واشنطن: رغم إقرار خطة الحوافز التي قدمتها الإدارة الأميركية وتمريرها في مجلسي الكونغرس الأميركي ـ مجلس النواب ومجلس الشيوخ ـ، ما زال الرئيس الأميركي quot;باراك أوباماquot; يبذل جهودًا حثيثة لإقناع الرأي العام الأميركي والمشرعين وقادة الحزب الجمهوري بجدوى سياساته الاقتصادية، ومدى قدرتها على إنقاذ الاقتصاد الأميركي من حالة الركود التي يعاني منها. فبعد الجدل الشديد الذي شهدته ساحة الكونغرس الأميركي قبل تمرير هذه الخطة، والمعارضة الشديدة التي قوبلت بها من جانب أعضاء الحزب الجمهوري، انتقلت هذه المعارضة إلى السلطة التنفيذية المتمثلة في حكام الولايات الأميركية، خاصة أولئك الذين ينتمون إلى الحزب الجمهوري. فمع بداية تطبيق الخطة تم تخصيص مبالغ مالية ستوجهها الحكومة الفيدرالية إلى مختلف الولايات بمقتضى هذه الخطة. وظهرت بوادر معارضة حكام الولايات في رفض بعضهم عددًا من البرامج التي ستنفذ طبقًا لهذه الخطة، لما تتضمنه من ضرورة الوفاء باشتراطات معينة، والقيام ببعض التغييرات التشريعية في القوانين المطبقة داخل هذه الولايات.

اهتمت وسائل الإعلام الأميركية هذا الأسبوع بهذا الرفض الذي أبداه حكام الولايات الأميركية، حيث استضافت الشبكات الإخبارية عددًا من هؤلاء الحكام على شاشتها؛ للوقوف على أهم جوانب رفضهم لهذه الخطة، والكيفية التي سيؤثر بها هذا الرفض على تنفيذ الخطة، ونجاحها في إنقاذ الاقتصاد الأميركي.

انقسام حكام الولايات حيال الخطة

وفى هذا الإطار تناول برنامج FOX News Sunday ndash; الذي يقدمه الإعلامي كريس والاسChris Wallace على شبكة FOX News ndash; برد فعل حكام الولايات الأميركية بعد دخول خطة الحوافز حيز التنفيذ، حيث استضاف البرنامج عددًا من حكَّام الولايات الأميركية، على رأسهم حاكم ولاية بنسلفانيا Pennsylvania ورئيس الاتحاد القومي لحكام الولايات National Governors Association إيد ريندال Ed Rendell، وحاكمة ولاية ميتشجان Michigan غينفير جرانهولم Jennifer Granholm، وحاكم ولاية ساوث كارولينا South Carolina الجمهوري مارك سانفورد Mark Sanford، وحاكم ولاية مينيسوتا Minnesota تيم باولينتي Tim Pawlenty.

وفى البداية طرح والاس Wallace عددًا من المؤشرات الاقتصادية المتعلقة بوضع ولاية ساوث كارولينا South Carolina الاقتصادي، حيث تحتل المركز الثالث على مستوى الولايات الأميركية فيما يتعلق بنسبة البطالة. وبمقتضى خطة الحوافز الاقتصادية فإن الولايات سوف تحصل على حوالي ثمانية مليارات دولار، مما سيسهم ndash; حسب تقديرات البيت الأبيض ndash; في خلق خمسين ألف وظيفة جديدة، ولكن بالرغم من هذه المميزات التي قد تعود على هذه الولاية نتيجة هذه الأموال التي ستضخ في اقتصادها، فإن حاكم الولاية أعلن أنه لن يقبل كل هذا المبلغ بما في ذلك بعض حوافز ومعونات البطالة.

وفى تفسيره لذلك السلوك أكد أن هذا المنطق الذي يتعامل به الرئيس باراك أوباما مع الأزمة الاقتصادية، والذي يعتمد على ضخ مزيد من الاستثمارات الحكومية، وزيادة الإنفاق الفيدرالي يعيد إلى الأذهان ما كانت عليه الأمور في أثناء الحقبة السوفيتية، خاصة في عهد ستالين، حيث كان النظام السوفيتي الحاكم يدفع بأن ضخ حجم ما من الأموال في الاقتصاد، سوف يُسهم في خلق عدد من الوظائف، ولكن سانفورد Sanford أكد أن الأمور لا تسير بهذه الطريقة، فضلاً عن أن هذه الأموال التي ستتلقاها الولاية تكون مرتبطة بمجموعة من الإجراءات والشروط التي يجب على الولاية أن تفي بها، حتى تصبح مؤهلة للحصول على هذا الدعم، ولكنَّ هناك كثيرًا من العقبات التي تحول دون قدرة الولاية على تنفيذ هذه الاشتراطات.

