حققت القوة في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني اكثر من المحادثات سواء في أوسلو ام المفاوضات مع سوريا

عبدالاله مجيد: نشرت صحيفة نيويورك تايمز تحليلا اخباريا يتناول الوضع في الشرق الأوسط بالارتباط مع الخيارات المتاحة لتحقيق السلام بين استخدام القوة وفرص الدبلوماسية. وجاء في التحليل: فيما تحاول ادارة الرئيس الأميركي باراك اوباما التوسط في ايجاد حل للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني ثمة حقيقة مرة متربصة هي ان القوة حققت نتائج أوضح في هذا النزاع مما حققته المحادثات.

قد تثبت نتائج العنف كونها قصيرة العمر وربما ذات مردود عكسي. إذ من المرجح ان تتصاعد ادانة اسرائيل وحركة quot;حماسquot; بعدما صوت مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان لصالح تقرير يتضمن أدلة مفصلة على وقوع جرائم حرب في غزة.

لكن الحقيقة الماثلة في ان الحرب يمكن ان تكون مجدية ، تقوم بدور حاسم في نزاعات المنطقة المزمنة. وعاد بعض الفلسطينيين الى الحديث عن الكفاح المسلح ، ويتابع مسؤولون اسرائيليون سلسلة من الساعات التي تنذر عقاربها بأن الوقت ينفد فيما هم يفكرون في القيام بعملية عسكرية أخرى ضد ايران.

الثمار المقطوفة من استخدام القوة في الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين تتبدى واضحة. فان اسرائيل لم تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية وتبدأ التفكير في حل الدولتين إلا بعد الانتفاضة الفلسطينية الاولى في اواخر الثمانينات ، ولم ترحل عن غزة في عام 2005 إلا بعد الانتفاضة الثانية.
في هذه الأثناء يبدو العقد الماضي بنظر الكثير من الاسرائيليين نموذجا لتسيد العمل العسكري على الدبلوماسية.

فمن خلال عمليات لا هوادة فيها لقوات الكوماندو والكثير من حواجز التفتيش أنهى الجيش الاسرائيلي التفجيرات الانتحارية وغيرها من الأعمال الارهابية التي كانت تنطلق من الضفة الغربية. ومنذ حرب اسرائيل مع حزب الله اللبناني في عام 2006 ، التي عُدت على نطاق واسع فشلا منيت به في حينه ، لم يطلق الحزب صاروخا واحدا على اسرائيل. واسفرت عملية اسرائيل ضد غزة في كانون الأول/ديسمبر الماضي عن الحد بدرجة كبيرة من نيران الصواريخ التي تطلقها quot;حماسquot; لتعيد ما يشبه الوضع الطبيعي الى الجنوب الاسرائيلي.

وقبل عامين دمرت الطائرات الحربية الاسرائيلية ما تقول اسرائيل والولايات المتحدة انه كان مفاعلا سوريا قيد الانشاء ، وفي العام الماضي اغتال عملاء اسرائيل في سوريا عماد مغنية ، المسؤول العسكري في حزب الله الذي كان حلقة وصل بالغة الأهمية مع رعاة الحزب الايرانيين ، وذلك في ضربة موجعة لحزب الله وايران على السواء.

على النقيض من ذلك كانت حصيلة الجهود الدبلوماسية ضئيلة ، سواء محادثات اوسلوا من اجل السلام في التسعينات أو المفاوضات مع سوريا في السنوات الأخيرة بوساطة تركية.

كانت كل عملية عسكرية نفذتها اسرائيل في السنوات الأخيرة ، بما فيها اجتياح غزة في كانون الأول الماضي ، تلقى انتقادات دولية. ويُنظر اليها كلها اليوم في اسرائيل باعتبار ان الحكم عليها كان متسرعا وغير عادل لكنها حققت الغرض المنشود ـ الحفاظ على أمن اسرائيل من خلال الردع.

قد تكون النجاحات العسكرية ذات قيمة محدودة بطبيعة الحال ـ انتصار في معركة وهزيمة في الحرب. ولعل الفلسطينيين طردوا اسرائيل من غزة ولكن المآل انتهى بهم الى العيش داخل شبكة واسعة من الحواجز والمخافر العسكرية للاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربة وتحت حصار قاس في غزة.

