هل يبدأ من حيث انتهى أولمرت؟
عيون نتنياهو على سوريا... مع قرب تسلمه الحكم

خلف خلف من رام الله: كان مطلع العام الحالي على موعد مع جملة تطورات سياسية في إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، إذ أن تسلم باراك أوباما مقاليد الحكم في واشنطن، وصفه الكثيرون بالحدث التاريخي، كما أن تكليف رئيس حزب الليكود اليميني بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة يحمل من الدلالات والمعاني الكثير، ويثير التساؤل حول مصير الكثير من القضايا والمسائل، وأولها ملف المفاوضات سواء مع الفلسطينيين أم السوريين. بل أن آخر التصريحات الصادرة عن نتنياهو عبر خلالها عن رغبة بلاده ببدء المفاوضات مع سوريا، وقال إنه quot;سيتحدث مع سوريا حول قطع علاقاتها مع حزب الله وإيران، وبناء ثقة بأن إسرائيل على استعداد للتقدم في عملية السلامquot;. هذه التصريحات سبقتها تسريبات إعلامية تحدثت عن إعداد رجال نتنياهو لخطوط عريضة لبدء المحادثات مع سوريا، وبحسب صحيفة هآرتس الصادرة يوم الجمعة الماضية فإن مقربين من نتنياهو يناقشون فكرة وضع أسس لتسوية مؤقتة بين إسرائيل وسورية، تعلن بموجبها تل أبيب ودمشق عن رفع شعار quot;اللاحربquot; بين البلدين، وهنا تقوم إسرائيل بالانسحاب من مناطق محدودة جدًا من الجولان، وتنقل السيطرة الإدارية والأمنية فيها إلى سورية.

ومنذ انقضاء حرب لبنان الثانية في صيف 2006 ترجحت علاقات إسرائيل وسوريا بين الخوف من نشوب مواجهة بينهما وأمل تجديد المسيرة السلمية بين الدولتين، بل شق طريق اليها عبر الوسيط التركي، وكان لكل طرف محفزاته الداخلية والخارجية للسير في هذا الطريق الشائك، فمثلاً حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ترميم مستقبله السياسي الذي طالته الانتقادات بعقب حرب حزيران، ثم الاشتباه بتورطه في خمس قضايا فساد، إيضًا أوصت اجهزة استخبارات تل أبيب بإحياء المسار السوري لتبريد الجبهة الشمالية، وتحجيم مستوى التدخل الإيراني في المنطقة.

أما الرئيس السوري، بشار الأسد، فقد حاول بدوره الاستفادة من تجديد المحادثات غير المباشرة مع إسرائيل، لتحقيق عدة أمور، أهمها: الحصول على المزيد من الشرعية وتعزيز مكانة نظامه على النطاق الدولي، والتحرر من العزلة والحصار الذي تعيشه بلاده، بالإضافة لتقوية موقفه الداخلي، وتجنب أي هجوم إسرائيلي على سوريا، لا سيما أن الهجمات الإسرائيلية ضد سوريا في العامين الأخيرين تكررت بشكل خارج عن العادة.

ففي السادس من ايلول/سبتمبر 2007 قصفت الطائرات الحربية هدفاً في شمال سوريا، قيل إنه منشأة ذرية، وتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ذلك، كما اغتيل قائد الذراع العسكرية لحزب الله في الاول من شباط/فبراير 2008 في قلب دمشق، وكذلك اغتيل محمد سليمان، المستشار العسكري المقرب من بشار الاسد، في مدينة طرطوس على الساحل السوري في الاول من آب/أغسطس 2008.

وهي حوادث واعتداءات لم ترد عليها دمشق، فوق ذلك قررت سوريا بعد نحو من ثلاثة أشهر من الهجوم الجوي الاسرائيلي على شمالها، المشاركة في مؤتمر انابوليس للسلام الذي أنعقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2007، وفي ايار/مايو 2008، بعد شهرين من اغتيال مغنية، انطلقت المباحثات السورية- الإسرائيلية عبر الوسيط التركي، وألمحت دمشق الى أن الخيار السياسي بقي بالنسبة اليها خيارًا مفضلاً.

