تدرس إدارة أوباما حالياً اقتراح إرسال 40 ألف جندي إضافي للمشاركة في الحرب في أفغانستان، والذي أيده كارزاي شرط أن توفر هذه القوات الحماية للمواطنين.
واشنطن: شهدت أفغانستان خلال الأسابيع الماضية فترة عصيبة من الشد والجذب بين مختلف القوى السياسية داخل البلاد، على خلفية الانتخابات الرئاسية التي انعقدت في العشرين من شهر أغسطس الماضي. وأكدت التقارير الواردة من هناك - خاصة من اللجنة المشرفة على هذه الانتخابات ndash; أنها شهدت عمليات تزوير وانتهاكات واسعة النطاق، أخلت بنزاهة العملية الانتخابية، وقد شكلت هذه الممارسات تهديدًا خطيرًا للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأميركية وقواتها المسلحة في هذا البلد الذي قامت بغزوه عام 2001، والتي تهدف إلى محاولة استعادة الاستقرار المفقود هناك، وإعادة بناء ما دمرته الحرب على مدار الثماني سنوات الماضية.
وتعتبر هذه الانتخابات بمثابة بالون اختبار جاد للسياسات الجديدة التي أعلنت ndash; أو التي ما تزال قيد الإعداد - عنها الإدارة الأميركية الجديدة ورئيسها باراك أوباما، حيث يعتبر كثيرٌ من الخبراء أن هذه الانتخابات والنتائج التي ستسفر عنها سيكون لها دور كبير في تحديد مدى الشرعية التي يمكن أن تحظى بها الحكومة الأفغانية، ودرجة مصداقيتها أمام الشعب، الذي يعاني من ويلات الحرب من جانب، ومن الفساد الكبير الذي استشرى في أجهزة الحكم على كل المستويات خلال الفترة الماضية تحت حكم الرئيس الحالي حميد كرزاي من جانب آخر.
لذلك بذلت الولايات المتحدة ndash; خلال الأسابيع الماضية ndash; جهودًا كبيرة لمحاولة إيجاد مخرج من الأزمة، والتي إن استمرت من الممكن أن تكون بداية النهاية للوجود الأميركي هناك، ومن ثََمَّ تهديد المصالح الأميركية الحيوية في هذه المنطقة من العالم، خاصة تلك المتعلقة بإنجاز أهداف الحرب على الإرهاب، فكانت الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور الديمقراطي جون كيري لأفغانستان، وقد أسفرت جهوده عن موافقة الرئيس الأفغاني على إقامة جولة إعادة للانتخابات بينه وبين منافسه الأبرز وزير الخارجية السابق عبد الله عبد الله في السابع من نوفمبر القادم، بعد أن أعلنت اللجنة المشرفة على الانتخابات فشل كرزاي في الحصول الأغلبية التي تؤهله للفوز بالمنصب الرئاسي.
وقد كانت هذه التطورات محل اهتمام الإعلام الأميركي في ظل عملية المراجعة التي تقوم بها الإدارة الأميركية في الوقت الحالي بعد تسلمها التقرير الذي رفعه قائد القوات الأميركية في أفغانستان عن تطور الأوضاع الميدانية هناك، ومطالبته بضرورة زيادة عدد القوات الأميركية حتى تتمكن من إنجاز الأهداف المطلوبة منها بنجاح، وهو القرار الذي سيحسمه الرئيس الأميركي خلال الأسبوعين القادمين، وقد جاءت متابعات الإعلام الأميركي على النحو التالي.
جولة الإعادة: بحث جديد عن المصداقية والشرعية
من جانبه قدم جون ديكرسون حلقة خاصة من برنامج quot;Face The Nationquot; مع كل من رام إيمانويل كبير موظفي البيت، والسيناتور الديمقراطي جون كيري عن ولاية ماساشوسيتس. ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي.
وطرح ديكرسون في البداية عددًا من التساؤلات من قبيل هل حالة عدم الاستقرار التي تمر بها أفغانستان في الوقت الحالي يمكن أن تؤخر قرار الرئيس أوباما بزيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان؟ وهل ستكون هذه الأحوال غير المستقرة دافعة له نحو تغيير إستراتيجيته في الحرب هناك؟
في البداية علق إيمانويل على التصريحات التي أطلقها السيناتور كيري Kerry مطالبًا فيها الرئيس الأميركي بتأجيل أي قرار بخصوص زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان حتى تهدأ الأمور وتستقر هناك، خاصة بعد تفاقم مثل هذه الحالة عقب الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرًا ولم تسفر عن فوز أحد المرشحين، فضلا عن عمليات التزوير التي شهدتها.
