استطاع الحزب الجمهوري حسم هذه المعركة الانتخابية المبكرة لصالحه، الأمر الذي دفع كثيرًا من وسائل الإعلام إلى طرح كثيرٍ من التساؤلات حول مستقبل المنافسة بين الحزبين الكبيرين خلال المرحلة القادمة، والمدى الذي يمكن أن يصل إليه تأثير هذه الانتخابات على مخرجات العملية الانتخابية العام القادم.

شهد الثالث من نوفمبر الجاري انتخابات في عدد من الولايات والمدن الأميركية لشغل مجموعة من المناصب الشاغرة سواء في مناصب حكام الولايات أو بعض المقاعد التي خلت في الكونغرس، بالإضافة إلى اختيار عُمَدِ بعض المدن الأميركية. كانت هذه الانتخابات - فيما يبدو- استفتاءً ليس فقط على شعبية الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومدى نجاح السياسات التي طرحها خاصة بعد مرور عام على انتخابه رئيسًا، وإنما أيضًا محدد هام لمستقبل سيطرة الحزب الديمقراطي على الأغلبية في الكونغرس بمجلسيه، مع اقتراب موعد الانتخابات التي ستشهدها الساحة الأميركية خلال العالم القادم، والتي سيتم خلالها انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وكل أعضاء مجلس النواب، فضلاً عن انتخاب عدد كبير من حكام الولايات.

المشهد الانتخابي معقد

في ولاية نيو جيرسي New Jersey احتدمت المنافسة بين حاكم الولاية الديمقراطي جون كورزين Jon Corzine، والنائب العام السابق الجمهوري كريس كريستي Chris Christie وجديد بالذكر أن كورزين Corzine شغل هذا المنصب منذ أربع سنوات بعد أن استقال من منصبه في مجلس الشيوخ، ولكن الأمور في الولاية ليست على ما يرام بالنسبة له، فالأداء الاقتصادي داخل الولاية كان سيئًا للغاية، كما أن سلبياته تعددت خلال فترة ولايته، إلا أنه حاول التغلب على هذه العقبات بحملة انتخابية كبيرة، موَّلها من الثروة الكبيرة التي جناها عندما كان يشغل منصب المدير التنفيذي لشركة Goldman Sachs

ويرى كثيرٌ من المحللين أن هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على شعبية منافسه الجمهوري كريس كريستي Chris Christie، والذي يعول على خبرته المهنية الكبيرة في مكافحة الجريمة، وقد أشارت استطلاعات الرأي خلال العام الجاري على تقدمه الكبير على منافسه الديمقراطي، ولكن المنافسة على المنصب لم تكن بمثل هذه السهولة نظرًا لوجود منافس مستقل هو كريس داجيت Chris Daggett، والتي أشارت كافة استطلاعات الرأي أن وجوده يهدد فرص المرشح الجمهوري في الفوز بهذا المنصب، لأن عددًا من الأصوات التي سيحصل عليها كريستي Christie سوف تتجه إلى تأييد داجيت Daggett. إلا أن كريستي Christie استطاع في نهاية الأمر حسم المنافسة لصالحه، حيث حصل على نسبة تأييد بلغت 49% في مقابل حصول كورزين Corzine على 45% من الأصوات.

وفي ولاية فيرجينيا Virginia استطاع الحزب الديمقراطي - خلال الولايتين الانتخابيتين الماضيتين - أن يحتفظ بمقعد حاكم الولاية، بالإضافة إلى ذلك تمكن من الاستحواذ على مقعدي الولاية في مجلس الشيوخ والتي كان يشغلهما الحزب الجمهوري، بالرغم من هذه النجاحات التي حققها الحزب الديمقراطي، إلا أن استطلاعات الرأي أشارت إلى تأخر مرشح الحزب الديمقراطي كريج ديدز Creigh Deeds أمام المرشح الجمهوري بوب ماك دونال Bob McDonnell، الذي كان يشغل منصب النائب العام السابق في الولاية. كما أن جذوره تمتد إلى أحد أقطاب التيار المحافظ في الولايات المتحدة بات روبرتسون Pat Robertson. وبالفعل تمكن ماك دونال McDonnell من هزيمة منافسه بفارق كبير، حيث صوت له 59% من الناخبين، في مقابل 41% صوتوا لـ ديدز Deeds .

