واشنطن: ستُحاول إدارة الرئيس الأميركي quot;باراك أوباماquot; إستعادة الدور الأميركي المفتقد على الساحة الصومالية. وتعمل الإدارة على مراجعة استراتيجيتها تجاه الصومال؛ حيث تسعى حاليًا لدعم الحكومة الانتقالية الصومالية (TFG)، التي يرأسها الشيخ شريف شيخ أحمد ـ منذ مطلع العام الجاري ـ في مواجهة الجماعات المسلحة وحركة شباب المجاهدين. لكن هذا الدعم يُثير عديدًا من التساؤلات حول مغزى الدعم الأميركي للصومال، وما طبيعته؟، ولماذا الدعم في هذا الوقت خاصةً؟، ولماذا لا تسعى الولايات المتحدة الأميركية لإصدار قرار من مجلس الأمن بضرورة إرسال قوات حفظ سلام دولية للصومال بدلاً من قوات حفظ السلام الأفريقية والتي تُواجه عقبات في القيام بواجباتها والتي تنحصر فقط في حماية الحكومة الصومالية من هجمات المعارضة والجماعات المسلحة، وتواجه عجزًا في العدد والعتاد حيث يبلغ عددها 4500 جندي من بوروندي وأوغندا من أصل 8000 جندي كانت قد تعهدت الدول الأفريقية بإرسالهم لكن لم يتم ذلك حتى الآن؟. هذه التساؤلات ستكون محور تقريرنا التالي.

المساعدات الأميركية للصومال

شاركت الولايات المتحدة الأميركية في مؤتمر إعادة إعمار الصومال والذي عقد في بروكسل في الفترة من 22-23 من إبريل 2009. وتعهدت فيه بدفع مبلغ 57 مليون دولار لدعم الصومال. فهناك ما يقرب من 500.000 لاجئ صومالي، و1.5 مليون مشرد و3.2 مليون نسمة بحاجة للمساعدات الإنسانية، وهو ما يُمثل 43% من مجموع السكان. وقد تم تقديم مساعدات إنسانية للصومال تقدر بـ9.084.706 مليون دولار أميركي.

ووفقًا لما نسب إلى المتحدث باسم الخارجية الأميركية quot;إيان كيليquot; وما أوردته صحيفة الواشنطن بوست في تقريرين لها بتاريخ 28 من يونيو 2009 تحت عنوان: تحليل: مساعدات الصومال ترتبط بحكومة هشةquot; وquot;مسئولين: الولايات المتحدة تعزيز المساعدات للصومال لإحباط المتمردين بتاريخ 25 من يونيو2009، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية إرسال شحنة أسلحة تُقدر بـ40 طنًا من المعدات العسكرية والذخيرة للحكومة الصومالية والتي تواجه حاليًا حصارًا من قبل قوات شباب المجاهدين والتي تحاصر مبنى الرئاسة والحكومة quot;فيلا صوماليquot; ومهددة بالسقوط والانهيار. كذلك تعهدت الولايات المتحدة الأميركية بتقديم مبلغ قدره 10 مليون دولار للمساعدة في إحياء الجيش الصومالي.

أهداف ومبررات الدعم الأميركي

تشير السياسية الأميركية وأجندة إدارة الرئيس الأميركي quot;باراك أوباماquot; تجاه القضية الصومالية إلى أنه لدى الولايات المتحدة الأميركية عدة أهداف ومبررات من دعم الصومال والعودة مرة أخرى للساحة الصومالية، وهي كالآتي: تنفيذ الوعد الذي قطعه الرئيس الأميركي باراك أوباما ـ ذو الأصول الأفريقية ـ بأن يفعل المزيد لأفريقيا وأن يعزز من قدرات هذه القارة التي يواجهها الفقر والحروب الأهلية، وأن يُفعِّل الدور الأميركي في منطقة القرن الأفريقي.

نتيجة لملاحقة إدارة أوباما لتنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان للوفاء بالوعد الذي قطعه في جولته الانتخابية بالقبض على زعيم القاعدة quot;أسامة بن لادنquot; وقيادات حركة طالبان وتقديمهم للعدالة، ولتنفيذ وعده هذا قام بزيادة عدد الجنود في أفغانستان لمحاربة طالبان أفغانستان وباكستان. وقد أدت سياساته تلك إلي فرار أعداد من مقاتلي تنظيم القاعدة إلى الصومال حيث وجدوا فيها الملاذ الآمن. ويُقدر أعداد المقاتلين الأجانب داخل الصومال بـ400 مقاتل أغلبهم انضم لحركة شباب المجاهدين وقاموا بتوجيه الضربات تلو الأخرى للحكومة الصومالية في محاولة لإسقاطها، حيث اعتبرها أسامة بن لادن حكومة موالية للغرب ويجب إسقاطها.

سيضر انهيار الحكومة الانتقالية الصومالية بالاستقرار طويل الأجل في الصومال. فالولايات المتحدة الأميركية مصممة على دعم سياسة المصالحة الصومالية والتي تقودها حكومة quot;شيخ شريف شيخ أحمدquot; وهذا ما أعلنه في وقت سابق مساعد وزير الخارجية الأميركية للشئون الأفريقية quot;جوني كارسونquot; في حديثه لأعضاء الكونجرس الأميركي في 20 من مايو 2009 بضرورة تقديم كل العون والدعم للحكومة الصومالية حتى لا تسقط وتكون مرتعًا خصبًا لتنظيم القاعدة.

