أدى الاحتفال بعيد الأضحى المبارك والانشغال بتفشي داء الإنفلونزا المكسيكيّة إلى خفت الانفجار الشعبي والاعلامي الذي نتج عن نتيجة المبارة التي جمعت ما بين مصر والجزائر والمؤهلة الى نهائيات مونديال 2010 في جنوب افريقيا، وأدت الى ما أدت إليه من هبوب عواصف بين شعبي البلدين على خلفية اعمال العنف التي ارتكبها مشجعو الفريقين. وعلى الرغم من ذلك، فقد اتهم مثقفون وخبراء مصريون الاعلام بالوقوف وراء تشدد الأزمة حيث كشفت عن القبح والتدني واللامسؤولية والانجرار الأعمى وراء تحقيق المكاسب.

القاهرة: بدأت العاصفة التي انفجرت بسبب مباراة مصر والجزائر تهدأ شيئًا فشيئًا إعلاميًا، وتراجعت الأزمة الى ذيل اهتمامات وسائل الإعلام ، وتقلصت مساحات الحديث عنها فى برامج ومنتديات التوك شو على القنوات الفضائية المصرية التي اتهمت مشاركة مع الصحف الجزائرية بأنها السبب وراء موقعة ام درمان، الى حد ان تمر البرامج نفسها دون الإشارة إلى الأزمة بعد أن كان الحديث لا ينقطع عنها طوال الليل والنهار.

انشغل الناس بأجواء العيد ونزلت كاميرات الإعلام لتغطية احتفالات الناس فى الشوارع والحدائق والمنتزهات وعاد مرض الإنفلونزا المكسيكيّة يجد له مساحة اكبر بعد ان استفحل بشكل مخيف فى اليومين الماضيين وحصد أرواح 5 مواطنين على الأقل ليصل اجمالى الوفيات بسببه الى 22 شخصًا. ووسط حالة الخفوت التدريجي لأصوات التصعيد التي هيمنت على المشهد الاعلامي المصري في الأيام الماضية، وجد المحللون والباحثون والمثقفون الفرصة لتحليل الأزمة وسبر أغوارها.

ولعل المثير للدهشة وهو ما رصدته إيلاف في كتابات كبار الكتاب والمثقفين المصريين أمس، ما ينادي بمراجعة العمل الاعلامي المصري بعد quot;خطايا الإعلام quot; التي ظهرت في التعامل مع الأزمة، quot;والتي كشفت عن القبح والتدني واللامسؤولية والانجرار الأعمى وراء تحقيق المكاسب المادية والرواج الطارئquot; ، بحسب الكاتب ياسر الزيات. فيما ذهب الكاتب الكبير سلامة احمد سلامة رئيس تحرير جريدة الشروق الى حد مطالبته بمحاكمة المسؤولين في القاهرة لأنهم كانوا على علم بما كان يجري في الخرطوم من جانب الجزائريين قبل مباراة ام درمان التي فاز بها المنتخب الجزائري على الفريق المصري بهدف نظيف وتأهل لمونديال جنوب افريقيا 2010 ، وانتقد تصريحات المسؤولين ووصفها بانها quot;تخبطات سياسيةquot;. وقال الكدتور محمد ابو الغار أستاذ أمراض النسا والتوليد بجامعة القاهرة ان الدولة المصرية أدارت الأزمة بطريقة سيئة انتهت بكارثة من أجهزتها الإعلامية والدبلوماسية تستحق المساءلة من رئاسة الدولة ومن الشعب، وقال ان الأزمة كشفت ان الدولة quot;رخوةquot; ولا تستطيع حتى ان تدير مباراة كرة قدم.

ويرجع ياسر عبد العزيز 70 % من حالة الهوس التي أصابت الجماهير الى الشحن الإعلامي، الذي كان السبب فيه عاملان quot;أولهما ضغوط بعض السياسيين، الذين رأوا في شحن الأجواء لتهيئة المنتخب للفوز، فرصة كبيرة لتحقيق نصر سياسي بأقدام اللاعبين، وثانيهما يتصل برغبة وسائل الإعلام في تحقيق الأرباح والرواج وتكريس شهرة بعض مقدمي البرامج من معدومي الكفاءة والوعي المهنيquot;. ويلفت النظر الى حدوث quot;تغييرات كثيرة طرأت على تشكيل الكادر الإعلامي المصري، حيث دخلت إلى صناعة الإعلام أعداد كبيرة من الهواة أنصاف المتعلمين وأصحاب الأغراض المشبوهة الخاصة، ما يحتاج إلى وقفة ومراجعة شاملة تشمل التقييم، والمحاسبة المعنوية، وإعادة الاعتبار إلى آليات العمل الاحترافي والتدريب المهنيquot;.

