واشنطن: يُواجه الكونغرس الأميركي في دورته الحادية عشر بعد المائة تحديات جمة، تتنوع ما بين قضايا داخلية وخارجية، يأتي في مقدمتها الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد الأميركي، وقضايا التعليم والرعاية الصحية والبيئة، إلى جانب الإرث الثقيل الذي تركته إدارة بوش في العراق وأفغانستان.

وفي الرابع من نوفمبر الماضي (2008) تمكن الديمقراطيون من تأكيد حفاظهم على الأغلبية في مجلسي الكونغرس، مجلس النواب ومجلس الشيوخ، والتي تزامنت مع سيطرتهم أيضًا على البيت الأبيض. فمن أصل 435 مقعدًا في مجلس النواب يسيطر الديمقراطيون على 256 مقعدًا بزيادة 20 مقعدًا عن الدورة السابقة، وذلك في مقابل 178 مقعدًا للجمهوريين. وفي مجلس الشيوخ وصل عدد مقاعد الديمقراطيين إلى 57 مقعدًا من أصل 100 مقعدٍ ، وقد يرتفع هذا العدد إلى 59 مقعدًا بعد أن يتم حسم النتائج في ولايتي مينيسوتا وإلينوى). ومع انتخاب رئيس ديمقراطي في البيت الأبيض تنتهي فترة الحكومة المنقسمة التي اتسمت بها دورة الكونغرس 110 خلال عامي 2007 و2008، حين سيطرت أغلبية ديمقراطية على الكونغرس مع وجود رئيس جمهوري في البيت الأبيض، تدشن بداية مرحلة جديدة من الحكومة الموحدة، يسيطر فيها الديمقراطيون على البيت الأبيض والكونغرس بمجلسيه. ولذلك فمن المتوقع أن يكون أداء الكونغرس في دورته الجديدة أفضل حالاً من الدورة السابقة.

تقييم أداء دورة الكونغرس 110

أعدت مؤسسة بروكينغز دراسة تحت عنوان quot;تقييم دورة الكونغرس 110، وتوقعات حول الدورة 111 قام بإعدادها كل من سارة بيندر وتوماس مان ونورمان أومستين وموللي رينولدز .

تناولت الدراسة تقييمًا لأداء الكونغرس الأميركي في دورته 110 والتحديات التي واجهها أثناء تأديته وظائفه الرقابية والتشريعية ومحاولته لاستعادة دوره الرقابي على السلطة التنفيذية، وهو ما كان شبه منعدم خلال فترة رئاسة الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، حتى عام 2006؛ بسبب سيطرة الجمهوريين على الكونغرس.

ففي تلك الفترة تغاضى الكونغرس عن كثير من أخطاء الإدارة الأميركية وفضائحها مثل سجن( أبو غريب ) في العراق. كما أذعن الكونغرس كليةً للإدارة الأميركية في الشئون الخاصة بالرقابة والتجسس داخل الولايات المتحدة وخارجها، ولم يتخذ أي إجراءات تجاه فضائح الإدارة السابقة وإساءة استخدام السلطة.

وعلى الرغم من محاولات الديمقراطيين في الدورة السابقة للكونغرس (110) إعادة التوازن بين الكونغرس و البيت الأبيض وكبح جماح الإدارة الأميركية وفرض درجة عالية من الرقابة على سياساتها وممارساتها، إلا أن قدرة الكونغرس بأغلبيته الديمقراطية على تعديل سياسات الإدارة الأميركية السابقة كانت محدودة. فقد لجأ الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، في كثير من الأحيان إلى توقيع البيانات الرئاسية، والتي من شأنها تعديل أو إعادة تفسير التشريعات الصادرة عن الكونغرس أثناء قيام الرئيس بالتصديق عليها. كما استخدمت الإدارة الأميركية ما يعرف باسم quot;امتياز السلطة التنفيذية أمام قيام الكونغرس بالتحقيق في عدد من القضايا وإساءة استخدام السلطة من قبل إدارة الرئيس بوش؛ وذلك للامتناع عن تقديم أي مستندات أو معلومات للكونغرس أو للمحاكم للتحقيق، أو لرفض استدعاء موظفي البيت الأبيض للمثول أمام الكونغرس للشهادة.

و قد أدى هذا الانقسام الحكومي - إدارة جمهورية والكونغرس بأغلبية ديمقراطية - إلى جانب استمرار الاستقطاب الإيديولوجي للحزبين الديمقراطي والجمهوري إلى الحد من القدرة على مواجهة القضايا الهامة.