بالنسبة لاسرائيل فهي أكثر أمنا وهدوءا وازدهارا من أي وقت مضى لكنها تواجه أزمة دبلوماسية حادة. وكما تبين الزوبعة التي اثارها تقرير الأمم المتحدة حول الهجوم الاسرائيلي على غزة فان تكتيكات اسرائيل ليست وحدها التي تتعرض الى الهجوم بل ومعها شرعيتها ذاتها إزاء الدعوات المتعاظمة الى مقاطعتها ومقاضاتها جنائيا. ويهدد الخطر علاقتها المهمة مع تركيا.

كتب المعلق الاسرائيلي آري شافيت في صحيفة quot;هآرتس الليبراليةquot; ان بريطانيا في عام 1917 والأمم المتحدة المتحدة في عام 1947 اعترفتا بحق الشعب اليهودي في اقامة دولة عبرية. ولكن quot;إذ تزداد اسرائيل قوة تذوب شرعيتهاquot;. وقال ان quot;حركة قومية بدأت quot;شرعية بلا كيانquot; أخذت تصبح quot;كيانا بلا شرعية امام انظارناquot;.

يرد كثير من الاسرائيليين بالقول ان الحفاظ على الذات أهم من سمعتهم وان السرعة والشدة في ادانة اعمالهم تبينان ان العالم يحكم عليهم بمعايير مزدوجة. ويقول آخرون ان العزلة تبدو اسوأ في الخارج منها في الداخل.

يقول مسؤولون اسرائليون ان قرارا لم يتُخذ لضرب ايران وانهم يأملون بوقف برنامجها النووي بوسائل أخرى ، مثل العقوبات الدولية. ولكنهم يرون ان المنطقة ستصبح أشد خطرا بكثير على اسرائيل إذا امتلكت ايران اسلحة نووية. وتحاول اسرائيل ان تحدد اللحظة التي سيكون ضرب اسرائيل عديم الفاعلية بعدها. وهي تعرف ان توجيه ضربة لن ينهي برنامج ايران النووي بل يؤخره بضع سنوات. وإذا كانت واشنطن تعارض العمل العسكري فان الإقدام عليه سيكون صعبا.

اسرائيل تراقب مؤشرات أخرى ايضا بشأن المدة التي يمكن ان تؤخر مثل هذه العمل خلالها. وتشمل القائمة ما إذا كانت ايران تعزز قدرتها على الصمود بوجه هجوم ببناء وامتلاك منظومات دفاع جوي وما إذا كان بمقدور علماء اسرائيل ان يصمموا منظومة دفاع صاروخي يمكن ان تحميها ضد الرد بصواريخ يطلقها حزب الله وquot;حماسquot;.

الساعة الأخرى التي تمشي عقاربها متسارعة تركز على السياسة الايرانية الداخلية ـ ما إذا كانت المعارضة بعد انتخابات حزيران/يونيو ستؤدي الى إبطاء البرنامج النووي أو انهائه ، وعلى العملية الدبلوماسية بقيادة الولايات المتحدة لحمل ايران على التخلي عن برنامجها.

سرعة أي من هذه الساعات موضع دراسة دقيقة في اسرائيل. وتقول اسرائيل انه إذا تم ايقاف برنامج ايران سيكون من الأسهل بكثير عليها ان تقدم تنازلات لقيام دولة فلسطينية على حدودها. ولكن العديد من قادتها يضيفون شيئا آخر. فعلى المدى البعيد لا يمكن ان يضمن بقاء اسرائيل إلا وجود جيشها على حدودها ويتابعون ان الدبلوماسية يمكن ان تمضي شوطا معينا وسيتعين على الدولة الفلسطينية ان تخضع لقيود شديدة على نشاطاتها العسكرية واحلافها مع الدول الأخرى.

الفلسطينيون من جانبهم يرفضون مثل هذه القيود لكن لديهم مشاعر مماثلة بشأن أهمية القوة. فالكفاح المسلح يبقى مركزيا في عقيدة quot;حماسquot; وحركة quot;فتحquot; المنافسة تقول انه يبقى خيارا مهما.