أما جينفير غرانهولم Jennifer Granholm والتي وصل معدل البطالة في ولايتها إلى حوالي 10.6% فقد أكدت أنها سوف تقبل كل المبلغ المخصص لها ضمن خطة الإنقاذ الاقتصادي، والبالغ حوالي سبعة مليارات دولار، ولفتت الانتباه إلى أن الحجج التي ساقها حاكم ولاية ساوث كارولينا South Carolina ليست صحيحة إلى حد بعيد، حيث أشارت إلى أن صناع القرار الأميركيين ليسوا بصدد وضع مجموعة من الفلسفات النظرية، لأن هناك واقعًا يشير إلى أن الأوضاع شديدة التدهور، حيث فقد أفراد وظائفهم دون أي ذنب ارتكبوه، كل ذلك بسبب حالة الركود التي يعيشها الاقتصاد الأميركي، وهو ما دفع الولاية إلى الاستفادة من كل دولار تقدمه الحكومة الفيدرالية لاقتصادها المتعثر بسبب الأزمة.

أما حاكم مينيسوتا Minnesota الجمهوري، فبالرغم من انتقاده الشديد لخطة الإنقاذ، إلا أنه أعلن أن ولايته ستقبل كامل الدعم الذي اعتمدته الخطة لها والمقدر بحوالي أربعة مليارات دولار، وفي تفسيره لهذا الموقف أكد باولينتي Pawlenty أن الخطة الآن أصبحت قانونًا واجب التنفيذ، ويجب على الجميع تحمل مسؤولياتهم، واقتناص هذه الفرصة للخروج من هذه الأزمة، وأضاف أن الولاية التي يدير شؤونها ليست فيها معظم المشاكل والعقبات التي تواجه كثيرًا من الولايات الأخرى، فكثيرٌ من الاشتراطات التي تطلبها الحكومة الفيدرالية بمقتضى هذا القانون قامت بها الولاية منذ سنوات.

وعلى الصعيد ذاته أكد باولينتي Pawlenty أن معالجة مشكلة البطالة تستحوذ فقط على ما نسبته 2% من المخصصات المالية التي أقرتها خطة أوباما، أما الجزء المتبقي والذي يمثل 98% فسيتم توجيهه إلى معالجة كافة الجوانب الأخرى لهذه الأزمة الاقتصادية. وفيما يتعلق بالرفض الذي أعلنه بعض حكام الولايات لهذه الخطة ورفضهم تلقي بعض المخصصات المالية التي أقرتها خطة الإنقاذ لولاياتهم، أكد أنه لا يجب أن يتم تعميم المشاكل التي تواجهها هذه الولايات، لأن كلاًّ منها لها مشكلاتها وعقباتها الخاصة، والتي لا يمكن تعميمها على باقي الولايات.

أما إيد ريندال Ed Rendell فقد شكك في جدوى الخطة ذاتها ومدى قدرتها على إنقاذ الاقتصاد الأميركي، حيث لفت الانتباه إلى أنه في المدى الطويل لا يمكن التعويل على عامل واحد فقد يمكنه بمفرده إنهاء حالة الركود والأزمة التي يعيشها الاقتصاد، فيجب أن تكون هناك استراتيجية شاملة تعالج كافة جوانب الأزمة وليس فقط الجانب المرتبط بما تعالجه هذه الخطة، وهو خفض معدل البطالة بين الأميركيين، لأن هذه الخطة بهذا الشكل تتضمن مخاطر عدة ndash; على المدى الطويل ndash; بالنسبة للاقتصاد الأميركي حيث ستؤدى إلى ارتفاع جنوني في الدين الأميركي، لذلك فبدلاً من التركيز على زيادة حجم ميزانيات الولايات الأميركية المختلفة، لابد من العمل على زيادة حجم الاستثمارات الحقيقية، لأنها هي الطريق الوحيد لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح في الاقتصاد الأميركي.

غيندال ضد أوباما

أما حلقة هذا الأسبوع من برنامج Meet The Press الذي يذاع شبكة MSNBC ويقدمه الإعلامي ديفيد جريجوري David Gregory، فقد جاءت هي الأخرى لرصد الجدل الذي أثاره بعض حكام الولايات الأميركية أيضًا بشأن هذه الخطة، ومدى قدرتها على إنجاز المهمة المنوطة بها في هذا الصدد،

فمن جانبه أكد النجم الجمهوري الصاعد حاكم ولاية لويزيانا بوبي غيندال Bobby Jindal ndash; الذي اختير من قبل الحزب الجمهوري ليلقي رد الحزب على الخطاب الذي ألقاه الرئيس باراك أوباما أمام الجلسة المشتركة للكونغرس الأميركي ndash; أن الطريق الأفضل الذي يجب أن تسلكه الإدارة الأميركية من أجل مساعدة لويزيانا ومختلف الولايات الأميركية وإنقاذ الاقتصاد من حالة الركود، ليس فقط زيادة حجم الإنفاق الفيدرالي كما تفعل هذه الخطة.