ويرى معدو الدراسة أن أهم أداء للكونغرس في دورته 110 كان موقفه من الأزمة المالية مع اقتراب انتهاء دورته 110. غير أنه أذعن للإدارة الأميركية السابقة بموافقته على خطة الإنقاذ المالي التي تقدمت بها إدارة الرئيس بوش، وتكلفتها 700 مليار دولار أميركي. وعلى الرغم من أن الكونغرس قد قام بتقسيم الخطة إلى قسمين يتم بمقتضاها إعطاء الإدارة نصف المبلغ (350 مليار دولار( مع الاحتفاظ بالحق في رفض إعطاء الإدارة الجزء الثاني من المبلغ، إلا أنه بسبب ضيق الوقت والحاجة للتوصل إلى اتفاق سريع قبل أن تتزايد حدة الأزمة سوءًا، لم يحظ الكونغرس بوقت كافٍ لمناقشة الخطة، والأسوأ من ذلك أن الكونغرس لم يضع معايير دقيقة للمراقبة والمحاسبة؛ مما أدى إلى إفقاد الكونغرس القدرة على السيطرة ومتابعة تنفيذ الخطة.

فلم تستخدم المخصصات المالية للأغراض المخصصة إليها، وعمد وزير الخزانة quot;هنري بولسونquot; إلى استخدام الأموال لإنقاذ البنوك وضخ سيولة بداخلها بعد أن كان قد أعلن أمام نواب الكونغرس أنه لن يستخدم الأموال لإنقاذ البنوك معتبرًا تلك السياسة غير ناجحة لإنقاذ الاقتصاد الأميركي. لكنه سرعان ما عدل من سياسته بعد موافقة الكونغرس الأمر الذي أثار جدلاً واسعًا داخل أروقة الكونغرس.

توقعات حول دورة الكونغرس 111

تتوقع الدراسة أن يسعى الكونغرس الحالي بمجلسيه، النواب والشيوخ، لاستعادة مكانته وسلطاته مع بداية دورته الحادية عشر بعد المائة، وتمثلت أولى المؤشرات على ذلك الإشارة التي تلقاها نائب الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، بأنه غير مرغوب بحضوره اجتماعات الغداء الأسبوعية الخاصة بأعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، والتي يناقشون فيها استراتيجيتهم أو يستمعون للخبراء أو ينتقدون الإدارة. وقد كان نائب الرئيس الأميركي الأسبق، ديك تشيني، دائم حضور هذه الاجتماعات الأسبوعية التي يقوم بها نواب مجلس الشيوخ الجمهوريين الأمر الذي كان يحد من حرية النواب على انتقاد سياسات الإدارة الأميركية.

وبنبرة حادة تحدثت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسى، مع كبير موظفي البيت الأبيض، رام إيمانويل، حول ضرورة احترام الإدارة الأميركية للمجلس. إلا أن هذه المؤشرات، حسب ما جاء في الدراسة، لا تتعدى كونها إشارات رمزية؛ فالتحدي الأكبر أمام الكونغرس يكمن في رغبته و قدرته على ممارسة درجة أعلى من الرقابة على سياسات وممارسات الإدارة الجديدة.

ويكمن التحدي الثاني للكونغرس في ضرورة استعادة العمل بالقواعد الإجرائية المعتادة والمتعارف عليها داخل المجلسين. فقد اتسمت الدورة السابقة للكونغرس بقيام الديمقراطيين والجمهوريين بعدة ممارسات تخرج عن نطاق القواعد المعتادة داخل المجلسين. فتكررت محاولات الجمهوريين تعطيل التصويت داخل مجلس الشيوخ واستمرار النقاش داخل المجلس إلى ما لا نهاية.

وداخل مجلس النواب استخدم الجمهوريون quot;الاقتراح بإعادة مشروع القانون للجنة المختصةldquo; بغرض القضاء على مشروع القانون وعدم التصويت عليه. كما لجأ الديمقراطيون داخل مجلس النواب في كثير من الأحيان إلى منع أي تعديلات على مشروعات القوانين .

يقع عبء تغيير هذه الممارسات المعطلة والعودة للعمل بالقواعد الإجرائية داخل المجلسين، كما جاء في الدراسة، على الديمقراطيين والجمهوريين معًا؛ فعلى الأغلبية أن تسمح بالنقاش داخل الكونغرس وأن تكون أكثر انفتاحًا وتقبلاً للتعديلات على مشروعات القوانين من قبل الأقلية الجمهورية.

وعلى الجمهوريين المشاركة وتقديم المقترحات والبدائل والتخلي عن ممارساتهم المعرقلة والتلاعب بالقواعد من أجل التعطيل والمماطلة.

