كامل الشيرازي من الجزائر: وصلت، اليوم، ثالث دفعة من العوائل الجزائرية المقيمة بقطاع غزة بعد إجلائها عبر معبر رفح إلى مطار العريش بمصر، وبلغ عدد هاته العوائل 57 شخصا، ليرتفع عدد العائدين إلى 149 شخصا بعد أن استقبلت الجزائر 92 شخصا خلال الأيام الماضية، في وقت أعلنت الحكومة الجزائرية عن تجنيد 50 طبيبا نفسانيا من أجل التكفل النفسي بالعائلات وأطفالها.

وكانت الدموع الميزة الأساسية والقاسم المشترك الذي جمع جل العائلات الجزائرية المقيمة بقطاع غزة، كان ذلك حال السيدة فتيحة رفقة أطفالها الثلاثة والتي ظلت الدموع ترسم تقاسيمهم، وقالت السيدة فتيحة المقيمة بأبراج الندى شمال غزة quot;إنها دموع الفرح ممزوجة بالحزن الذي أضحى جزءا مناquot; مضيفة بنبرات متقطعة تحت ثقل الوجع الذي ألم بسكان غزة جميعهم quot;لم أكن متأكدة أنني سأعيش يوما إضافيا فكيف بي الآن وقد عدت إلى أرض الوطن إنه كالحلم الذي لم أفق منه بعدquot;.

فتيحة لم تفضل القدوم إلى بلدها الأصلي والتخلي عن زوجها الذي لازال في القطاع، غير أنه بعد الدمار الذي لحق بمنزلها، أقنعها زوجها بحتمية العودة إلى الجزائر ضمانا لحياة أطفالهما، فلم تحتج السيدة فتيحة خلال سفرها إلى حقائب ضخمة لحمل أدواتها ما عدا كيسا من البلاستيك احتوى على بعض الوثائق الرسمية التي تمكنت من إنقاذها بعد الخراب الذي ألم بمنزلها والذي دمر عن كامله لحد صعب تحديد معالمه.

كما نقلت السيدتان نعيمة وأسماء، كوابيس البحث عن مكان آمن الذي لم تجدانه في أي مكان حتى في المدارس التي كانتا تلجأن إليها رفقة العديد من جيرانهما، بينما علّقت الحاجة حسنى ذات 60 سنة، وهي تحمل علامات القهر في ملامحها، أنّ ما تحمله بين جنبيها من قلب صلب مكنّها من الدفع بزوجها لخوض غمار المقاومة.
وتميزت السيدة quot;رشيدة عبد الدايمquot; القادمة من بيت حانون بكثرة حركتها مستفسرة عن إمكانية جلب زوجها الذي بقي في قطاع غزة بالرغم من إصابته الشديدة، وسردت قصة معاناتها والتي لا تشبه كل القصص، فهي من أقساها وأشدها من حيث أنه لا يمكن لأي إنسان كما ذكرت، أن quot;يتحمل ضراوة الأيام التي قضتها مثل سكان غزة تحت القصف بأشد وأفتك أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دولياquot;.

وبصوت منهوك، مدت السيدة رشيدة يدها المرتجفة إلى محفظتها وطال بحثها على شيء عزيز بين ثناياها لتجد أخيرا أصابعها المتعبة ما كانت تبحث عنه إنها شظايا القنابل الفسفورية التي اخترقت جسد زوجها والتي احتفظت بها لتكون شاهدة على بشاعة الهجوم الإسرائيلي.

من جانبها، لم يكن حال quot;رقية جيلايليquot; وهي أم لخمسة أطفال بأحسن حال من مواطناتها، إذ قصت اليوم الذي لا يمكنها أن تنساه، وهو ذاك الذي ذهب فيه التلاميذ لاجتياز امتحاناتهم الدراسية، غير أنهم بدل أن يجيبوا على أسئلة الامتحان، أضحوا هم من وضع أسئلة عن سبب استهدافهم من طرف الإسرائيليين.
وتضيف رقية:quot; عاش أطفالنا ما لم يروه حتى في أبشع أفلام الرعب التي تبث في التلفاز فباتوا محطمين كلياquot;، واستدلت بصور لا تزال عالقة في ذاكرتها خاصة بالقنابل الفسفورية التي كانت تطلق ضوءا كثيفا ومسامير تغرز في الجسم كما تتسبب في جروح تتوسع دون توقف في حال عدم تعريضها إلى الماء.
وأبدى أطفال تحدثوا إلى quot;إيلافquot; رغبة ملّحة في العودة إلى غزة، رغم كل ما عانوه هناك، وبرّر أيوب (13 سنة) ذلك بكونه ترك ذكرياته الطفولية في أرض فلسطين، وهو ما جعل الطبيب النفساني quot;عبد الرحمان ديديquot; يؤكد على أنّ محادثاته مع بعض الأطفال بينت له أنّ حالتهم تستدعي quot;التكفل الفعلي والفعال بهمquot;، تبعا للصدمات النفسانية والجسدية التي لحقت بهم، معددا محاذير العزلة والانطوائية الآنية إضافة إلى حالات التبول اللاإرادي، وكذا التأتأة والنسيان وهي حالات تتطلب مثلما قال quot;إعادة بناء نفسي لحالاتهمquot;.