صفقة الإخوان ومصر

نبيل شرف الدين من القاهرة : نفى د. عليّ الدين هلال أمين الإعلام بالحزب الوطني (الحاكم) في مصر أنباء نشرت في إحدى الصحف المحلية بالقاهرة يوم الأحد منسوبة إلى مصادر سياسية رسمية عن صفقة بين الحزب وجماعة الإخوان المسلمين، تقضي بتقليص عمليات اعتقال قيادات الجماعة، مقابل وقفها أنشطتها التحريضية ضد الدولة. وقال هلال quot;إن الحزب لا ينقل رسائل سرية إلى الإخوان أو إلى أي طرف آخر، موضحًا أن تصريحات المرشد العام للإخوان محمد مهدي عاكف بشأن وجود عرض من شخصية سياسية رفيعة بعدم خوض الانتخابات التشريعية القادمة مقابل الإفراج عن جميع المعتقلين من قياداتها هو أمر يصعب تصديقه ولم يتم بحث مثل هذه الأمور في هيئة مكتب أمانة الحزب الوطني أو مناقشتها له.
ومضى المسؤول الرفيع في الحزب الوطني الحاكم قائلاً quot;إن ذلك يأتي في إطار سعي الجماعة لصرف نظر الرأي العام عن الاتهامات الموجهة إلى قياداتها بالمشاركة في عمليات غسيل أموال بالتعاون مع التنظيم الدولي للإخوان وبطريقة تخالف القانونquot;، على حد تعبيره.

في الجانب الآخر يقول عبد المنعم عبد المقصود محامي الإخوان المسلمين إن الجماعة تعيش صيفاً ساخناً في صراعها مع الحكومة وأن العلاقة بين الجماعة والدولة وصلت إلى درجة احتقان غير مسبوقةquot;، مؤكدًا أن quot;حملة الاعتقالات الأخيرة بمثابة رسالة واضحة للجماعة بأن تلك الاعتقالات يمكن أن تطول رأس الجماعة وأن سقف الاعتقالات أصبح عاليًاquot;، على حد قوله .
من جانبه نفى أيضاً عصام العريان القيادي بجماعة الإخوان وجود صفقة خفيَّة بين النظام والإخوان، قائلاً: quot;لا يوجد شيء من هذا النوع، فالإخوان ضحايا ممارسات النظامquot;، وأشار إلى المحاكمات العسكرية الأخيرة، وما وصفه بامتلاء السجون بمئات الإخوان في ظل قانون الطوارئ.

مواجهة محسوبة
ولجماعة quot;الإخوان المسلمينquot; وضع بالغ الخصوصية في مصر، فعلى الرغم من اعتبارها محظورة رسميا، وتوجيه اتهامات للكثيرين بالانضمام لعضويتها ومحاولة إحياء أنشطتها، غير أن للجماعة عدة مقرات علنية، ويقدم قادتها أنفسهم إلى وسائل الإعلام (غير الحكومية) بصفاتهم التنظيمية داخل الجماعة، فضلاً عن أن هناك أعضاء بارزين من الجماعة يشغلون أكثر من 20% من مقاعد مجلس الشعب (البرلمان) المصري، حيث يجري انتخابهم عادة بصفتهم quot;مستقلينquot;، بينما يفوز الحزب الوطني (الحاكم) تقليديًا بمثل هذه الانتخابات .
وتقضي التعديلات الدستورية الأخيرة بضرورة أن يجمع المرشحون غير المنتمين إلى حزب شرعي تواقيع 250 نائبًا منتخبًا، بينهم 65 من مجلس الشعب، و25 من مجلس الشورى، وعشرة من أعضاء المجالس المحلية، حتى يمكنهم الترشح لخوض أي انتخابات رئاسية مقبلة .
ويقول خبراء سياسيون إن أي محاولات للتضييق من الحكومة على الإخوان مجرد إدارة سياسية من قبل الحزب الحاكم للعلاقة مع الجماعة، لافتين إلى أن العلاقة بين الدولة والإخوان تراوحت دائمًا بين الانفراج والتضييق، بينما يعرب الدكتور عماد جاد الخبير بالمركز عن اعتقاده بأن الدولة لا تميل إلى التضييق على أي تيار سياسي، وإنما الاتجاه العام هو الحفاظ على هيمنة الحزب الحاكم، وما يحدث مع الإخوان أمر معتاد في ظل هذه الرؤية .

ويكاد يسود اتفاق بين المراقبين والمحللين السياسيين مفاده أن السبيل الوحيد لمواجهة تعاظم نفوذ الإخوان في الشارع المصري، لن يتم إلا بتحريك المياه الراكدة في الحياة السياسية، وإضفاء حيوية عليها، بحيث تهيئ الأجواء أمام مناخ عام للحوار الجاد، بعيداً عن احتقانات قوى المعارضة أو اكتفاء السلطات بالملاحقات الأمنية وحدها من دون معالجات سياسية رصينة للنفوذ الإخواني الآخذ في التعاظم في قطاعات لا يستهان بها داخل المجتمع المصري، خاصة خلال الأعوام القليلة الماضية .

وتشهد الساحة السياسية المصرية سلسلة حملات تشنها السلطات المصرية على قادة الجماعة ونشطائها البارزين، والتي طالت أسماء من كبار مسؤولي الجماعة التي تحظى بنفوذ كبير، مثل عبد المنعم أبو الفتوح ، غير أن مراقبين يرون أن التصعيد الأمني الأخير ضد قيادات الإخوان محسوب بعناية، وينطلق من توازنات دقيقة ليس بوسع أحد خلافاً للطرفين المعنيين مباشرة بالمسألة (الإخوان والنظام) أن يتكهن بأبعادها، أو يدرك مدى قدرتها على الصمود أمام تداعيات تلك المواجهة التي تتصاعد على نحو لا يبدو ـ حتى الآن على الأقل ـ دخل ساحة المواجهة المفتوحة، بقدر ما يبدو الطرفان حريصين على محاصرته داخل إطار محسوب، انتظاراً للحظة فارقة يعلم الله وحده متى تأتي .