مع ذلك، برغم تجديد محادثات السلام غير المباشرة بين اسرائيل وسوريا، لم تبدو أي دلالة في الأفق على شق طريق يفضي إلى إحراز اتفاق سلام بين الدولتين ويعدل بهما عن مسار المواجهة الذي تخطوان فيه منذ سنين بعيدة. حسب الباحث الإسرائيلي ايال زيسر فإن صعوبة الافضاء الى شق طريق كهذا كانت كامنة قبل كل شيء بعدم رؤيا حق للسلام، مشفوعة بتصميم وجد، وعلى التخطيط قوة شخصية وسياسية بين قادة سوريا واسرائيل وفي الأدارة الأميركية كذلك. ويبدو أن الطرفين لم يكسر بعد حاجز انعدام الثقة، فصورة رئيس سورية بشار الاسد وهو يدير ظهره لرئيس حكومة اسرائيل زمن انعقاد قمة رؤساء دول البحر المتوسط في باريس في منتصف تموز 2008 تعبر عن ذلك بوضوح.

العديد من التقديرات والتقارير الصحافية التي كتبت حول المحادثات غير المباشرة التي تمت بين تل أبيب ودمشق خلال العام الماضي تشير إلى أنها استهدفت بشكل رئيس البحث في سبل البدء في محادثات مباشرة، وربما حلحة المشاكل التقنية لأي مفاوضات مستقبلية يمكن إطلاقها بين الجانبين.

لكن يبدو أن السوريين حظيوا بالعديد من الفوائد من هذه المباحثات غير المباشرة، ومنها، الحصول على التزام من أولمرت بالإنسحاب من هضبة الجولان كلها، إلى خطوط الرابع من حزيران 1967، وهكذا أصبح أولمرت رابع رئيس وزراء إسرائيلي يمنحهم وعدا بذلك، فقد سبقه اسحاق رابين وشمعون بيرس وبنيامين نتنياهو وإيهود باراك، وهذا الالتزام سيعرض على كل رئيس حكومة اسرائيلي يريد في المستقبل تجديد مفاوضة السوريين.

ادخل ملف المحادثات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب إلى الثلاجة من جديد، مع إعلان أولمرت بتاريخ 30 تموز/يوليو 2008 بأنه لن يقدم ترشيحه للانتخابات الداخلية التي كانت حركة كديما ستقيمها في 17 ايلول/سبتمبر 2008 لمرشحها لمنصب رئيس الحكومة، والذي معناه عمليًا إنتهاء الحياة السياسية لأولمرت، وأنزال الستار عن الاتصالات التي ادارها مع سوريا عبر الوسيط التركي.

على العموم، ما سبق لا يعني أن المفاوضات السورية الإسرائيلية لن تتجدد خلال ولاية حكم نتنياهو المقبلة، وليس مستبعدًا في الوقت ذاته، تحقيق تقدمًا كبيرًا على هذا المستوى، وبخاصة أن الإدارة الأميركية بقيادة باراك أوباما تؤيد خط الحوار قبل اللجوء إلى أستخدام القوة، وهو عنصر داعم للمفاوضات السورية الإسرائيلية، فلا يمكن التقدم في هذا الإطار دون رضى ودعم وتأيد أميركي.

مع اخذ بعين الحسبان أن التوجه الأميركي الممكن حيال الملف السوري، تحكمه جملة تطورات، أبرزها طبيعة المنحنى الذي ستأخذه قضية الملف النووي الإيراني خلال الفترة المقبلة، وكذلك التطورات الممكن حدوثها على الجبهة اللبنانية والجبهة الفلسطينية لا سيما قطاع غزة، حيث إن رغبة تل أبيب في توقيع اتفاق سلام مع دمشق تهدف في مؤداها النهائي إلى إخراجها مما تسميه محور الشر، إيران، ومنظمة حزب الله، وحركة حماس.