مطالبة بمحاكمة موسوي بتهمة الخيانة

واشنطن: تغيرت لهجة الرئيس الأميركي تجاه التسونامي الإيراني الأخضر الذي يجتاح الشارع الإيراني من الإعلان عن نتائج الانتخابات الإيرانية التي شابها عملية تزوير، حسب عديدٍ من المحللين داخل طهران وخارجها. وبعد يوم من كلمات الرئيس القوية، في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، المنتقدة لتصرفات النظام الإيراني في استخدام القوة والبطش ضد مواطنيه المتظاهرين استضافت مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي (CEIP) حلقة نقاشية حول السياسة الخارجية الأميركية تجاه طهران بعد الانتخابات وفوز محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية.

ضمت الجلسة عديدًا من الشخصيات المتميزة في الشئون الأميركية والإيرانية. فتحدث في تلك الجلسة وكيل وزارة الخارجية للشئون السياسية الأسبق نيكولاس بيرنز Nicholas Burns، والذي يعمل حاليًّا أستاذ ممارسة الدبلوماسية والسياسة الدولية في كلية جون كينيدي للحكومة التابعة لجامعة هارفارد. وعباس ميلاني Abbas Milani مدير الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد. وكريم سدجادبور Karim Sadjadpourالباحث المتميز في الشئون الإيرانية بمؤسسة كارنيجي. وأخيرًا ديفيد اجناتيوس David Ignatius كاتب عمود ومساعد محرر في صحيفة واشنطن بوست.

أوباما وأزمة الشارع الإيراني

في بداية أحداث الجلسة النقاشية قرأ مدير الحلقة quot;اجناتيوسquot; كلمات الرئيس الأميركي ـ التي قالها في مؤتمره الصحفي ـ القوية والمنتقدة للتصرفات الإيرانية وسياسات النظام الإيراني في التعامل مع المتظاهرين. مضيفًا أن تلك السياسات الإيرانية تهدد فرص الحوار مع إيران. ويقتبس اجناتيوس من كلمة أوباما ما يُفيد غضب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وسخطهما ممَّا يحدث في إيران من انتهاك حريات المتظاهرين وضربهم وسجنهم خلال الأسابيع الماضية. ويشير إلى إدانة أوباما القوية والصريحة لتلك التصرفات بأنها quot;أعمال غير عادلةquot;.

وقد تعرض الرئيس الأميركي إلى انتقادات شديدة من قبل أعضاء الحزب الجمهوري وكثير من كتاب ومفكري الولايات المتحدة لاسيما من المحافظين الجدد لسياساته وإدانته غير الصريحة والقوية في بداية الأمر لما يحدث من النظام الإيراني ضد المتظاهرين والمحتجين في الشارع الإيراني. فقد كان منتقدو أوباما يريدون منه تغيير سياساته القائمة على الحوار والدبلوماسية مع الجانب الإيراني، وإدانة قوية وصريحة لتزوير الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وتصرفات جلية وقوية ضد سياسات quot;الملاليquot; القسرية والإكراهية ضد المتظاهرين والمحتجين.

وعلى الرغم من تلك الانتقادات لسياسات وتصرفات الرئيس الأميركي إلا أنه أصرَّ على أن تظل لهجته متسقة منذ البداية. ويشير اجناتيوس إلى كلمات الرئيس أوباما التي تعبر عن قلقه العميق حول طبيعة الانتخابات الإيرانية، ولكن في الوقت ذاته عدم التدخل في تحديد نتيجة الانتخابات. ويرفض أوباما مزاعم النظام الإيراني بالتدخل الأميركي في الشئون الإيرانية ودعم المتظاهرين والمحتجين. ويضيف إن أوباما في كلمته أكد على أن الشعب الإيراني هو من له الحق في اختيار قياداته وليس الولايات المتحدة والغرب.

ويقول: إن الرئيس أوباما قدم نصيحة إلى الرئيس الإيراني قائلاً quot;إذا كانت الحكومة الإيرانية تسعى إلى احترام المجتمع الدولي فعليها احترام تلك الحقوق، والاستجابة لإدارة شعبها. يجب أن تحكم بالتوافق والموافقة وليس القسر. وهذا ما يدعو إليه الشعب الإيراني، وهو الذي يحكم في نهاية الأمر على تصرفات حكومتهquot;.

لهجة وسياسة متزنة

من جانبه يرى الخبير في الشئون الإيرانية كريم سدجادبور أنه ينبغي أن يواصل الرئيس أوباما في مسار إدانته لانتهاكات النظام الإيراني العظيمة لحقوق الإنسان، مع عدم التدخل في الشأن الإيراني. ففي وقت سابق دعا الرئيس الأميركي النظام الإيراني إلى وقف العنف والخطوات الظالمة لخنق حرية التعبير. ويرى سدجادبور أن الرسالة الأميركية ولهجة أوباما كانت محسوبة بصورة صحيحة، وبالنظر إلى التاريخ الإيراني هناك شكوك كبيرة حول النفوذ الأجنبي في إيران. في غضون العقود الثلاثة الماضية، إن التدخل الأميركي في الشئون الداخلية الإيرانية من خلال الإعراب عن التأييد للقوى التقدمية أضر بقضيتهم بدلاً من مساعدتهم.

