واشنطن: يُثير الدعم الإيراني ـ الشيعي ـ لحركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) ـ السنية ـ خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي استمر قرابة اثنين وعشرين يومًا، ومدح قيادات ومسئولي الحركة طهران على دعمهم لها، ومن قبل الدعم الإيراني لتنظيم القاعدة ـ السني، تساؤلاً رئيسًا مفاده: هل لدى إيران الرغبة في تحسين علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية ـ السنية ـ المحظورة رسميًّا؟، تمشيًا مع السياسة الإيرانية لتدعيم قوى الممانعة السنية في المنطقة، وفي إطار الحملة الإيرانية لتقويض الدور الإقليمي لمصر لتحل محله.
في إطار الإجابة على التساؤل، خلصت مقالة نشرها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى The Washington Institute for Near East Policy تحت عنوان quot;جماعة الإخوان المسلمين في مصر وإيران Egypt's Muslim Brotherhood and Iranquot; لـ quot;مهدي خلجي Mehdi Khalaji ـ زميل زائر بالمعهد، تركز كتاباته على دور السياسة في التوجه الشيعي في إيران والعراق ـ أمس الخميس (12-2-2008)، أنه على الرغم من استحالة التقارب بين المذهبين السني والشيعي على طول الخط كما تشير الخبرة التاريخية، إلا أنه من الممكن أن تكون هناك علاقات بين طهران الشيعية والإخوان المسلمين السنية داخل مصر؛ للعلاقات غير الرسمية بين الطرفين لعدة سنوات، ولأن المذهب الشيعي يلقى قبولاً من التيار السني المصري على عكس كثير من الدول العربية، فضلاً عن استحسان الراديكاليين المصريين ـ حسب توصيف المقالة ـ للانتقادات الإيرانية للدور المصري. وترى المقالة أيضًا أن من شأن تلك العلاقة بين إيران الشيعية والإخوان المسلمين السنية زيادة النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وأن يكون لطهران كلمة في الدول العربية، ومن ثم التأثير بالسلب على المصالح والدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسطquot;. وفيما يلي عرض لأهم الأفكار التي جاءت في المقالة.
العلاقات بين إيران والجماعات السنية
تحت هذا العنوان يشير quot;خلجيquot; إلى الهاجس الأمني المصري من الاتصال بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين المصرية من خلال حركة حماس التي خرجت من عباءة الجماعة. فقد زاد الهاجس المصري بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، فخلال هذا العدوان زاد الدعم الإيراني للحركة، بجانب تزايد الانتقاد الإيراني quot;للتخاذل المصريquot;، وهو ما دفع رئيس المكتب السياسي للحركة quot;خالد مشعلquot; إلى أن يثني على إيران لدعمها الحركة في مواجهة الهجمات الإسرائيلية، قائلا: إن للحكومة الإيرانية والشعب الإيراني كبير الدور في نصر الحركة في قطاع غزة.
ويشير الكاتب إلى أن لطهران علاقات قوية مع ما من تصفهم المقالة بـquot;السنة المتطرفينquot;، وينقل الكاتب عن صحيفة نيويورك تايمز ما تقوله السلطات السعودية من أن زعيم القاعدة في الخليج العربي quot;Abdullah al-Qaraqiquot; يعيش ويتحرك بحرية في طهران، وأن عديدًا من السعوديين يعملون لحسابه. وتقول وزارة الخزانة الأميركية أن طهران قبضت على نجل تنظيم القاعدة quot;سعد بن لادنquot; في بداية عام 2003، لكنه الآن ليس في حوزة إيران، وحسب مدير المخابرات القومية الأميركية مايكل ماكونيل Michael McConnell إن نجل بن لادن حاليًا في باكستان.
علاقة الإخوان المسلمين بالثورة الإسلامية
على الرغم من غياب علاقات تنظيمية قوية بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر وطهران، إلا أن quot;خلجيquot; أشار إلى دور الجماعة في إعادة بعث الروح الإسلامية في طهران قبل قيام الثورة الإسلامية. وإلى التعاون بين أقطاب الجماعة في مصر وأقطاب الشيعة quot;الأصوليينquot; في طهران. مشيرًا إلى دور رجل الدين الإيراني الشاب quot;مجتبي نواب صفويquot; (1924-1955) الذي سعى إلى ربط quot;الشيعة الأصوليينquot; بالحركات quot;الإسلامية الأصوليةquot; في البلدان الأخرى. ومثل مؤسسي التيار الإسلامي المصري رأى أنه لمحاربة هيمنة الغرب على المسلمين والطائفية يجب تنحي الصراع بين السنة والشيعة جانبًا وخلق جبهة موحدة من المسلمين.