كما شهدت ساحة الكونغرس أيضًا انتخابات تكميلية مهمة اشتد فيها الصراع بين الحزبين الكبيرين، ففي ولاية كاليفورنيا California المقاطعة العاشرة، والتي خلا مقعدها برحيل الديمقراطي الين توستشر Ellen Tauscher والذي انتقل إلى العمل في وزارة الخارجية. وفي سياق هذه المنافسة أشارت استطلاعات الرأي إلى تقدم المرشح الديمقراطي جون جارامندي John Garamendi على منافسه الجمهوري ديفيد هارمر David Harmer، وتمكن جارامندي Garamendi من الحصول على 53% من الأصوات مقابل 42% لـ هامر Harmer .

أما المقاطعة الثالثة والعشرين في ولاية نيويورك New York والتي خلا مقعدها في الكونجرس برحيل جون ماك هوجو John McHugh، ويشير المحللون إلى أن الانتخابات في هذه الولاية هي بمثابة صراع بين المحافظين والمعتدلين من أجل استعادة روح الحزب الجمهوري، وقد رشح الحزب ديدي سكوزافافا Dede Scozzafava، هذا الترشيح كان مقلقًا للغاية لأعضاء الحزب الجمهوري، نظرًا للمواقف المؤيدة التي تتخذها المرشحة من قضايا اجتماعية مهمة مثل الإجهاض والزواج المثلي، لذلك دفع الحزب بدعم أحد أقطاب المحافظين دوج هوفمان Doug Hoffman والذي حظي بدعم كثير من أقطاب الحزب الجمهوري أمثال سارة بالين Sarah Palin وتيم باولينتي Tim Pawlenty ومايك هوكابي Mike Huckabee، الأمر الذي اضطر ديديDede إلى الانسحاب. إلا أن هذا الدعم الذي حظي به هوفمان Hoffman لم يجد في دعم فرصه لشغل المقعد، حيث تمكن مرشح الحزب الديمقراطي بيل أوينز Bill Owens من هزيمته والفوز بمقعد المقاطعة في مجلس النواب، فحصل أوينز Owens على 49% من الأصوات مقابل 45% لمنافسه هوفمان Hoffman. كما شهدت عدد من المدن الأميركية انتخابات لشغل مناصب العُمَد فيها، ومن هذه المدن مدينة أتلانتا Atlanta ومدينة بوسطن Boston ومدينة هيوستن Houston .

انتخابات نوفمبر: مصير الرئيس وحزبه على المحك!

من جانبه أعد راديو NPR تقريرًا أكد فيه أن هذه الانتخابات يبدو للوهلة الأولى أنه ليس لها أدنى علاقة بشعبية الرئيس الأميركي والدعم الذي يحظى به، خاصة مع تزامن هذه الانتخابات مع مرور عام على انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة في الرابع من نوفمبر عام 2008. إلا أن هذه الأمر ليس صحيحًا على إطلاقه، لأن نتائج هذه الانتخابات ستكون هامة بالنسبة للرئيس وللحزب الديمقراطي، وساق التقرير عددًا من الأدلة التاريخية من انتخابات سابقة مشابهة، كانت لها تأثيرات كبيرة على المعادلة السياسية داخل الولايات المتحدة الأميركية. منها ndash; على سبيل المثال - انتخابات عام 1989 والتي احتلت فيها قضية الإجهاض أهمية مركزية في اختيار اثنين من حكام الولايات الأميركية، وكان من نتيجتها أن تم اختيار كل من المرشحين الديمقراطيين جيم فلوريو Jim Florio حاكمًا لولاية نيو جيرسي New Jersey، ودوج وايلدر Doug Wilder حاكمًا في ولاية فيرجينيا Virginia، وتزامن مع ذلك اختيار أول عمدة أسود في تاريخ مدينة نيويورك هو الديمقراطي ديفيد ديكنز David Dinkins.

وكان أحد أهم أسباب هذا النجاح الذي حققه الحزب الديمقراطي هو نجاحه في التعامل مع قضية الإجهاض، فضلاً عن قدرته على تجاوز الاختلافات العرقية وإقامة تحالفات انتخابية ساعدت مرشحيه كثيرًا في تحقيق هذه الإنجازات، وهى أمور أسهمت في تمكن الحزب من اقتناص منصب الرئاسة في الانتخابات الرئاسية التالية، بفوز الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون.

