إسطنبول: تقول الجالية اليهودية بتركيا التي يرجع وجودها هناك إلى قرون مضت أنها تشعر بالقلق بسبب المشاعر المعادية للسامية التي ظهرت خلال الإحتجاجات على الحملة التي شنتها إسرائيل على غزة وتتساءل كيف يعكس هذا وضعها في الجمهورية التي يغلب على سكانها المسلمون. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ندد بمعاداة السامية فان اليهود في تركيا وما بعدها يعتقدون أن اللغة التي استخدمت اثناء الصراع أعطت رخصة ما لترجمة الغضب من تصرفات اسرائيل الى كراهية عنصرية.
ويأتي تزايد المشاعر المناهضة لليهود في وقت يشهد تصاعدا في النزعة القومية في تركيا التي أنحي باللائمة عليها في جرائم قتل عدد من المسيحيين في الاعوام القليلة الماضية حيث يقاتل المتشددون ضد هؤلاء الذين يكافحون من أجل مجتمع اكثر تنوعا ومتعدد الاعراق.
ويعيش نحو 24 الف يهودي في تركيا مما يجعل جاليتهم هناك واحدة من اكبر الجاليات اليهودية في دولة يغلب على سكانها المسلمون كما أن علاقاتهم مع الحكومة كعلاقات الاقليات الاخرى اختبار لاستعداد تركيا للانضمام لعضوية الاتحاد الاوروبي. وكتبت ليلى نافارو الاكاديمية التركية اليهودية في صحيفة راديكال quot;أشعر بالقلق والحزن والخوف على نفسي وعلى مستقبل بلادي التي تميل نحو العنصرية.quot;
وفي حين تقدم تركيا رسميا على أنها خليط من الثقافات والشعوب قالت نافارو ان هذا شعار سياحي أجوف في البلاد التي فرض فيها تعريف صارم للهوية التركية من أعلى منذ تأسيس الدولة عام 1923. وقالت الجالية اليهودية بتركيا التي أصدرت بيانا محايدا مع بدء الصراع في غزة انها لم تشهد اي شيء قط مثل معاداة السامية التي ظهرت في ظل اشتعال الغضب الشعبي بشأن معاناة الفلسطينيين.
ومما يعزز مخاوفهم أن اليهود قد تمت مهاجمتهم في تركيا من قبل. وفي نوفمبر تشرين الثاني عام 2003 انفجرت شاحنات ملغومة امام معبدين يهوديين في اسطنبول مما أسفر عن مقتل 24 شخصا معظمهم من المسلمين. وأعلنت خلية تركية لها صلات بتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن هذه التفجيرات.
وبعد خروج الاتراك في احتجاجات جماعية حيث ارتدى كثير منهم عصابات الرأس التي يرتديها عناصر حركة حماس يحملون لافتات تظهر جثث الاطفال الفلسطينيين المشوهة او دمى مغطاة بدم مزيف بدأت مقالات مفعمة بالكراهية مناهضة لليهود تظهر في بعض الصحف التركية وأصبحت الكتابات على الحوائط التي تعبر صراحة عن معاداة السامية شائعة.
ووصف اردوغان العمليات الاسرائيلية التي نفذت بهدف وقف الهجمات الصاروخية التي تشنها حماس عبر الحدود بأنها quot;جريمة ضد الانسانيةquot; منتقدا ما اعتبر أنه قوة مفرطة واقترح أن يتم سحب عضوية اسرائيل من الامم المتحدة. وأصاب خطابه اسرائيل بالصدمة التي هي في المعتاد حليف وثيق وقد فسره البعض بأنه محاولة لتعزيز الدعم قبل الانتخابات المحلية التي تجري في مارس اذار في ظل تعاطف الناخبين الشديد مع الفلسطينيين.
وفي رسالة مفتوحة الى أردوغان مؤخرا أبلغته مجموعة من خمس منظمات يهودية امريكية أن اليهود يشعرون بأنهم محاصرون ومهددون وأضافت quot;هناك صلة واضحة بين الانتقاد الملتهب لاسرائيل من قبل المسؤولين الاتراك وتصاعد معاداة السامية.quot;
وفي حين تقول الجالية اليهودية بتركيا ان رسم الصليب المعقوف وهو شعار النازية بحجم ضخم قبالة القنصلية الاسرائيلية في اسطنبول او دهس الشعارات اليهودية بالاقدام وحرقها على الارجح من عمل محرضين متطرفين فانها تضيف أن الرسائل التي تصدر عن الحكومة والتفكير الذي يعكسه هذا تثير أعصابها.