ويقول بيرنز، الذي كان مسئولاً عن السياسة الأميركية تجاه إيران خلال إدارة الرئيس جورج بوش، إن أوباما تعامل بطريقة رائعة مرتكزة على التفكير المتعمق ومعرفة نتائج أي تصريح وتبعاته. ويضيف إن أوباما لم يحصد بعد ما يكفي على أفعاله. انتقد الرئيس أوباما التكتيكات الوحشية للحكومة الإيرانية، لكنه لم يدخل العامل السياسي في هذه المسألة. رد أوباما كان قويًّا وصارمًا، ولكنه في الوقت ذاته، كان دبلوماسيًّا. ويقول يجب أن نشعر كأميركيين بالاطمئنان للغاية لأنه (أوباما) رئيسنا. ولدى أوباما خلفية كبيرة عما حدث في الماضي في العلاقات الأميركية ـ الإيرانية.

فيذكر بيرنز بأن القضايا الخلافية بدأت بين البلدين منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية منذ ثلاثة عقود، شهدت خلالها العلاقات مرحلة من التوتر والشد والجذب. يريد الرئيس أوباما إيجاد الوقت والمكان المناسب لمناقشة هذه المسائل، لكن ليس قبل أن يهدأ الشارع الإيراني وتهدأ الأمور هناك. وهو الأمر الذي لا يتيح للرئيس أحمدي نجاد الادعاء بالتدخل الخارجي الأميركي في شئون بلاده، لأن الولايات المتحدة لم تتدخل سياسيًّا. وما يشير إلى إعجاب بيرنز بالرئيس الأميركي باراك أوباما وسياساته حيال الأزمة الإيرانية. ويقول بيرنز: quot;نحن ندين للمتظاهرين الإيرانيين بأن لا تعطى شرعية قصيرة المدى لأحمدي نجاد.quot;

وفي ختام مداخلته يأمل بيرنز أن تسود حركة الإصلاح في إيران من دون حرب، وأن يتم حل المشاكل بالطرق الدبلوماسية. ويضيف يجب أن يعلم الإيرانيون أن الرئيس الأميركي لا يتجاهلهم. في الواقع، أوباما لديه اهتمام كبير بالديمقراطية، لكنه على دراية بأن إدراج الولايات المتحدة في أزمة إيران لن يساعد قضية الإصلاحيين.

والسؤال المهم الذي يشغل عقول الأميركيين والصحافيين على حد سواء، هو ما إذا كانت رؤية أوباما للنظام الإيراني ستتغير؟. يرد بيرنز على هذا التساؤل بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة ينبغي أن تكون حذرة عندما يحتج ويتظاهر المواطنون، وذلك لأن الأحداث في طور التطور. ويرى أنه يبغي الانتظار إلى أن تهدأ الأوضاع ثم تحدد الولايات المتحدة الخطوة التالية.

مستقبل حركة الشارع الإيراني

ويرى الخبير الآخر في الشئون الإيرانية ميلاني أن تلك الأزمة التي يمر بها النظام الإيراني تُعد أخطر الأزمات التي واجها هذا النظام. ويرى أن المعركة غير عادلة، حيث هناك طرف يحمل السلاح في حين أن الآخر يحترم حقوق الإنسان والحياة البشرية. وينصح ميلاني المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي على التوجه بثبات داخل عمق الشارع والشعب الإيراني والمحافظة على التأييد الشعبي.ويذكر أنه إذا نزل مليون شخص في مسيرة صامتة في الشارع سلميا، لا يكون هناك من شيء يمكن أن يفعله النظام بقطع النظر عن الرصاص. ويدعو ميلاني ـ المتشائم من الناحية التكتيكية، ولكنه متفائل بشكل استراتيجي ـ إلى استمرار حركة الإصلاح التي ستفقد النظام الإيراني تماسكه.

يتفق سدجادبور مع ما هذب إليه ميلاني، ولكنه يضيف أن هذه الاحتجاجات لم يسبق لها مثيل حقًّا داخل الشارع الإيراني وما يحدث في إيران يعد شيئًا تاريخيًّا على قدم وساق. إنها ليست معارضة شعبية فقط ضد النظام، كما كان الحال في السنوات الماضية. ووفقًا لما ذكره سدجادبور، فإن النظام لم تواجهه معارضة تتجاوز النخبة الليبرالية، والتي تشمل جُلَّ المواطنين على حد سواء (الطبقة العاملة، العمال، والطبقات ذات الدخل المنخفض، وفئات المتعلمين)، وبطبيعة الحال النخبة الثورية (المثقفين والنخب في شمال طهران). على العكس ما كان في الماضي فإن المسيرات الضخمة ليست فقط في طهران، ولكن في جميع أنحاء البلاد.

استمرار الاضطراب في مرحلة ما بعد الانتخابات في إيران أدت إلى أزمة قيادة ليس فقط بالنسبة للرئيس أحمدي نجاد، ولكن للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله خامنئي. على خلاف أي وقت مضى، يواجه آية الله خامنئي تحديًا من جانب مئات الآلاف من المتظاهرين والذي يصفونه علانية بالكاذب والدكتاتور. باعتباره أقوى رجال الدين في إيران، ربما يضحي بنجاد من أجل الحفاظ على موقعه وسلطته داخل السلطة الإيرانية. ويقول سدجادبور إنه ربما تؤدي الانتفاضة الشعبية، وضغوط سياسية بارزة من رجال الدين، واحتمال التصدع في الحرس الثوري إلى حملة واسعة النطاق دموية ليحتفظ خامنئي بسلطته. واتفق الحاضرون على أن الأمور تزداد سوءًا قبل أن تتحسن.