قضايا الديمقراطية و الحريات و حقوق الإنسان.

وذهبت توقعات المواطن التونسي في معظمها إلى القول أنّ لأوباما من ملفات داخلية ساخنة -على رأسها الأزمة الاقتصادية - ما يشغله عن مشاكل العرب التي لا تنتهي ، لكن ذلك لا يعني أنه لن يبذل مجهودا بنوايا صادقة لإزالة أسباب الحقد والبغض تجاه بلاده ومن ذلك العمل على إيجاد تسوية ترضي الطرفين المتنازعين في الأراضي المحتلّة.
ولا يتوقّع من تحدث معهم quot;إيلافquot; أنّ أوباما معنيّ بنشر الديمقراطيّة في العالم العربي إن كان ذلك على حساب امن الولايات المتحدة القوميّ ، فالرجل لن يكون سببا في وصول تيارات أصولية إلى الحكم في الدول العربية.

السفير التونسيّ السابق لدى الأمم المتحدة أحمد ونيّس يرى أنّ الأنظمة العربيّة في الفترات السابقة إمّا سعت أو تمكنت من ربط علاقات بناءة مع أميركا ،فهي لم تتخلّ يوما عن التعامل الايجابيّ مهما كان برنامج الرئيس الأميركيّ المنتخب. وبالرغم من اندفاع هذه الأنظمة نحو محاولة إيجاد حلول للقضيّة الفلسطينيّة والسلام في الشرق الأوسط فإنها لم تنجح أبدا في إقناع البيت الأبيض بتبنيّ سياسات سلمية تتماشى وروح القانون الدولي وتقوم على التسويات والسلام.

لذلك يرى ونيّس أن الدول العربية أخفقت مع الولايات المتحدة في هذا الجانب. الهجوم على غزّة اثبت أن جورج بوش كان عامل فتك ، وقضى على صورة الولايات المتحدة و على سلامة النظام العالميّ الجديد لدى الشعوب العربيّة ، وأوباما سيحمل بالتأكيد عهدا جديدا سيكون واعدا وخارجا عن ثقافات الزعامات العربيّة.

ويرى أحمد ونيّس وهو أستاذ في العلاقات الدوليّة كذلك ،أنّ قمم كل من الدوحة والكويت كانتا واعدتين بالنسبة إلى وحدة الصفّ العربي وهذا ما نلمسه في البيانين الختاميين، فالقادة العرب وقوفا و استدركوا وحاولوا مراجعة الذات و البحث في هموم مواطنيهم الحقيقيّة،وهو ما سينعكس على السياسة الديبلوماسية المطروحة مع الرئيس أوباما و سيصبّ كلّ ذلك في مزيد التنمية السياسية للعالم العربي وتغيّرا جذريا لعقلية تعامل الأميركان مع قضايا الشرق الأوسط.

ويتفاءل السيد أحمد ونيّس الذي شغل منصب مدير عام في وزارة الشؤون الخارجية التونسية و أوكلت له مهمة متابعة شؤون الولايات المتحدة و آسيا، من تصريحات باراك أوباما التي ذكر فيها أنّ السلام في الشرق الأوسط سيكون من أولوياته كرئيس للولايات المتحدة.فهو يدرك أوضاع المنطقة أكثر من غيره وبالتالي سيعمل جاهدا للدخول في منهجية جديدة ومخالفة للمألوف في هذه القضية مستفيدا من أهمية تقرير quot;بيكر وهاملتونquot; الصادر في 2006 و الذي عبر عن اعتقادات قوية للحزبين الرئيسين في أميركا وقدّم رؤية وتصورات و آليات لطرائق حلّ النزاعات في الشرق الأوسط.

و سيركّز أوباما بحكم عقيدته الشخصية و المراكمات التي كسبها من إخفاقات الإدارات السابقة على أسلوب التفاوض مباشرة مع الخصم عوضا عن محاولة عزله و استعمل القوة وهو ما أشار إليه لما عبّر عن رغبته في محاورة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مما يطرح آمالا حقيقية برغبة الرجل في إقامة سالم دائم وعادل في المنطقة.

القضية الأهمّ ربما لدى الشعوب العربية عموما و التونسيين خصوصا، مسالة نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان و إطلاق الحريات، كانت حسب ونيّس في أوجها في عهد بوش الذي أعلن عما يُسمى بالشراكة من أجل المستقبل التي أطلقت في 9 جوان / يونيو من العام 2004 في جورجيا بالولايات المتحدة بمناسبة انعقاد قمة مجموعة الثماني وحرص كولن باول بعدها على تطبيق هذه الشراكة لكنّ خليفته رايس ألغتها تماما وهي نكسة لمطالب الحرية والديمقراطية في العالم العربي.

