إعداد عبدالاله مجيد: نشرت مجلة السياسة الخارجية الأميركية quot;فورين بوليسيquot; Foreign Policy تحليلا لآفاق تطور الصناعة النفطية العراقية في ظل الخلافات السياسية المستمرة وبقاء قانون النفط مجمدا في أدراج مجلس النواب العراقي. وجاء في التحليل: تشكل عائدات النفط 95 في المئة من ميزانية الحكومة العراقية. وستعتمد كل خطة يمكن ان يتخيلها القادة السياسيون العراقيون على ضمان تدفق العائدات النفطية بصورة مضمونة على الخزينة. ويعرف كل فريق سياسي ان البلد لا يمكن ان يحقق استقرارا سياسيا وطيدا قبل التوصل الى اتفاق دائم على مَنْ يملك احتياطات النفط التي تقدَّر بنحو 115 مليار برميل ومَنْ له حق التصرف بها. ومع انسحاب عشرت آلاف الجنود الاميركيين من البلد خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2010 سيحتدم الصراع من أجل السيطرة على هذا النفط.

بعد سنوات من الأخذ والرد ام يتوصل قادة العراق السياسيون حتى الآن الى اتفاق على قانون الهايدروكاربونات الذي يحدِّد توزيع الثروة النفطية بين مكونات البلد المتزاحمة ، وهو مشروع ضروري لاحياء قطاع الطاقة الذي عانى سنوات من نقص الاستثمار ، ثم هبوط اسعار النفط هبوطا حادا من 147 دولارا للبرميل في تموز/يوليو الماضي الى أقل من 65 دولارا اليوم.

تواجه الخطط الرامية الى استدراج استثمارات وخبرات تقنية ثمة حاجة ماسة اليها من شركات النفط العالمية ، عقبات سياسية كأداء. فان كثيرا من العراقيين ما زالوا يعتقدون ان الولايات المتحدة قامت بغزو العراق للسيطرة على نفطه. وبعد وقوع العراق تحت الاحتلال العسكري الأجنبي اكتشف قادته السياسيون ان التعهد بحماية نفط العراق للعراقيين كان يزيد شعبيتهم الشخصية. وان ابداء التأييد لفتح قطاع البلد النفطي للشركات الغربية لن يكسبهم اصواتا في الانتخابات البرلمانية المقررة في كانون الثاني/يناير المقبل.

سيحتدم الصراع السياسي من أجل السيطرة على نفط البلد بحدة في العام المقبل. وينص دستور ما بعد صدام على ان ثروات العراق الطبيعية ملك الشعب العراقي. ولكن القوى السياسية المختلفة تقرأ هذه الفكرة قراءات مختلفة. كما تنص الوثيقة على ان quot;الحكومة الاتحادية تقوم بادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجةquot; (المادة 112). ويفسر البعض هذه الفقرة على انها تعني ان للحكومة المركزية في بغداد حق ادارة نفط العراق فيما يجادل قادة المحافظات بأن هذا النص يمنح الحكومات المحلية حق استثمار الموارد الموجودة في منطقتها ، لا سيما الحقول المكتَشَفة حديثا.

وهذا هو الخلاف الذي يثير توترات دائمة بين بغداد وحكومة اقليم كردستان. فالقادة الكرد ، المستعدون دائما لتأكيد ما تتمتع به حكومة الاقليم من استقلال نسبي سياسيا واقتصاديا ، والأكثر انفتاحا على التعامل مع الشركات الغربية ، يدَّعون حق رسم استراتيجيتهم الخاصة في مجال الطاقة ومنح العقود للشركات العالمية. وبغداد تصر على ان هذه العقود غير قانونية وأدرجت الشركات التي تستثمر في المنطقة الكردية على quot;القائمة السوداءquot;. وتعمل هذه اللعبة متعددة المستويات في صراع الارادات على مفاقمة عدم الاستقرار وتعميق الريبة المتبادلة.

ورغم ان الجانبين تمكنا من الاتفاق على صيغة مرتجلة لتقاسم العائدات تمنح حكومة اقليم كردستان 17 في المئة من عائدات النفط فان غياب قانون ثابت في قطاع الطاقة يحدُّ من تدفق الاستثمارات التي يحتاجها قطاع الطاقة العراقي المتهالك حاجة ماسة إذا أُريد له ان يحافظ على مستويات الانتاج الحالية ، ناهيكم عن زيادة هذه الانتاج.

الآن تلقت الحكومة العراقية ما فتح عيونها على الواقع. ففي 30 حزيران/يونيو أجرت بغداد جولة التنافس الاولى لتوقيع عقود خدمة من أجل تطوير حقول نفطية. وكانت حسابات المسؤولين العراقيين تذهب الى ان امكانية الوصول الى شيء من احتياطات البلد الضخمة ستقنع الشركات المترددة بتجاهل المخاطر السياسية والأمنية الكبيرة وتقبل على العمل في صناعة العراق النفطية. وراهنوا على ان جولة التنافس ستكون دعاية مفيدة ببثها تلفزيونيا على الهواء في عموم البلاد. وقد كانوا مخطئين. ويواجه وزير النفط حسين الشهرستاني الآن مستقبلا سياسيا مجهولا.

فيما يتقدم العراق نحو الانتخابات البرلمانية المقبلة في كانون الثاني/يناير 2010 سيبقى النفط محور كل سجال سياسي. ومع شروع القوات الاميركية في الرحيل بأعداد كبيرة ستحتاج الحكومة العراقية الى دفقات ثابتة من العائدات النفطية لتمويل اعادة اعمار البلد ومواصلة بناء قوات الجيش والشرطة العراقية والانفاق الاجتماعي المطلوب من أجل توفير الخدمات الأساسية للعراقيين. والى ان تتفق الكتل السياسية العراقية المختلفة على الحلول التوافقية اللازمة لتوزيع الثروات النفطية توزيعا عادلا والى ان يقوم الاستثمار الخارجي على نطاق واسع في البنية التحتية النفطية ، بزيادة الانتاج والطاقة التصديرية سيكون هناك الكثير من اسباب الصراع والقليل مما يضمن قدرة العراق على اعادة البناء.