إلا أن التقرير عاد وأضاف أيضًا أنه في بعض الحالات فإن هذا النوع من الانتخابات لا يمكن أن يعطي دلالة واضحة بالنسبة لنتائج الانتخابات وتحديد شكل المعادلة السياسية على الساحة السياسية. ويبرز التقرير في هذا الإطار تجربة الانتخابات التي حدثت في عام 2001 والتي استطاع فيه الحزب الديمقراطي إعادة السيطرة على هاتين الولايتين، ولكن في العام التالي حقق الجمهوريون نصرًا انتخابيًا تاريخيًا، سيطروا من خلاله على الأغلبية في الكونجرس، فضلاً عن منصب الرئاسة، وكان ذلك راجعًا بصورة أساسية إلى وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

مستقبل الجمهوريين تحدده نتائج الانتخابات

أما صحيفة quot;وول ستريت جورنالquot; فقد ركزت على انتخابات حكام الولايات في فيرجينيا ونيو جيرسي وعمدة مدينة نيويورك، مشيرة إلى أن أعضاء الحزب الجمهوري متفائلون جدًّا بهذه الانتخابات؛ لأن نتائجها ndash; والتي جاءت في صالحهم - ستكون ذات دلالة على المشاكل الكثيرة التي سيواجهها الحزب الديمقراطي في انتخابات الكونجرس العام القادم 2010، فضلاً عن المشاكل التي يواجهها الرئيس أوباما، والتي من الممكن أن تؤثر على المستقبل السياسي له ولحزبه، لأنها تعني أن الناخبين بدءوا يدركون عدم جدوى السياسات والبرامج التي طرحها الرئيس خلال الفترة الماضية.

ولفتت الصحيفة الانتباه إلى أن النتائج الإيجابية التي حققها الحزب الجمهوري من الممكن أن ترفع كثيرًا من أسهمه خلال المعارك الانتخابية التي سيخوضها الحزب خلال الفترة القادمة، حيث ستؤدي مثل هذه النتائج إلى زيادة التبرعات والموارد المالية التي سيحصل عليها الحزب، بالإضافة إلى اختيار قيادات أكثر قدرة على خوض انتخابات الكونغرس القادمة.

بالين وبايدن في قلب السباق الانتخابي

ومن جانبه قدم برنامج Good Morning America ndash; الذي يبث على شبكة ABC ndash; تقريرًا أعده جون بيرمان John Berman أكد فيه أنه نظرًا لأهمية نتائج هذه الانتخابات وما ستسفر عنه، فقد شهدت حضورًا لشخصيات هامة وبارزة من الجانبين الجمهوري والديمقراطي، حيث برز دور كل من نائب الرئيس جو بايدن ومنافسته السابقة على هذا المنصب الجمهورية سارة بالين.

ولفت التقرير الانتباه إلى أن سارة بالين عبرت عن دعمها الكبير للمرشح المحافظ دوجلاس هوفمان Douglas Hoffman الذي كان يسعى للحصول على مقعد المقاطعة الثالثة والعشرين في ولاية نيويورك داخل مجلس النواب، مضيفا أن هذا الدور الذي حاولت بالين لعبه في فاعليات هذه الحملة الانتخابية، يؤكد سعيها الحثيث إلى إعادة نفسها إلى قلب الأحداث السياسية داخل الحزب الجمهوري، ولذلك فإن نجاح هوفمان Hoffman سوف يكون هامًّا بالنسبة لها، لأنه سيعطي انطباعًا أنها ما تزال شخصية سياسية قادرة على إدارة الحملات الانتخابية، وهو ما لم يتحقق لها، حيث فشل هوفمان Hoffman في هزيمة المرشح الديمقراطي.

على الجانب الآخر أشار التقرير إلى أن نائب الرئيس بايدن حاول شق صف الحزب الجمهوري، حيث حث تيار الوسط داخل الحزب بإبعاد أنفسهم عن التيارات اليمنية المتطرفة داخل الحزب أمثال سارة بالين وراش ليمبو Rush Limbaugh الإعلامي الشهير، وأحد رموز التيار المحافظ داخل الولايات المتحدة.