وتلبيًا لدعوة سيد قطب ـ مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ـ زار quot;مجتبي نواب صفويquot; مصر والأردن في عام 1954 للقاء زعمائها، وتحت تأثير جماعة الإخوان المسلمين أصبح quot;مجتبيquot; أكثر اهتمامًا بالقضية الفلسطينية. قبل ذلك الوقت كانت هناك إشارات قليلة للقضية الفلسطينية داخل المجتمع الإيراني بين رجال الدين والمثقفين والناشطين اليساريين. وبعد عودته إلى إيران بدأ حملته لتدعيم فلسطين، فجمع ما يقرب من خمسة آلاف متطوع للانتشار في الأراضي الفلسطينية لمحاربة اليهود. وتشير المقالة إلى أنه قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979 ترجم المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي كتابين لسيد قطب الأول تحت عنوان quot;مستقبل هذا الدينquot; والثاني quot;الإسلام ومشكلات الحضارةquot;.
وعن رؤية الجماعة للثورة الإسلامية، يقول الكاتب: إن الجماعة في بداية الأمر رحبت بالثورة الإسلامية التي قادها آية الله الخميني، التي منحت الإخوان الثقة بأنهم قادرون على قلب quot;النظام العلمانيquot; المصري في ذلك الوقت. ولكن بعد اغتيال الرئيس المصري الراحل quot;أنور الساداتquot; عام 1981 على أيدي الراديكاليين الإسلاميين اضطر الإخوان المسلمون إلى اتخاذ موقف حذر من الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الأقل في العلن. وفي يناير 1982 قال quot;عمر التلمسانيquot; ـ المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين ـ لصحيفة المصور الأسبوعية: quot;نحن ندعم الخميني سياسيًّا، لأن شعبًا مظلومًا قد تمكن من التخلص من استبداد الحاكم واستعادة حريتهم، ولكن من وجهة النظر الفقهية، السنة شيء والشيعة شيء آخرquot;.
ويقول quot;خلجيquot; إن الجماعة استمرت في انتقاد الخلافات الطائفية بين المسلمين بحجة أن الوحدة ضرورية من أجل الجهاد ضد الحكام الفاسدين والغرب. وفي عام 1985 كتب التلمساني في مجلة quot;الدعوة المصرية quot;إن الاتصالات بين الإخوان ورجال الدين الإيرانيين ليس الهدف منها دفع الشيعة لاعتناق المذهب السني، ولكن الهدف الأساسي من ورائها الامتثال لمهمة الإسلام لتلاقي المذاهب الإسلامية إلى أقصى حد ممكنquot;.
ويذهب الكاتب إلى أن هناك مراحل تعاونت فيها جماعة الإخوان المسلمين مع طهران بشكل أكثر صراحة، مشيرًا إلى أنه في عام 1988 على سبيل المثال، بعد انتهاء الحرب الإيرانية ـ العراقية وبناء على طلب من أحد قيادات الجماعة الشيخ quot;محمد الغزاليquot; وافقت إيران من جانب واحد على إطلاق سراح الأسرى المصريين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش العراقي ضد إيران.
ومؤخرًا قال المرشد الحالي للجماعة quot; مهدي عاكفquot; في حوار مع وكالة الأنباء الإيرانية quot;مهرquot;: quot;إن الإخوان المسلمين تؤيد مفاهيم وأفكار مؤسس الجمهورية الإسلاميةquot;. وأضاف quot;أفكار الخميني لاسيما تجاه القضية الفلسطينية، هو استمرار لتوجه الجماعة لمحاربة الاحتلالquot;
شيعة مصر. بين الحاضر والماضي
وفي المقالة يتنقل الكاتب إلى بحث أوضاع الشيعة داخل مصر قائلاً: quot;إن مصر تتميز بأنها أكثر الدول العربية السنية تقبلا للشيعةquot;. ويرجع الكاتب إلى بدايات انتشار المذهب الشيعي في مصر مع العصر الفاطمي لاسيما الشيعة الإسماعليين الذين لعبوا دورًا حيويًّا في التواصل بين إيران ومصر. ويرى الكاتب أن قرنين من الحكم الفاطمي في مصر يمثل نقطة بارزة في تاريخ الحضارة الإسلامية في مجال التنمية والازدهار الثقافي، حتى أن الفن المصري في تلك الفترة تأثر بالأسلوب الإيراني. ويشير الكاتب إلى مدى تأثير العصر الفاطمي على الثقافة المصرية من استمرار احترام وتبجيل أهل البيت.
