خلف خلف من رام الله: لم تكن زيارة قداسة البابا بنديكت السادس عشر إلى القدس والأراضي الفلسطينية لمجرد التعرف وزيارة الأماكن المقدسية فحسب، بل هي زيارة حج، وإطلاع كذلك على معاناة الشعب الفلسطيني، هذا على الأقل ما يلمس من جدول الزيارة وطبيعتها والتصريحات التي رافقتها خلال اليومين الماضيين، بالإضافة إلى ما واكبها من تحليلات وتقديرات للمتابعين والمحللين السياسيين. لقد أعلن قداسة البابا خلال زيارته رفضه للحصار الإسرائيلي، ودعا إلى إقامة دولة فلسطينية وإزالة الجدار الفاصل، بل أنه ذهب أبعد من ذلك، حينما أكد في عظته في باحة كنيسة المهد في بيت لحم جنوب الضفة الغربية أنه يصلي من أجل رفع الحصار الاسرائيلي المفروض على قطاع غزة.

الكثير من المراقبين والسياسيين الفلسطينيين اعتبروا أن نجاح زيارة قداسته إلى فلسطين فاق التوقعات، ويدعم هؤلاء وجهة نظرهم بما حملته الزيارة من مواقف، وهالة الاستقبال للبابا في مدينة بيت لحم، حيث دوت الهتافات عبر مكبرات الصوت، quot;يعيش الباباquot;، يصاحبها تصفيقًا حارًا من كافة المتواجدين والحجاج المسيحين الذين توافدوا إلى المكان من كل نحو وصوب، إذ أن وصول البابا إلى المدينة يعتبر حدثا لافتا، ويحمل في طياته الكثير من المغازي الدينية والسياسية.

كما أن التصريحات التي أطلقها قداسته احتوت العديد من الرسائل السياسية في عدة اتجاهات، ومن ضمنها موقفه المناوئ للاحتلال الإسرائيلي، ودعمه للشعب الفلسطيني في مسيرته لإقامة دولته المستقلة، ومطالبته للفلسطينيين بالوحدة وإنهاء الانقسام، وكلها عناصر امدت هذه الزيارة بمقومات نجاحها، حسبما يعتقد أغلب المتابعين للزيارة.

تيسير خالد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، يقول لـquot;إيلافquot;: quot;لم نكن نتوقع أن يكون هناك تطابق بين مواقفنا ومواقف البابا والفاتيكان من القضية الفلسطينية لهذه الدرجة، حيث إن قداسته عبر عن رفضه للسياسات والإجراءات الإسرائيلية القائمة في الضفة الغربية وقطاع غزةquot;، وأضاف خالد: quot;لقد تشكل لدى قداسة البابا خلال الزيارة انطباعًا حول الممارسات الإسرائيلية والظلم المفروض على شعبنا، وسمعنا منه كلام طيب حينما عقب على ما شاهده من اجراءات إسرائيلية وظلم لشعبناquot;.

لكنه أستدرك قائلاً: quot;بيد أن مواقف قداسة البابا كما هو معروف تبقى معنوية، لكنها مؤثرة في المجتمعات الغربية، وكلنا أمل أن تتحول التصريحات التي سمعناها إلى سياسات رسمية يتبناها الفاتيكانquot;. وأضاف تيسير خالد: quot;أن زيارة البابا مهمة من حيث توقيتها كذلك، ونعيد ونؤكد أننا نأمل أن يترتب على الانطباعات التي أخذها قداسته مواقف رسمية من الفاتيكات تجبر إسرائيل على وقف جرائمها بحق شعبنا الفلسطينيquot;.

قداسة البابا، الذي فضل زيارة مخيم عايدة للاجئين الواقع في مدينة بيت لحم، أطلع على معاناة الفلسطينيين اللاجئين عن قرب، كما أنه صرح قبيل مغادرته لبيت لحم أنه يعتقد أن الجدار الذي اقامته إسرائيل في الضفة الغربية وحولها يمكن ازالته.
واضاف البابا quot;لقد شاهدته... (أنه) يلقي بظلاله على جانب كبير من بيت لحم .. الجدار الذي ينتأ في أراضيكم ويفصل بين الجيران ويقسم العائلات على الرغم من أن الجدران يسهل بناؤها فكلنا نعلم أنها لا تبقى الى الأبد. يمكن إزالتهاquot;.

النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، عيسى قراقع، أعتبر في حديث مع quot;إيلافquot;، quot;أن زيارة البابا إلى مخيم عايدة هي رسالة تحدي للاحتلالquot;، وأشار في الوقت ذاته، أن الشعب الفلسطيني يثمن الزيارة وما حمتله من رسائل إيجابية حيال القضية الفلسطينية والملفات الشائكة في المنطقة. وعبر قراقع عن امنياته بترجمة مضمون الزيارة إلى أفعال على الأرض، مشدداً على أن الشعب الفلسطيني يقدر كل جهد يبذل لدعمه وتعزيز صموده على أرضه.

لكن الكثير من الفلسطينيين تمنوا لو أن قداسة البابا زار قطاع غزة المحاصر منذ نحو عامين، وهو ما أدى لوفاة العديد من المواطنين بسبب عدم توفر العلاج اللازم، كما أن نسبة الفقر وصلت بحسب العديد من التقديرات الرسمية إلى أكثر من 75%، ولم تفلح جميع المحاولات في كسر الحصار من خلال سفن قادمة قبرص ولبنان، حيث دأبت السلطات الإسرائيلية على منع أغلب هذه السفن، ومن دخل منها كان محملا ببعض المساعدات العينية التي لم تلب حاجات المواطنين الفلسطينيين بالشكل المطلوب.