فكوندوليزا رايس علقت هذا الملف نتيجة مساومة واضحة المعالم مع الزعماء العرب قوامها المساعدة في الحرب على الإرهاب مقابل التكتم عن موضوع الحريات و مشاركة المرأة و القضاء على الفساد و تعصير برامج التعليم في الدول العربية وغير ذلك ممّا طرحه بوش الابن. ولأن كل تلك الوعود ذهبت أدراج الحرب على الإرهاب ، فإن الأستاذ ونيّس يطالب هنا مثقفي العالم العربي بإعادة إحياء تلك الشراكة مع المجتمع الأميركي الذي وصفه بالديمقراطي و العظيم حتى تكون الشراكة من أولويات أوباما و ليست شيئا هامشيا بالنسبة لفترة حكمه.

الرئيس السابق للجنة العربية لحقوق الإنسان الدكتور منصف المرزوقي بدا أكثر تشاؤما وهو يستشرف فترة حكم الرئيس أوباما و تداعياتها على العرب و اعتبر أنّ التغير الذي سيطرأ بين الإدارتين سيكون في الأسلوب فقط لا في المضمون ويقول لإيلاف:quot;الرجل نفسه حذّر من المبالغة في التوقعات والآمال العريضة لكن بعض العرب لا زال شعارهم quot;سبّق الخير تلقى الخيرquot; والحال أنه في السياسة لا شعار أسخف من هذا، فسياسة الولايات المتحدة لا تخضع لإرادة شخص وإنما لمصالح جبارة يقودها ما أسماه الرئيس أيزنهاور وما حذر منه الأميركيين quot;المجمع الصناعي العسكريquot; وهذا المجمع هو الذي فرض بقاء روبرت قايتس في وزارة الدفاع رغم أنه من المعارضين لخيار الانسحاب السريع من العراق. كذلك لا ننسى أن اوباما يريد فقط نقل القوات من العراق إلى أفغانستان.quot;

و استنادا إلى المرزوقي فإنّ الانحياز الكلي لإسرائيل هو من ثوابت السياسة الأميركية لثلاثة أسباب هيكلية لخّصها في :quot;التماهي في نفس أسطورة الشعب المختار الذي أعطاه الله أرضا وعمرها بقوة السلاح ضد سكان أصليين متخلفين و وزن اللوبي الصهيوني في الإعلام ودوره في انتخاب أي رئيس أميركيّ بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية الضخمة الناجمة عن نهب بترول الشرق الأوسط وضرورة دعم الحراس المحليين لتتواصل العملية أي إسرائيل والنظام العربي الفاسد.

ويتابع:quot;كل هذه الأسباب تجعل من يتصور انقلابا في المضمون يتوهم. لكن سيكون هناك بعض التطوّر في الأسلوب مثل غلق quot;جوانتاناموquot; أو العودة لموضوع الدولة الفلسطينية لكن دوما بشروط إسرائيل. وحول ملفّ نشر الديمقراطية في العالم العربي، يرى المرزوقي وهو معارض تونسي بارز أنّ مواصلة دعم الدكتاتوريات العربية أمر غير مشكوك فيه لسبب بسيط هو أن هذه الدكتاتوريات أكثر ملائمة للمصالح الأميركية من أنظمة ديمقراطية تمثل شعوبها و من ثم تدافع عن مصالحها وبالتالي تجد نفسها في مواجهة مع مصالح quot;المجمع الصناعي العسكريquot;.

لذلك لا يجب أن يرتكب العرب أي غلطة تقدير إضافية فالديمقراطية العربية لن تكون بفضل الحكومات الغربية ومنها إدارة أوباما وإنما ضدها. حليفنا الوحيد المجتمعات المدنية الغربية ومنها الأميركي شريطة أن نعمل كثيرا لكسبه واستعماله ضد اللوبيات التي تشتغل بنشاط ضدّ حقوقنا. ويختم قائلا:quot;بقدر ما انأ متشائم على الصعيد السياسة الخارجية بقدر ما أتوقع أن يقوم الرئيس الجديد بإصلاحات داخلية مهمة مثل إصلاح نظام الضمان الاجتماعي.فأوباما سيكون أحسن بألف مرة من بوش الذي كان كارثة في الداخل والخارج على حد السواء.