في هذا السياق أكد كبير موظفي البيت الأبيض أن عدم استقرار الحكم في أفغانستان ليس هو السبب الأساسي وراء تأخير قرار الرئيس الأميركي بشأن زيادة القوات الأميركية، ولكن هذا التأخير يعود إلى حالة المراجعة المستمرة التي يقوم بها الرئيس وفريق الأمن القومي في الإدارة، من أجل إعادة تقييم الإستراتيجية الأميركية في أفغانستان، ولكنه في الوقت ذاته أشار إلى أن هذه المراجعة لا تعني أن حديث السيناتور كيري ليس صحيحًا، فهو صحيح إلى حد بعيد ويجب أن يؤخذ في الحسبان، لأن استقرار أوضاع الحكم هناك أمر حيوي وهام، وهو جزء مهم من الإستراتيجية الأميركية للخروج من المأزق الأفغاني.
ويلفت إيمانويل الانتباه إلى أن المشكلة السياسية التي يواجهها النظام السياسي الأفغاني في الوقت الحالي ليس لها مخرج إلا في أحد طريقين، أولهما: أن تعقد جولة إعادة بين المرشحين ndash; وهذا ما وافق عليه الرئيس الحالي كرزاي هذا الأسبوع، أما ثانيهما: التفاوض من أجل التوصل إلى تسوية سلمية لهذه المعضلة، وبقطع النظر ndash; كما أشار إيمانويل - عن أي من الطريقين قد اختارت الحكومة هناك، فلابد أن يكون الهدف النهائي هو ترسيخ شرعية ومصداقية الحكومة لدى الشعب الأفغاني.
وعن الصعوبات التي يمكن تواجه إجراء جولة الإعادة أشار ديكرسون إلى أن البعض يؤكد أن سوء الأحوال الجوية في أفغانستان خلال الفترة القادمة خاصة مع قدوم فصل الشتاء - والذي يتسم بالبرد القارص هناك ndash; قد يكون عائقًا، ومن جانبه شدد إيمانويل على أنه بالرغم من أنه لم يذهب من قبل إلى أفغانستان، إلا أنه يعتقد أن عامل الطقس والأحوال الجوية عامل مهم، ولكن العامل الأهم ndash; من وجهة نظره ndash; هو مصداقية وشرعية الحكومة، حتى يكون هناك طرف آخر، أو بمعنى آخر شريك أفغاني حقيقي يكون قادرًا على ملإِ الفراغ، ويتمكن من التعاون والتفاعل مع الجهود الأميركية.
جون كيري في ميدان المعركة
أما جون كيري الذي كان في زيارة ميدانية لكل من أفغانستان وباكستان خلال الأسبوع المنصرم، التقي مع قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال ستانلي ماك كريستال، حيث أكد السيناتور أنه حاول من خلال هذا اللقاء التعرف على افتراضات وتنبؤات القائد الأميركي بخصوص الأوضاع في مسرح العمليات، حتى يتمكن من الوصول إلى حكم صائب حول نتيجة الجهود التي تبذلها الإدارة الأميركية والقوات العسكرية هناك، وما الذي يمكن أن يتحقق حلال الفترة القادمة؟ وما الذي تحتاجه الولايات المتحدة من أجل أن تنجح في تحقيق ما تريد؟ هذه الأسئلة دفعت السيناتور الديمقراطي إلى التأكيد على أنه ليس المطلوب من الولايات المتحدة فقط أن ترسل قواتها للقيام بمهام غير عادية، ولكن أيضًا يجب أن يكون في المقابل حكومة أفغانية شرعية، لديها القدرة على الوفاء بمسئولياتها تجاه الشعب وتوفير احتياجاته الأساسية، فضلاً عن إعادة بناء القوات المسلحة وقوات الشرطة حتى تستطيع توفير الأمن المفقود للمواطنين الأفغان، فضلاً عن إشارته إلى برنامج مدني لإعادة الإعمار في طور الإعداد في الوقت الحالي، وهذا البرنامج كما يشير السيناتور أحد أسباب زيارته للمنطقة.