ورفض الكاتب المقارنة او التساوي بين المنظومة الإعلامية الجزائرية التى يعتبر انها ارتكبت أخطاء خلال تعاطيها مع الحدث تصل إلى مرتبة الجرائم مكتملة الأركان التى يحاسب عليها القانون العام في أي مجتمع من المجتمعات، والفضائيات الخاصة المصرية نظرًا لاتساع الفوارق المهنية بين المنظومتين، وتفاوت تاريخهما، واختلاف درجة نفاذهما ونضجهما الاجتماعي والسياسي والثقافي quot;بدرجة لا تستقيم معها محاولة وضعهما على المحك ذاتهquot; على حد قوله.

ولم يجد الكاتب الكبير سلامة احمد سلامة افضل من عنوان quot;طبل أجوفquot; لمقاله لوصف تصريحات المسؤولين العنترية والأضاليل الإعلامية التي وقعت بعد المباراة. وقال انه كان لا بد للنخبة سواء كانت ممثلة في قيادات الدولة أو في مثقفيها وأحزابها، ألا تترك للغوغائية وغرائز القطيع أن تحدد مصير العلاقات بين الدول والشعوب، مشيرًا إلى الخطأ الجسيم الذي سقط فيه كثير من قادة الرأي وبعض السياسيين، الذين يخلطون بين مفهوم الوطنية والانتماء وبين التحيز للفريق القومي فى مباراة للكرة. ووصف سلامة نغمة التحريض والتهديد والوعيد على لسان جمال وعلاء مبارك نجلي الرئيس المصري، مثل طبل أجوف.. لأن التهديد بالانتقام من الجزائريين بحجة أن مصر دولة كبيرة، ولن تسكت على ما وقع من إساءة لها، ليس هو الأسلوب الأمثل فى الرد على عدوانية الغوغاء الجزائرية.

وانتقد أيضًا وزير الإعلام المصري الذى قاد حملة الدعاية والهجوم ضد الجزائر، ووصف الأمر بالتخبط السياسى عندما أعلن أن الجزائر اتخذت موقفًا عدائيًا من مصر وتوعد بقطع العلاقات الثقافية والفنية والسينمائية. والامر ذاته ينطبق على الاتهامات التي وجهت الى دول عربية وإسلامية أخرى، كقطر وإيران بأنهما وراء الاحداث.

وقال الدكتور محمد ابو الغار فى مقاله بالمصري اليوم ان كل من مصر والجزائر تتمتعان بنظام استبدادي قمعي لا يسمح لأي انتخابات حرة أو تداول سلطة، وفى كلتا الدولتين هناك سخط شعبي داخلي عليهما وأوضاعهما الخارجية مهتزة على مستوى الدول العربية أو مستوى العالم. ويرى ان الدولة المصرية أدارت الأزمة بطريقة سيئة انتهت بكارثة من أجهزتها الإعلامية والدبلوماسية تستحق المساءلة من رئاسة الدولة ومن الشعب. مشيرًا الى انه كان لا بد من الاعتذار ومحاسبة المسؤول عن تأمين أتوبيس اللاعبين الجزائريين ، حيث تم استغلال هذا الحادث البسيط دعائيًا في العالم كله ضد مصر، وكذلك لإثارة الجماهير الجزائرية وإلهائها عما يعاني منه الشعب الجزائري.

وقال ان quot;النظام المصرى بدا عاجزًا ومشلولاً ولم تنتبه الأجهزة المصرية ان الجزائر ارسلت بلطجية وسط المشجعين للانتقام من المشجعين المصريين بسبب حادث الأتوبيس، بل ارسلت الطائرات المصرية يوم المباراة وهي تحمل باشوات ومليونيرات الحزب الوطني وطائرات أخرى تحمل الفنانين والإعلاميين وحصل الاعتداءات على المصريين واستمر الإعلام المصري فى إثارة المصريين، بدلاً من أن يهاجم الدولة التى أساءت إدارة مباراة لكرة القدم بكل أجهزتهاquot;.