وجدير بالذكر أن خطة الإنقاذ قد اعتمدت أربعة مليارات دولار سوف تخصص للولاية، وكان غيندال Jindal قد أعلن موافقته على تخصيص هذا المبلغ بالكامل مع العمل على وضع مجموعة من الإجراءات الصارمة التي تضمن الرقابة الفعالة لكيفية إنفاق هذا المبلغ حتى لا يتم إهداره، ولكنه عاد وأعلن رفضه جزءًا من هذا المخصصات، يقدر بحوالي مئة مليون دولار كانت ستوجه لإعانات البطالة.

وعن الأسباب التي دعته إلى رفض هذا المبلغ، أكد غيندال Jindal أن هذا الرفض راجع إلى أن هذه الأموال الممنوحة للولاية بمقتضى هذه الخطة هي أموال مؤقتة بفترة معينة وليست دائمة. ويستدعي قبول هذه الحزمة من البرامج المدرجة في الخطة، وقبول الشروط التي تفرضها تغيير تشريعي مستديم في قوانين الولاية المتعلقة بالعمالة، الأمر الذي سوف يؤدي في نهاية الأمر إلى رفع معدل الضرائب على المشاريع والأعمال في لويزيانا.

ومن ناحية أخرى أكد غيندال Jindal على أن أوجه الإنفاق التي تضمنتها خطة الإنقاذ الاقتصادي تعد إهدارًا لأموال الضرائب، ولكنه في الوقت ذاته أشار إلى أن الرئيس بارك أوباما ما يزال أمامه فرصة للنجاح في مواجهة الأزمة الاقتصادية، وذلك من خلال العمل الجاد مع الجمهوريين، وليس ترك كل الأمور في يد رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، التي يرى غيندال Jindal أنها انفردت بصياغة مشروع القانون الذي قنن خطة الإنقاذ.

وفى ظل هذا الرفض من جانب غيندال Jindal ومن خلفه الحزب الجمهوري لسياسات الإدارة الديمقراطية الاقتصادية، تساءل جريجوري Gregory عن جدوى التخفيضات الضريبية الكبيرة التي نفذتها إدارة جورج بوش الجمهورية على مدار ثماني سنوات في البيت الأبيض، والتي ـ كما يقول ـ لم ينتج عنها سوى خلق حوالي ثلاثة ملايين وظيفة فقط. وتعليقًا على هذه الحقائق أكد حاكم لويزيانا أن نظرة سريعة على التاريخ الأميركي خاصة فترة حكم الرئيس رونالد ريجان والرئيس كيندي وبالطبع فترة حكم الرئيس بوش، يشير إلى أنها فترات شهدت تخفيضات ضريبية كبيرة، وكان من نتيجتها ازدهار اقتصادي كبير، وخلق مزيدٍ من الوظائف، ومن هنا يتبين الخلاف الأساسي حول خطة الحوافز والإنقاذ، والطريقة التي تعالج بها الإدارة الأميركية الأزمة الاقتصادية.

وعلى هذا الصعيد يؤكد غيندال Jindal أن الحل ليس في قيام الحكومة الفيدرالية بإرهاق المواطنين بمزيد من الضرائب واقتراض مزيدٍ من الأموال. ولكن السبيل الأفضل لهذه المواجهة هو قيام الإدارة الأميركية باتباع مجموعة من الإجراءات، من قبيل خفض الضرائب على أرباح رأس المال، والعمل على تشجيع القطاع الخاص على الإنفاق والاستثمار مرة أخرى. فالحل لا يكمن في اقتراض الأموال وإعطائها للولايات فقط وإنما في تنشيط دور القطاع الخاص ليكون قادرًا على توفير مزيدٍ من الوظائف، وثم التغلب على الأزمة الاقتصادية.

وفى النهاية انتقل جريجوري Gregory إلى التساؤل حول بعض النقاط النظرية الفلسفية المتعلقة بجوهر الخطة، حيث أشار إلى أنه في مثل هذه الأزمات الاقتصادية التي يحجم فيها الأفراد عن الاستهلاك، وتتوقف مختلف الأعمال والمشروعات التجارية عن التوسع في أنشطتها، هل يكون من الخطأ أن تحاول الحكومة الخروج من الأزمة بتنشيط الاستهلاك وضخ مزيدٍ من الأموال في الاقتصاد؟. وتعليقًا على ذلك شدد غيندال Jindal على أنه كان لابد من أن تعمل الإدارة الديمقراطية على التوصل إلى اتفاق بين الحزبين حول خطة للدعم، على أن تكون خطة محددة الأهداف ومؤقتة بفترة زمنية معينة، خطة تعمل على الاستثمار في البنية التحتية الحقيقية مثل الموانئ والطرق، وتكون مصحوبة بتخفيضات ضريبية تساعد المشروعات الصغيرة، هذه الأمور فقط هي التي يمكن أن تساعد الاقتصاد على النمو مرة أخرى، أيضًا لابد لهذه الخطة ألا تتضمن خلق برامج حكومية جديدة دائمة، من خلالها تتدخل الحكومة الفيدرالية بقوة في إدارة الاقتصاد، بما يسهم في نهاية الأمر في زيادة عجز الموازنة.