ومن الامثلة التي ضربتها قرار أصدرته وزارة التعليم بأن تقف المدارس حدادا على الاطفال القتلى في غزة. وقالت احدى عضوات الجالية اليهودية ذكرت أنها تشعر بدرجة من القلق لا تسمح بنشر اسمها quot;وزارة التعليم رأت أن من الملائم زرع فكرة أن اسرائيل شر في رؤوس الاطفال. اطفال المواطنين الاتراك من اليهود والذين لا علاقة لهم بغزة يستهدفون الان من قبل الاطفال الاخرين.quot; ويخشى بعض اولياء الامور اليهود من اصطحاب اطفالهم الى المدرسة.
ولحزب العدالة والتنمية الحاكم بتركيا جذور اسلامية ومعظم ناخبيه من معقله الذي يغلب عليه المتدينون في الاناضول. وقد أثار غضب المؤسسة العلمانية بسبب ما يقول منتقدون انها حملة خفية لاسلمة البلاد البالغ عدد سكانها 70 مليون نسمة.
وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية قدم تنازلات فيما يتعلق بحقوق الاقليات ومنها انشاء قناة تلفزيونية وطنية تبث ارسالها باللغة الكردية فان غير المسلمين او أصحاب التراث غير التركي يقولون انهم يواجهون تمييزا. ومعظم يهود تركيا من نسل يهود السفارديم الذين فروا من محاكم التفتيش الاسبانية قبل نحو 500 عام الى الامبراطورية العثمانية المتعددة الاعراق. ورحل الالاف في ظل انعدام الاستقرار السياسي عند تأسيس الجمهورية التركية العلمانية لكن من بقوا لهم نشاط في جميع دروب الحياة.
وفي حي جالاطا التاريخي في اسطنبول توجد المعابد اليهودية الصغيرة الى جانب المساجد والكنائس في شبكة الشوارع الخلفية الصغيرة. ويعمل عمال مسلمون في مطعم للكوشر او الطعام المعد بما يتلاءم مع تعاليم الديانة اليهودية وهو مفتوح منذ 50 عاما.
لكن المباني اليهودية موضع حراسة من الشرطة منذ زمن طويل كما تخضع لاجراءت أمنية مشددة ويعمل الناس على عدم لفت الانتباه الى أنفسهم. ويبتسم مسن يهودي وهو يظهر كيف يخفي غطاء الرأس اليهودي الخاص به أسفل قبعة في الشارع. وأضرت المزاعم بمعادة السامية بالحكومة.
وصرح احمد داووتوغلو مستشار اردوغان للسياسة الخارجية للصحفيين خلال مؤتمر صحفي عقد مؤخرا بأنه quot;منذ القرن الخامس عشر كانت تركيا ملاذا امنا لجميع الجماعات الدينية... ليست هناك حالة واحدة لمعاداة السامية في تركيا.quot; لكن تكرار المسؤولين للحديث عن ترحيب الامبراطورية العثمانية باليهود مجرد كلام أجوف بالنسبة للجالية الحالية.
وكتبت نافارو تقول quot;أمازلت مدينة لان السلطان العثماني قبل أسلافي.. هل ما زلت ضيفة في هذه الارض التي نشأت فيها وأنا أقوم بواجباتي كمواطنة وأسهم بنشاط في تنميتها..quot; ودفع هذا المقال الرئيس التركي عبد الله جول الى طمأنة نافارو بأنه متفهم لبواعث القلق لديها وأنه منزعج بسببها. وقالت امرأة يهودية تركية quot;نحب هذه البلاد ولن نريد أن نكون في أي مكان اخرquot; مضيفة أن هذا الخوف على المستقبل يرجع الى هذا الارتباط العاطفي تحديدا. وأضافت quot;انني أحاول أن أحتفظ بثقتي في الاغلبية ذات العقلية المتفتحة من الشعب التركي.quot;
التعليقات