ويشير إلى أنه مثلما كان هناك تأثير للإسلام السياسي المصري على رجال الدين الإيرانيين كما ذكرنا سابقًا، لعب رجال الدين الإيرانيين بدورهم دورًا حيويًّا في تشكيل الإحياء الإسلامي في مصر، مشير إلى دور جمال الدين الأفغاني في القرن التاسع عشر وما تركه من فكر ديني عمل على توحيد المسلمين ومعالجة علل المجتمعات الإسلامية.
وتشير المقالة إلى أن موجات التشيع لم تقل خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أثار حفيظة الحكومة المصرية من تصاعد المد الشيعي في المنطقة، وينقل الكاتب تصريحًا للرئيس المصري quot;حسني مباركquot; ليعبر عن مدى القلق المصري من شيعية داخل مصر وخارجها، فضلاً عن الحملات الإعلامية ضد رموز الشيعة والتشيع.
ففي نوفمبر 2005 قال الرئيس المصري quot;مباركquot;: quot;إن معظم الشيعة موالون لإيران وليس لحكوماتهمquot;. وهو ما أثار غضب كثيرٍ من الشيعة فخرجوا في مظاهرات بالآلاف في النجف ـ المدنية الشيعية المقدسة في العراق ـ مما دفع الرئيس المصري إلى تفسير تصريحه قائلا: quot;إنه كان يعني أن تتعاطف الشيعة مع إيران في النواحي الدينية وليس في وجهات النظر السياسيةquot;.
ويشير الكاتب أيضًا إلى تصريحات لرجل الدين المصري البارز الشيخ quot;يوسف القرضاويquot; الذي حذر أكثر من مرة من الأنشطة التبشيرية من الشيعة والحكومة الإيرانية خاصة في مصر. فقد قال الشيخ quot;القرضاويquot;: quot;إن تزايد تسلل المذهب الشيعي لمصر ينذر بحرب أهلية مثل التي يشهدها العراقquot;. وحاليًا تبذل الحكومة المصرية جهودًا لتعبئة رجال الدين ورجال من الأزهر الشريف ضد جماعة الإخوان المسلمين لمواجهة تيار التشيع.
وعن عدد الشيعة في مصر يقول الكاتب: quot; إنه ليس هناك إحصائية تحدد هذا العدد؛ للضغوط التي يتعرض لها الشيعة من الحكومة المصرية، فعظمهم يتجنب الاعتراف علانية بدينهم. لكن بعض المصادر الغربية والمصرية مثل مركز ابن خلدون تشير إلى أن عدد الشيعة يقل عن 1% من سكان مصر أي حوالي 657000 شيعي، إلا أن المقالة تشير إلى الرقم الذي يعلنه quot;محمد الدرينيquot;، وهو سني بارز اعتنق المذهب الشيعي، أن العدد يصل إلى 1.5 مليون شيعي داخل مصر.
وتخلص المقالة إلى أنه في الوقت الذي لم يتضح فيه الانفراج في العلاقات بين جماعة الإخوان المسلمين المصرية وطهران، فإن عواقب مثل هذه العلاقات ستكون مضرة للمصالح والوجود الأميركي في المنطقة، قائلة: إن إيران مازالت تركز على توسيع نفوذها داخل وخارج منطقة الخليج العربي، وأن يكون لها علاقات قوية مع قوى الممانعة وأحزاب المعارضة داخل المنطقة والذي من شأنه تعزيز مكانة ودور إيران التأثيري في المنطقة، ولذا يدعو quot;خلجيquot; الإدارة الأميركية إلى الاهتمام بهذه القضية.
التعليقات