وعلى الصعيد ذاته أكد كيري أن هناك كثيرًا من المهام أمام القوات الأميركية عليها إنجازها خلال الفترة القادمة، من أهمها هزيمة تنظيم القاعدة ومنعه من أن يحول أفغانستان إلى ملاذ آمن لعناصره، فضلاً عن إرساء الاستقرار الإقليمي في هذه المنطقة الحيوية، لذلك فقد طلب الجنرال ماك كريستال من الإدارة زيادة عدد القوات من أجل النجاح في تحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية، إلا أنه في الوقت ذاته أكد أن تلبية هذا الطلب المتعلق بزيادة عدد الجنود، لن يكون بمفرده كفيلاً بإنجاح المهمة، فالأفغان أنفسهم عليهم مهمة شاقة من خلال توفير الأحوال الملائمة لنجاح الجهود المدنية لإعادة الإعمار وإعادة بناء المرافق التي دمرتها الحرب وتوفير الخدمات والاحتياجات الأساسية. لذلك أشار كيري إلى أنه ما تزال هناك كثير من علامات الاستفهام حول قدرة الولايات المتحدة على تنفيذ هذه المهمة بشقيها المدني والعسكري في أفغانستان.
نحو إستراتيجية جديدة في أفغانستان
ولكن السيناتور يعود ويؤكد أن هناك عددًا من الخطوات الإصلاحية التي عملت الحكومة الأفغانية على اتخاذها خلال الفترة الماضية، وهذه الخطوات تحاول الولايات المتحدة قياسها على أساس معايير معينة، لضمان أن الحكومة بالفعل تعمل على تحقيق تقدم ملموس على كافة المستويات، وعلى الجانب الآخر يشير كيري إلى أن الإستراتيجية الجديدة لمكافحة التمرد في أفغانستان لا بد أن تعتمد على مكونين هامين، الأول: هو ذلك المتعلق بالحالة الأمنية، وهذه الأمور يمكن للقوات الأميركية أن تتعامل معها، فهؤلاء الجنود ndash; من وجهة نظره - هم الأفضل في العالم للقيام بهذه المهمة، ولذلك أعرب عن ثقته التامة في قدرة القوات الأميركية العاملة هناك أو تلك التي سيتم استقدامها خلال الفترة المقبلة في إنجاز مهمتهم المنوطة بهم. أما الثاني: فهو ذلك الشق المتعلق بالجهود المدنية، وهو منوط بالحكومة الأفغانية القيام به، وبالنسبة لهذا الأمر أعرب كيري عن عدم اقتناعه بقدرة الحكومة الأفغانية على القيام بمثل هذه المهمة.
ومن ناحية أخرى أكد كيري أن هناك تغييرات ملموسة يجب أن يتم إدخالها على الإستراتيجية الأميركية في هذه الحرب، لأن أفغانستان ليست العراق، هذا الأخير يعاني من انقسامات طائفية بين السنة والشيعة، ولكن الأمر مختلف في أفغانستان، الذي لا يعاني من تلك الانقسامات، فالتحدي هناك مختلف كليةً، حيث الأحوال التاريخية مختلفة والسمات الثقافية متباينة فهما شعبان مختلفان ، فضلاً عن تركيبة إثنية مغايرة لتلك الموجودة في العراق، وهذا بالتبعية يفرض طريقة مختلفة للتعامل، وهذه الحقائق فطن إليها قائد القوات الأميركية ماك كريستال.
جولة الإعادة خطوة مهمة تواجهها تحديات كثيرة
ومن جانبه تناول الإعلامي البارز تشارلز جيبسون في برنامجه quot;World Newsquot; الذي يذاع على شبكة ABC ردود الفعل الأميركية على قرار الرئيس الأفغاني بالموافقة على جولة الإعادة، حيث أشار إلى أن الولايات المتحدة قد رحبت كثيرًا بالقرار الأفغاني، على اعتبار أنه بهذه الخطوة المهمة قد أسهم في تحويل لحظة الأزمة التي تعيشها البلاد إلى فرصة كبيرة لتدعيم أسس الحكم الديمقراطي، مما دفع وزيرة الخارجية الأميركية إلى التأكيد على أن الولايات المتحدة سوف تقدم كل أشكال الدعم والمساعدة من أجل إنجاح جولة الإعادة المقرر عقدها في السابع من نوفمبر القادم.