وسوف يمثل الرئيس الأميركي المنتخب، باراك أوباما، عاملاً هامًّا إما لإعادة الكونغرس لسابق عهده وإنهاء الصراعات الحزبية أو لاستمرارها. فقد عزم أوباما على إحداث تغيير في السياسة الأميركية وإنهاء حالة الصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين، ولكن أجندته السياسية الطموحة والمليئة بالقضايا الداخلية والخارجية مع وجود أغلبية ديمقراطية داخل الكونغرس تمثل إغراءً لإدارته وللديمقراطيين بسَنِّ القوانين الخاصة بالقضايا الهامة بسهولة ويسر وبصورة سريعة مما يزيد حدة الصراعات بين الحزبين. ويرى معدو الدراسة أن العمل على قانون الحوافز المالية يعد فرصة مناسبة لخلق أجواء للحوار والتعاون بين الديمقراطيين و الجمهوريين لإصدار القانون.

الكونغرس والأزمة الاقتصادية

بدأ الكونغرس الأميركي دورته بالتركيز على الأزمة الاقتصادية، فقام مجلس الشيوخ بالتصويت لإعطاء الإدارة الجديدة النصف الثاني من مخصصات خطة الإنقاذ التي تقدر قيمتها بـ350 مليار دولار. فصوت مجلس الشيوخ بأغلبية 52 صوت في مقابل 42 للتصدي لاقتراح من شأنه وقف الجزء الثاني من خطة الإنقاذ.

وفى تقرير نشرته صحيفة الواشنطن بوست الأميركية أعده كل من لوري منتجمرى وبول كين تحت عنوان مجلس الشيوخ يصوت لإصدار أموال خطة الإنقاذ لأوباما، جاء فيه أنه بالرغم من قيام بعض الجمهوريين بالتصويت لصالح الإدارة الأميركية لإعطائها الأموال اللازمة لاستكمال خطة الإنقاذ، إلا أن الغالبية من الجمهوريين قد صوتوا ضد صرف الجزء الثاني من الخطة علمًا بأن 34 عضوًا من مجلس النواب الجمهوريين قد صوتوا لخلق الخطة ووضعها موضع التنفيذ مع نهاية عام 2008، فإن ستة فقط من الجمهوريين صوتوا لصرف باقي المخصصات المالية للإدارة الجديدة، وهو مؤشر على أن التصويت ما يزال يتم لاعتبارات حزبية، وأنه قد يكون من الصعب التغلب على الانقسامات بين الديمقراطيين والجمهوريين الذين قد يسعوا لعرقلة الأجندة الديمقراطية.

هذا، وقد أعلن زعماء مجلس النواب الديمقراطيين عن الخطة الجديدة الخاصة بحزمة الحوافز الاقتصادية بقيمة 820 مليار دولار تشتمل على تخفيضات وإعفاءات ضريبية وإنفاق حكومي ضخم. هذه الحزمة الجديدة من الحوافز تهدف إلى تنفيذ برنامج الرئيس باراك أوباما لإنقاذ ملايين العاملين من فقدان وظائفهم وزيادة فرص العمل خلال العامين القادمين وتوسيع نطاق الرعاية الصحية لتشمل عددًا أكبرَ من المواطنين خاصة الأطفال بالإضافة إلى زيادة الإنفاق على التعليم.

وفي أول خطاب له من البيت الأبيض، يوم السبت الموافق الرابع والعشرون من شهر يناير الحالي (2009)، أعلن أوباما تفاصيل الخطة في محاولة لكسب تأييد الشعب ونواب الكونغرس للموافقة عليها وخاصة الجمهوريين الذين أعلن بعضهم عن معارضتهم للخطة.

ويسعى الديمقراطيون إلى تمرير خطة الحوافز الاقتصادية في منتصف شهر فبراير القادم. وقد استخدم الكونغرس خطة حوافز اقتصادية مماثلة لإنعاش الاقتصاد الأميركي في فبراير من عام 2008 بقيمة 168 مليار دولار أميركي تضمنت بالأساس تخفيضات ضريبية، ولكنها لم تحدث نتائج حقيقية في الاقتصاد الأميركي؛ حيث استخدم المستفيدون من الخطة الأموال لسداد ديونهم أو لادخارها. لذلك يشكك الجمهوريون في جدوى حزمة الحوافز الاقتصادية الجديدة التي يتبناها أوباما والديمقراطيون من ورائه.

أحدثت النقاشات الدائرة حول خطة الحوافز الاقتصادية زخمًا وحراكًا سياسيًّا داخل أروقة الكونغرس مع بداية دورته. وسوف يتضح في الأيام القادمة ما إذا كان الكونغرس قادرًا على استعادة سلطاته الرقابية والتشريعية وقدرته على خلق أجواء أقل حدة بين الديمقراطيين والجمهوريين مع استمرار الرئيس أوباما في السعي لتنفيذ أجندته الخاصة بالإصلاح الاقتصادي وسياساته الخاصة بالبيئة والتعليم وعزمه سحب القوات الأميركية من العراق وإرسال مزيدٍ من القوات إلى أفغانستان، وكلها قضايا تستدعي تعاونًا بين الإدارة والكونغرس وبين الحزبين الكبيرين، الديمقراطي والجمهوري.