مقديشو: quot;الى الامام!quot; يردد مكبر صوت جهاز اللاسلكي في اذن كابورال اوغندي يقود قافلة لقوة الاتحاد الافريقي لحفظ السلام في الصومال (اميصوم).

وسط غمامة من الغبار تتقدم المدرعات الثلاث البيضاء كالاعصار نحو موقع قوات الاتحاد الافريقي في وسط مقديشو العاصمة الغارقة في الحرب.

فجأة تتردد داخل مقصورة احدى المدرعات الثلاث قعقعة معدني، في اعلى برج المدرعة لقم الجنود لتوهم رصاصة في حجرة الانفجار في رشاش اوتوماتيكي من عيار 12,7 ملم يعلو المدرعة، استعدادا لاطلاق النار.

الطريق القديمة المؤدية الى المطار حيث القاعدة الرئيسية لقوات اميصوم في وسط المدينة لم تعد الا مجرد طريق ترابية قاحلة قلما تعبرها سيارة... مهترئة طبعا.

في هذه القاعدة تعرض الجنود الاوغنديون والبورونديون التابعون لقوة اميصوم اكثر من مرة لكمائن بواسطة عبوات ناسفة زرعت على الطريق المؤدية الى قاعدتهم، غير ان الاوضاع ما لبثت ان تحسنت كثيرا مع استحداث نقطة مراقبة في موقع متقدم.

هذه النقطة تشغلها مفرزة quot;الهجرةquot;. وقد اطلق عليها هذا الاسم نسبة الى موقعها، فهي استحدثت في المقر السابق لادارة الحدود، وهي تتولى مراقبة الشطر الجنوبي الشرقي من العاصمة.

وبمحاذاة هذا المبنى تقع ثكنة اكل عليها الدهر وشرب. ثكنة يغالب فيها النعاس اعين عناصر الميليشيات الموالية للحكومة.

مقر quot;الهجرةquot; عبارة عن ثلاث مبان متقابلة يفصل بينها ملعب مربع، وعلى اسطح كل من هذه البنايات متراس من اكياس الرمل يختبئ خلفه جنود اوغنديون يمضون نهارهم في مراقبة المنطقة باكملها.

ويقول قائد الموقع الليفتنانت ديفيد اوريجشو quot;من هنا يمكننا مراقبة الجادة باكملها وصولا الى وسط المدينةquot;.

وبفضل هذه المراقبة لم يعد بامكان المتمردين زرع العبوات الناسفة على طريق جنود اميصوم، لكن خطرا من نوع آخر لا يزال يتربص بهؤلاء الجنود. انه خطر القناصة الذين اخذوا على عاتقهم استكمال مهمة زارعي العبوات الناسفة.

ومن هنا يصبح الوقوف على الاسطح لاكثر من بضع ثوان من دون ساتر خطرا ما بعده خطر quot;والا فانتم تخاطرون بان يتم اصطيادكمquot;.

تتابع قافلة اميصوم طريقها، وهذه المرة نحو quot;الكيلومتر 4quot; او quot;كي4quot; كما يسميها الصوماليون حيث يتولى عشرات الجنود الاوغنديين المتمركزين في مبنى مجاور تملأ جدرانه الشظايا مراقبة هذه المستديرة الاستراتيجية في العاصمة.

في الطريق يحاول قائد المدرعة الامامية شق طريقه وسط زحمة حافلات الركاب الصغيرة و...عربة نقل يجرها حمار! يطلق العنان لبوق المدرعة يتبعه بطلقتين في الهواء من رشاشه الاوتوماتيكي، فتصبح الطريق سالكة امامه على وقع قهقهات الجنود.

ويقول قائد المفرزة الاوغندية الكابتن اوسكار كوش quot;من يسيطر على كي4 يسيطر على مقديشوquot;، موضحا ان quot;كي 4 تشرف على المنافذ المؤدية الى جميع النقاط الرئيسية في المدينةquot;.

تبلغ القافلة مقصدها. خلف بوابة حديدية صدئة معززة باكياس من الرمل يقع مركز الكابتن كوش. موقع يشكل، ثلاث او اربع مرات اسبوعيا هدفا لرصاص القناصة او قذائف الهاون، فيعمد جنود اميصوم الى quot;الرد فوراquot; على مصادر النيران بفضل بطارية مدافع هاون منصوبة عند بوابة الموقع.

جنود هذا الموقع يتدخلون احيانا لمؤازرة القوات الموالية للحكومة في مواجهة متمردي حركة الشباب الاسلامية المتطرفة الذي يتخذون من سوق بكارة، الذي لا يبعد عن المكان سوى مئات الامتار، معقلا لهم.

اما الموقع الاخير لاميصوم قبل القصر الرئاسي والنقطة quot;الاكثر سخونةquot; بالنسبة الى الجنود الاوغنديين فهو quot;شكارةquot;، المركز الاستراتيجي الذي يؤمن مراقبة دقيقة للاحياء الاسلامية.

الموقع عبارة عن منزل لا بل شبه منزل بعدما حطمته القذائف بالكامل تقريبا. اما ما بقي من جدرانه منتصبا فنال نصيبه من الشظايا والرصاص.

في هذا المركز يتموضع جنود حفظ السلام بستراتهم الواقية من الرصاص وخوذاتهم الثقيلة. جنود يشكلون صيدا ثمينا وهدفا مثاليا للمتمردين.

امام المركز تعبر رجال خمسينيون الطريق بهدوء غير عابئين بالخطر المحدق بهم، ويجلسون بسلام في ظل شجرة اكاسيا. وبقربهم مجموعة من النسوة المحجبات يتجمعن امام احد المتاجر الصغيرة.

فجأة يصل الى المسامع دوي معارك تدور بالسلاح الثقيل في البعيد. تهرع مدرعات اميصوم الى المكان باقصى سرعتها. انها الحرب في مقديشو.