لندن: في مكتب لفرز الرسائل البريدية بجوار مخبز في منطقة صناعية في القدس تُعزل مئات الرسائل بعناية عن مثيلاتها لإيصالها إلى عناوين خاصة جدا، وتُعامل هذه الرسائل بالاحترام الذي تُعامل به النصوص المقدسة. وتحمل ظروف الرسائل عناوين مختلفة، لكن وجهتها كلها مكان واحد، وكلها رسائل لا يمكن الرد عليها، أو ليس بمقدور البشر أن يردوا عليها على أقل تقدير.

هذا هو قسم quot;الرسائل الموجهة إلى اللهquot; في دائرة البريد الإسرائيلي التي تتسلم كل عام أكثر من ألف رسالة. تُفتح الرسائل مرة كل بضعة أشهر وتُطوى وفي مراسم يرعاها حاخام، تُحشر في شقوق الحائط الغربي في القدس القديمة. بعض هذه الرسائل من يهود وبعضها الآخر من مسيحيين، ورسائل أخرى من معتنقي ديانات أخرى.

إحدى هذه الرسائل التي وصلت الى دائرة البريد من بولندا معنونة ببساطة إلى quot;الله، القدس، إسرائيلquot;، وأخرى من استراليا إلى quot;الله العزيز، الحائط الغربيquot;. وتقول رسالة من بريطانيا quot;إلى رجل فقير في إسرائيلquot;، وأخرى quot;الحاخام عيسى اليسوع، تل أبيبquot;. وتصل هذه الرسائل بلغات متعددة وغالبيتها مكتوبة هذه الأيام باللغة الروسية، ولكن هناك رسائل أخرى من ألمانيا والمكسيك وفرنسا، وبعضها باطني لا يمكن اكتناهه.

وتقول صحيفة quot;الغارديانquot; إن الظروف المعنونة إلى الخالق تحوي رسائل معاناة أو أحزان أو نذور دينية. وهناك رسالتان بالعبرية موجهتان إلى quot;والدتي المتوفاةquot; وquot;والدي المتوفىquot;. وبطاقة بريدية من الولايات المتحدة موجهة إلى quot;عزيزي اليسوعquot; ويقول صاحبها quot;أُحبك وأُفكر فيك وأشكركquot;. وتحت توقيعه ألصق الكاتب ثلاثة قروش بالبطاقة.

ويبدو أن بعض هذه الرسائل تستوحي زيارات إلى القدس وأخرى من وحي وعاظ تلفزيونيين. فإحدى الرسائل المكتوبة بالانكليزية معنونة إلى quot;السيد المسيح، بواسطة القدس، إسرائيلquot;، وهي تبدأ على النحو الآتي: quot;أُريد أن أشكرك جزيل الشكر على فرصة المشاركة في عرضك التلفزيوني بشأن الديانة المسيحية ومشورتك ومكافآتكquot;. وكان في داخل الرسالة شيكا بمبلغ سنت واحد.

ويبدو أن رسائل أخرى مدفوعة بإيمان ديني عميق بينها رسالة في صفحتين بخط اليد من داخل إسرائيل ومكتوبة باللغة الانكليزية. وهذه الرسالة موجهة إلى quot;ابن الراهبة، جماعة جوشوا، اسرائيلquot;. ويستهل الكاتب رسالته بالقول quot;هل العمل في خدمة الاله الأخير جريمة؟

منذ تولى آفي يانيف ـ 66 عاما ـ إدارة قسم الرسائل المعنونة إلى الله قبل 12 عاما حاول أن يفهم معنى هذه الرسائل التي تصل قسمه كل يوم. وتنقل صحيفة quot;الغارديانquot; عن يانيف قوله إنها رسائل صادرة عن quot;كآبة أو غم أو حزن، تطلب الشفاء لأحد أفراد العائلة، أو الصلح بين رجل وزوجته أو بين إسرائيل والبلدان العربية. وبعض كتاب الرسائل يطلبون سلعا مادية. نحن نسميها قائمة الطلبات: فهم يطلبون وظيفة جيدة أو زوجة صالحة أو سيارة لطيفة أو مزيدا من المالquot;.

هناك كاتبا رسائل مواظبان احدهما من المكسيك والآخر من بلجيكا، يبعثان رسائلهما كل بضعة أسابيع. ولكن الأنظمة البريدية لا تجيز لمدير القسم يانيف أن يرد على رسائلهما. وبصرف النظر عن ديانة الكاتب فان الرسالة تُسلَّم في النهاية إلى الحائط الغربي، وبعد فترة تُفرَّغ الشقوق الموجودة في الجدار لاستقبال رسائل جديدة، وتُدفن الرسائل القديمة في الأرض المقدسة.

رغم تناقص الرسائل التي تُبعث بالبريد العادي، في الغرب على الأقل، فان الرسائل المعنونة إلى الله حافظت على عددها. ولاحظ يانيف حدوث زيادة حادة في الرسائل القادمة من روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة خلال السنوات الأخيرة، في ما يعتبره مظهرا من مظاهر الانفتاح الجديد في مجتمعاتها.

ترد بين فترة وأخرى رسائل من الأردن ومصر وذات مرة من المغرب ولكن لا تتسلم دائرة البريد رسائل من الدول العربية الأخرى. وغالبية الرسائل شخصية للغاية. ويقول يانيف انه تسلم رسالة من شخص لم يطلب شيئا من الله بل أراد أن يشكر الله على ما لديه فحسب.

ويصيف يانيف أن دائرته تسلمت رسالة من روسيا وجهتها صاحبتها إلى والدها المتوفى. وخاضت الكاتبة مشاجرة كلامية معه مستخدمة كلمات صعبة جدا في وصف معاملته لها، وفي مناسبة أخرى تسلم البريد رسالة من رجل وجهها إلى الله بعد وفاة زوجته يطلب من الله أن يعيدها إليه في أحلامه ليتمكن من رؤيتها لأنه شديد الشوق إليها.