وعلى هذا الصعيد أكد التقرير أن جولة الإعادة ونتائجها سوف تؤثر كثيرًا على عملية المراجعة التي تقوم بها الإدارة الأميركية، لأنها ستكون حاسمة في تحديد مدى إمكانية إيجاد شريك أفغاني قادر على التعاون مع الإدارة الأميركية والتفاعل الإيجابي مع إستراتيجيتها الجديدة، ومن ثم جاء تأكيد الرئيس الأميركي على أن سيادة الشعور لدى الشعب الأفغاني بأن الحكومة التي تمثله ليست شرعية سوف يجعل الأمور غاية في الصعوبة بالنسبة للولايات المتحدة. أما السيناتور الجمهوري جون ماكين بالرغم من امتداحه للقرار إلا أنه أكد أنه من غير الواقعي أن تعتقد الإدارة الأميركية في أن أحوال الأفغان يمكن أن تصبح أفضل دون تحسن الأحوال الأمنية في البلاد.
وجدير بالذكر أن الشبكة كانت قد قامت باستطلاع للرأي بالتعاون مع صحيفة واشنطن بوست نشرت نتائجه في الحادي والعشرين من أكتوبر الجاري، وقد أظهرت نتائجه أن 31% من الأميركيين يعتقدون أن لدى الرئيس الأميركي خطة واضحة للتعامل مع الأوضاع المضطربة في أفغانستان، في حين أكد 63% من الأميركيين أن الرئيس ليس لديه مثل هذه الخطة.
وهذا الأمر دفع التقرير إلى التأكيد على أن استمرار أزمة الشرعية في أفغانستان سوف يجعل من الصعوبة بما كان تنفيذ التوصيات التي أوردها الجنرال ماك كريستال، خاصة تلك المرتبطة بضرورة إرسال مزيد من القوات الأميركية إلى أفغانستان.
وانتقل التقرير الذي بثه البرنامج إلى تناول العقبات التي ستكون بمثابة تحديات كبيرة في مواجهة نجاح جولة الإعادة، حيث لفت جيبسون الانتباه إلى أن أهم هذه العقبات هو الشتاء القارص خاصة في شمال البلاد الذي يمكن أن يجعل مسألة وصول الناخبين إلى مراكز الاقتراع عملية في غاية الصعوبة، وهو الأمر الذي دفع السفارة الأميركية في كابول ndash; العاصمة الأفغانية ndash; إلى دراسة الخرائط المناخية لهذه المناطق، وتأكيدها على أن مناطق محدودة للغاية سوف تتأثر بالثلوج الكثيرة التي ستتساقط خلال الأسبوع الأول من نوفمبر.
أوباما يمتدح تزوير الانتخابات الأفغانية
وفي تقرير بثه راديو NPR ndash; أعده جون نيكولزndash; أكد أن الرئيس باراك أوباما وضع نفسه في موقف محرج عندما أثنى على القرار الذي اتخذه الرئيس الأفغاني كرزاى بإجراء جولة إعادة للانتخابات الرئاسية في مطلع نوفمبر القائم، واعتبر التقرير أن مصدر هذا الإحراج هو الاتهامات التي وجهتها إليه المؤسسات والهيئات التي أشرفت على الانتخابات الرئاسية للرئيس الأفغاني بتزوير واسع النطاق للانتخابات الرئاسية، من أجل ضمان استمراره في مقعد الرئاسة. وبالرغم من هذه الاتهامات فإن أوباما امتدح قرار الرئيس الأفغاني، واعتبره رئيسًا شرعيًّا للبلاد بالرغم من أنه رئيس غير ديمقراطي على وصف نيكولز. وأكد التقرير أيضًا في هذا السياق أن الرئيس أوباما ليس أول رئيس أميركي يتظاهر بإعلان تأييده لرئيس دولة أو مسئول كبير في دولة أخرى قام بانتهاكات عديدة.
وأخيرًا لفت التقرير الانتباه إلى أن ارتباط كرزاي بعمليات التزوير والفساد الذي انتشر في كل مؤسسات الدولة الأفغانية وضع كثيرًا من العقبات أمام خطط الولايات المتحدة الرامية إلى تثبيت دعائم الاستقرار في البلاد بإرسال مزيد من القوات هناك، وتحويل الوجود العسكري التقليدي إلى مشروع أكثر ديمومة.
التعليقات