نصر انتخابي كبير: نجاحات جمهورية في مقابل إخفاقات ديمقراطية

أما افتتاحية صحيفة quot;واشنطن بوستquot; فقد تناولت النصر الكبير الذي حققه ماك دونال McDonnell ونجاحه في اقتناص مقعد حاكم ولاية فيرجينيا Virginia، حيث أكدت أن هذا النجاح يبرز المهارات الكبيرة التي يمتلكها المرشح الجمهوري كسياسي محنك استطاع أن يدير حملته الانتخابية بنجاح، والقدرة الكبيرة على تناول القضايا الأساسية التي كانت محور حملته الانتخابية، وأضافت أنه استطاع أن يدرك تضاريس الخريطة الانتخابية في ولايته، فتمكن من الحصول على تأييد الأصوات المستقلة هناك، إضافةً إلى تناوله الذكي للعديد من القضايا الاجتماعية المهمة، والتي يأتي على رأسها قضية الإجهاض، وتمكنه من التواصل ndash; بنجاح - مع فئات انتخابية مهمة مثل النساء والأقليات العرقية وغيرها من القوى التصوتية داخل الولاية، والتي لم يلتفت الحزب الجمهوري إلى أهميتها.

وعلى الجانب الآخر أشارت الافتتاحية إلى أن الخسارة التي مُني بها السيناتور الديمقراطي كريج ديدز Creigh Deeds أمام منافسه الجمهوري ماك دونال McDonnell لفتت النظر إلى كثيرٍ من الخطوات الخاطئة التي اتخذها السيناتور الديمقراطي في أثناء إدارته للحملة الانتخابية، وعدم قدرته على استغلال الفرص الكثيرة التي أتيحت أمامه من أجل الفوز بهذا المنصب الكبير، وتذكر الافتتاحية في هذا الإطار موقف ديدز Deeds من ضرورة فرض مزيد من الضرائب على سكان، مما يؤكد حقيقة مهمة ndash; تشير إليها الافتتاحية ndash; وهى أنه لا يمكن تحقيق نصر انتخابي في ولاية فرجينيا اعتمادًا على برنامج انتخابي يتضمن مزيدًَا من الأعباء الضريبية على الأفراد.

أما صحيفة لوس أنجلوس تايمز فقد نشرت تقرير - أعده كل من مارك زي باراباك Mark Z. Barabak وفاي فيوري Faye Fiore ndash; أكدت فيه أن نجاح الحزب الجمهوري في حسم المعركة الانتخابية في الولايتين ndash; فيرجينيا ونيو جيرسي - يعتبر بمثابة جرس إنذار للحزب الديمقراطي الذي يستعد لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس خلال العام القادم، هذا النجاح اعتبره قادة الحزب الجمهوري ndash; كما نقلت الصحيفة عنهم ndash; بمثابة توبيخ من جانب الناخبين للرئيس الأميركي، وتعبير عن يأسهم من الأجندة الليبرالية التي طرحها الرئيس منذ قدومه إلى السلطة.

وفي هذا السياق قال التقرير: إن نتائج هذه الانتخابية لن تكون في صالح الحزب الديمقراطي، لأن ما تمخض عنها من إدراك لدى الناخبين بفشل سياسات الحزب خلال الفترة التي سيطر فيها على الكونغرس ثم الرئاسة، وفي ظل حقيقة أنه في السياسة يلعب الإدراك دورًا هامًا في السياسة، قد يتجاوز في بعض الأحيان أهمية ما هو واقع فعلا، ومن ثم فإن نجاح الحزب الجمهوري سيكون له كثير من الإيجابيات على أداء الحزب خلال الفترة القادمة، لأنه حتمًا سيزيد من حجم التبرعات والموارد المالية التي سيحصل عليها الحزب في الفترة القادمة.

الديمقراطيون يخسرون أصوات الأقليات والمستقلين

وانتقل التقرير إلى جانب آخر من جوانب خسارة الحزب الديمقراطي، حيث أشار إلى أن هاتين الولايتين كانتا قد صوتتا لصالح الرئيس أوباما في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، باعتباره أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة، إلا أن نتائج انتخابات نوفمبر هذا العام أظهرت تغييرًا هامًّا في الخريطة الانتخابية لصالح البيض، ومن ثم فإن مثل هذا الأمر سوف يمثل عقبة كبيرة أمام الحزب الديمقراطي في اجتذاب أصوات الأقليات داخل هذه الدوائر الانتخابية المهمة.