تدرك إدارة الرئيس الأميركي أن سبب زيادة الهجمات التي يقوم بها القراصنة في المنطقة يعود إلى حالة الفوضى والانهيار واليأس الاقتصادي وعدم وجود موارد للرزق للصوماليين. وهو ما يشهده الصومال على مدى عقدين، ما يدفعهم إلي القيام بهذه الهجمات. وعليه فإن أميركا ترى أنه يجب أن يكون لديها دور أكبر في منطقة القرن الأفريقي. وقد اقترح السيناتور الديمقراطي quot;راسل فاينجولدquot; أن يكون لإدارة الرئيس الأميركي مبعوث خاص لها في منطقة القرن الأفريقي.

تهدف الولايات المتحدة إلى وقف تقدم حركة شباب المجاهدين في منطقة القرن الأفريقي، واحتضان الحكومة الصومالية الهشة والمترنحة والتي لا تحكم سوى 2 كم فقط من الصومال ويحكم باقي الصومال حركة شباب المجاهدين والحزب الإسلامي. ويأتي هذا الدعم خاصة بعد تزايد الهجمات الموجهة للحكومة الصومالية وما أسفرت عنه هذه الاغتيالات من مقتل قائد الشرطة الصومالية في مقديشو بتاريخ 17 من يونيو 2009 واغتيال وزير الأمن الصومالي quot;عمر حاشيquot; وسفير الصومال لدى أثيوبيا أمام فندق صحفي بمقديشو بسيارة مفخخة بتاريخ 18 من يونيو 2009، وما تلاه من إعلان حالة الطوارئ في الصومال ومطالبة الرئيس الصومالي والبرلمان الصومالي الدول المجاورة والمجتمع الدولي بضرورة التدخل لوقف الهجمات الموجهة إلى الحكومة الصومالية. وقد أعلنت إدارة أوباما عزمها على إعطاء تدريبات لقوات الحكومة الانتقالية الصومالية في دولة جيبوتي المجاورة للصومال وضرورة إحياء الجيش الصومالي وهذا أيضًا ما حث عليه quot;آدم سميث Adam Smith quot; رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب عن اللجنة الفرعية الخاصة بالإرهاب، بضرورة أن تحارب أميركا الفوضى الموجودة في الصومال والتي تعد العدو الأول لأميركا.

تقوم حاليا إدارة الرئيس الأميركي أوباما بفرض مزيدٍ من الضغوط على إريتريا والتي تَمدُّ حركة شباب المجاهدين بالأسلحة، والتي أرسلت طائرتين محملتين بالأسلحة إلى مطار بلدوخي العسكري الذي يسيطر عليه الإسلاميون، وذلك وفقًا لما أعلنه وزير الأمن الصومالي السابق عمر حاشي، فما كان من إريتريا إلا أن أعلنت عدم اعترافها بحكومة الشيخ شريف شيخ أحمد في 4 من مايو 2009. وتسعى حاليًا إدارة أوباما نحو فرض عقوبات على إريتريا خاصة بعد طلب مجلس السلم والأمن الأفريقي في اجتماعه 190 بفرض عقوبات على إريتريا وعلى الفاعلين الأجانب داخل وخارج المنطقة والذين يقدمون الدعم للجماعات المسلحة في مواجهة الحكومة الصومالية وقوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال AMISOM .

لماذا لا تحل قوات الأمم المتحدة محل الإفريقية

كل هذه تعد أهداف الولايات المتحدة الأميركية لدعمها الصومال والحكومة الانتقالية الصومالية، لكن السؤال الأهم لماذا لا تسعى الولايات المتحدة لإصدار قرار من مجلس الأمن بإرسال قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة بدلاً من قوات حفظ السلام الأفريقية والتي تواجه عديدًا من القصور والعقبات في سبيل القيام بواجباتها؟. لا تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى ذلك لأسباب التالية:

الذكرى الأليمة التي خلفتها مشاركة الولايات المتحدة في قوات إعادة الأمل في الصومال عام 1993 UNISOM وما أسفرت عنه من مقتل 18 جنديًّا أميركيًّا وتم سحلهم في شوارع مقديشو على مرأى من العالم مما هز الرأي العام الأميركي وصورة الولايات المتحدة الأميركية.

عبء الوجود العسكري الأميركي في الصومال، حيث لا تستطيع الولايات المتحدة تحمل هذا العبء خاصة بسب الوجود العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان وما يخلفه بشكل شبه يومي من نزيف في أرواح الجنود الأميركيين، وعبء على كاهل ميزانية الولايات المتحدة الأميركية وعلى دافعي الضرائب خاصة مع الأزمة المالية العالمية.

طبيعة المجتمع الصومالي والتي ترفض التدخل العسكري أو الوجود الأجنبي على أرضه، حيث يتحدى الجميع في مواجهة هذا التدخل، وهذا ما حدث بالفعل عندما اتحد أمراء الحرب الصومالية ضد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والتي كانت تحت إمرة الولايات المتحدة، وبالتالي سيتم تكثيف الهجوم على هذه القوات حتى تخرج من ديارهم.

حل هذه المعضلة

ترى الإدارة الأميركية بأن يتم ذلك عبر تفعيل دور قوات حفظ السلام الأفريقية داخل الصومال وتقديم الدعم الفني والمادي وإعطائها الصلاحيات الكفيلة بالقيام بدور أكثر فعالية في حفظ الأمن في الصومال وزيادة عدد تلك القوات، والعمل على حماية الحكومة الانتقالية الصومالية من الانهيار عبر تقديم الدعم المالي لها، وبناء قوات صومالية مدربة والدفع بها لمواجهة حركات المتمردين الصوماليين وقطع الطريق عليهم بشتى الطرق حتى يتم إضعافهم، وتقديم المساعدات للحكومة الصومالية لمواجهة هؤلاء المتمردين الإسلاميين.